وُلد الأديب البريطاني
جون غلزورثي ( 1867_ 1933) في عائلة ثرية ، ودرس القانون في جامعة أكسفورد . وبعد
تخرجه في عام 1890، رفض العمل في مهنة المحاماة أو سِلْك القضاء ، وأدار ظَهْرَه
لشهادته الجامعية .
بدأ غلزورثي
حياته الجديدة بعيدًا عن تخصصه الجامعي ، وقرَّر أن يُصبِح رَجُلَ أعمالٍ ، فسافرَ
إلى الخارج من أجل عقد الصفقات التجارية، وتوسيع الأنشطة المالية لعائلته
الأرستقراطية . وخلال هذه الرحلات التقى بالكاتب جوزيف كونراد ، وكان هذا اللقاء
المصيري نقطة التَّحول الحاسمة في حياة غلزورثي . لقد صارا رفيقين في السَّفَر ،
جَمعهما حُبُّ الرحلات البحرية ، وعشق الأدب . وفي الواقع ، إنَّ الصداقة بينه
وبين كونراد هي التي قادته إلى عالَم الكتابة .
في عام
1895، بدأ علاقة غرامية سِرِّية مع زوجة ابنة عَمِّه ، وكانت هذه العلاقة سببًا
أساسيًّا في طلاقها من زوجها . وقد تزوَّجها غلزورثي في عام 1905، وبقيا معًا حتى
وفاته .
نشر عددًا
قليلاً من القصص القصيرة تحت اسم مستعار ، ثم تحوَّل إلى الكتابة المسرحية . وكانت
مسرحيته " صندوق الفضة " ( 1906 ) أول مسرحية ناجحة له . لمع اسمُه بين
أوساط القُرَّاء ، وصارَ النُّقاد يُتابعونه باهتمام شديد . ثُمَّ تَحَوَّل إلى
كتابة الروايات . وقد لَقِيَت كتاباته حفاوةً بالغة ، وصارَ موضع تقدير ، وتَمَّ
تكريسه كاتبًا موهوبًا جنبًا إلى جنب مع أبرز الكُتَّاب في تلك الفترة مِثْل جورج
برنارد شو .
إن المبادئ
الأساسية في كتابات غلزورثي المسرحية والروائية تَتَمَحْوَر حول الأسرة ومشكلاتها
الروحية وأزماتها الاجتماعية في المجتمع المادي القاسي ، وكيفية التعامل مع الطبقة
المتوسطة على وجه الخصوص . وفي كتاباته يُظْهِر تعاطفًا واضحًا معَ شخصياته ،
ويُسلِّط الضَّوءَ على مواقفهم الانعزالية ، ويكشف حالاتِ الغرور الإنساني ،
ويُوضِّح القواعدَ الأخلاقية التي تحيط بالإنسان والمجتمع . كما أنه نشر في
كتاباته المبادئَ السياسية والاجتماعية مِثْل : إصلاح السُّجون ، وحقوق المرأة ،
ومعارضة الرقابة ، والرفق بالحيوان . وانتقد قسوةَ النظام الطبقي الإقطاعي في
إنجلترا .
وقد تحدَّى
غلزورثي الْمُثُل العُليا للمجتمع، وقام بتصوير المشكلات الأُسرية في أعماله
الأدبية. فقد صَوَّرَ المرأةَ في الزواج غير السعيد ، وبيَّن مشاعرها مع زوجٍ
تَكرهه . وهذا الأمر كان من المحظورات الاجتماعية في العصر الفكتوري ( نِسبة إلى
الملكة فكتوريا ) . إذ إن المجتمع في ذلك العصر كان مَحكومًا بقوانين اجتماعية
صارمة ، ولَم يكن أحد يَجرؤ على كسر العادات والتقاليد.وقد أرادَ الكاتب تَسليطَ
الضوء على وضع المرأة في المجتمع ، وبيان حقوقها المسلوبة، وأحلامها الضائعة ،
وخضوعها لِسُلطة الأمر الواقع .
انْتُخِبَ
كأوَّل رئيس لنادي القلم الدولي في عام 1921، وحصل على وسام الاستحقاق في عام
1929بعد أن رفض لقب فارس ، وحصل على جائزة نوبل للآداب في عام 1932 . وكان مريضًا
جدًّا، فلم يتمكن من حضور حفل تسليم الجائزة. وتُوُفِّيَ بعد ستة أسابيع بالسكتة
الدماغية. وقد أُحرقت جُثته وَفْقَ وصيته، وأقامت الحكومة البريطانية نُصْبًا
تذكريًّا له .