وُلد الشاعر الإنجليزي
جون دون ( 1572 _ 1631 ) في لندن ، لعائلة كاثوليكية في الوقت الذي
كانت فيه الكاثوليكية غير قانونية في إنجلترا .
كان والده الأمين العام لشركة تجار
الحديد في لندن . وقد
تُوُفِّيَ عام 1576 ، وترك لزوجته مسؤولية تربية الأطفال .
رتَّبت عائلة دون لدراسته بواسطة اليسوعيين
، رغم الأخطار الواضحة ، إذ إن كثيرًا من أقارب دون أُعْدِمُوا أو تم نفيهم لأسباب
دينية. قدَّم اليسوعيون لدون معرفة عميقة بدينه ، الأمر الذي جهَّزه لصراعات دينية
أيديولوجية في زمنه .
كان دون طالبًا في قاعة
هارت، الآن كلية هرتفورد ، أكسفورد ، من
سن 11 عامًا. بعد ثلاث سنوات في جامعة أكسفورد تَمَّ قَبوله في جامعة
كامبردج ، حيث درس لمدة ثلاث سنوات أخرى . وكان غير قادر على الحصول على شهادة بسبب
كاثوليكيته ، حيث إنه لا يمكن أن يُؤدِّيَ قَسَمَ التفوُّق المطلوب من الخريجين .
في عام 1591 ، تَمَّ قبوله باعتباره طالبًا
في مدرسة ثافيس القانونية،
وهي واحدة من الهيئات التابعة للمحكمة في لندن .
وفي عام 1592 ، انضمَّ إلى هيئة لنكولن، وهي
واحدة من هيئات المحاكم ، حيث كان يشغل
منصب المشرف على الاحتفالات الملكية .
أثناء وبعد دراسته، أنفق دون جزءًا كبيرًا
من ميراثه الكبير على الأدب والسفر . وقد سافرَ في جميع أنحاء أوروبا . وأظهرت
قصائده الأولى معرفة متقدمة بالمجتمع الإنجليزي مقرونة بانتقادات حادة، فقد انتقدَ
مثلاً الفساد في النظام القانوني وانهيار القيم الأسرية .
اشْتُهِر
دون بالشِّعر الميتافيزيقي ، وهو نوع من الشِّعر انتشر بصورة كبيرة في القرنين
السابع عشر والثامن عشر ، قام دون بتأسيسه ، وتأثرَ بِه عدد كبير من الشعراء .
وهذا الشِّعر يتناول مواضيع غَيبية ، أو تشبيهات غير معتادة ، مع مناقشة بعض
الأفكار الغريبة .
والشعراء الميتافيزيقيون مجموعة ضعيفة
الارتباط من الشعراء الغنائيين البريطانيين في القرن السابع عشر، تشاركوا الاهتمام
بالشؤون الميتافيزيقية،
وطريقة مُعيَّنة في تحرِّيها . أُعْطِيَ عنوان " الميتافيزيقيون " لهم
لاحقًا بواسطة صمويل جونسون في كتابه
" حياة كاولي " .
لَم يُشكِّل هؤلاء الشعراء أنفسهم مدرسةً في
حياتهم، ولَم يبدؤوا حركة أدبية. ولَم يعرف مُعظمهم بَعْضَهم البعض، ولَم يقرؤوا
حتى لبعضهم البعض .
يمتاز أسلوبهم عامةً بالذكاء، والجدال
العميق، والأخيلة الميتافيزيقية، وصِيَغ غير مألوفة للتشبيه والمجاز ، والتعقيد ،
والحس الدرامي ، واستخدام الصور والتراكيب اللغوية والبلاغية الغريبة المبتكَرة ،
والتأمل الفلسفي في مواضيع الحب والدين والوجود الإنساني .
تأثرَ العديد من الشعراء الميتافيزيقيين،
خصوصًا جون دون،
بالحركة الأفلاطونية الجديدة. وواحد من أهم الأفكار الأفلاطونية المؤثرة في الشعر
الميتافيزيقي ارتباط كمال جمال المحبوبة بكمال جمال الوجود الأبدي .
ويُعتبَر دون أستاذًا في الاستعارة
الميتافيزيقية ، وهي استعارة مُوسَّعة تجمع بين الأفكار المختلفة، وتستخدم الصور
المدهِشة . كما يُعتبَر واحدًا من أبرز الشعراء الإنجليز في القرن السابع
عشر ، وكاتبًا لامعًا ما تزال قصائده الغزلية وتأملاته الظريفة الساخرة
والمريرة حتى يومنا تُثير الاهتمام . وكان بالإضافة إلى ذلك كاهنًا، وُصفت مواعظه
بأنها كانت أفضل مواعظ القرن . فهي حَقًّا تفيض بالحكمة والنُّصح والإرشاد
العمليين ، تُرضي النفس والفكر في آنٍ واحد .
وُصفت أعمال دون بأنها مهمة وواقعية وجديرة
بالتقدير ، واتَّسمت بأسلوبها الحِسِّي ، ومنها سوناتا،
شعر الحب ، والقصائد الدينية، ، والقصائد
الساخرة، والمرثيات،
والأغاني ، والهِجاء، والْخُطَب . وتتَّسم لغته بالحيوية والمجاز وتعبيراته
بالابتكار ، مقارنةً بأشعار مُعاصريه .
وعلى الرغم مِن مواهبه الشعرية العظيمة، عاش في فقر لعدة سنوات، واعتمد اعتمادًا كبيرًا على أصدقائه الأثرياء. وفي عام 1615 أصبح هو كاهن الكنيسة الأنغليكانية . وفي عام 1621 تَمَّ تعيينه عميد كاتدرائية سانت بول في لندن .