وُلد الفيلسوف
الإنجليزي جون لوك ( 1632_ 1704 ) في رينغتون في إقليم سومرست، وتعلَّم في مدرسة
وستمنستر ، ثم في كلية كنيسة المسيح في جامعة أكسفورد ، حيث انْتُخِب طالبًا مدى
الحياة ، لكن هذا اللقب سُحِب منه في عام 1684 بأمر من الملِك . وبسبب كراهيته
لعدم التسامح عند اللاهوتيين في هذه الكلية ، لَم ينخرط في سِلك رجال الدين .
وبدلاً مِن ذلك، أخذ في دراسة الطب ، ومارس التجريب العلمي ، حتى عرف باسم "
دكتور لوك " .
كان والده مُحاميًا ، ناصرَ
مع شيء من التضحية قضية البرلمان، وشرح لابنه نظريتَي سيادة الشعب والحكومة
النيابية ، وبقي لوك مخلصًا لهذه الدروس مؤمنًا بها ، ومُعترفًا بفضل والده عليه.
في عام 1667 ، أصبح طبيبًا خاصًّا لأسرة
أنتوني آشلي كوبر الذي صار فيما بعد الإيرل
الأول لشافتسبري ، ووزيرًا للعدل ، ولعب دورًا خطيرًا في الأحداث السياسية العظيمة
التي وقعت في إنجلترا ( 1660_ 1680 ) . وقد لعبت علاقة لوك باللورد آشلي دورًا
كبيرًا في نظرياته السياسية الليبرالية.وكان اللورد آشلي يتمتع بنفوذ كبير في
إنجلترا، إذ كان يُمثِّل المصالح السياسية لرؤوس الأموال التجارية في لندن ، وتحت
تأثير اللورد آشلي ، كتب لوك في عام 1667 مقالاً خاصًّا بالتسامح ، راجعَ فيه
أفكاره القديمة الخاصة بإمكانية تنظيم الدولة لكل شؤون الكنيسة .
اعتقد
الكثيرون لمدة طويلة أن لوك كتب أشهر مقالتين سياسيتين نُشرتا في عام 1690 ،
بعنوان " مقالتان عن الحكومة " تأييدًا لثورة 1688 الكبرى . وهناك وجهة
نظر تقول إن المقالتين مُوجَّهتان ضد فيلمر ( المنظِّر السياسي الإنجليزي الذي دافع عن الحق الإلهيِّ للملوك ) ،
وليس ضد " هوبز " ، كما
كان يُفكِّر البعض .
هاجر لوك إلى هولندا عام 1683 ، بسبب
ملاحقة البوليس له ، وذلك لاتصالاته الوثيقة باللورد آشلي ، الذي كان مُعَارِضًا
للقصر ، وبقي هناك حتى عام 1689 . وفي هولندا ، كتب لوك عِدَّة مقالات منها : مقال
خاص بالفهم البشري ، وبعض الأفكار عن التربية ، وأخرى عن التسامح. وعندما جاءت
الثورة الكبرى، استطاع لوك العودة إلى إنجلترا. وقد رفضت الجامعات القديمة فلسفته
الحِسِّية وآراءَه الليبرالية. ومع ذلك فقد انتشرت شُهرته في أنحاء العالَم .
لَم يتزوج لوك قَط ، مِثل كُل فلاسفة عصره
تقريبًا ، ونصحوه بالالتحاق بإحدى وظائف الكنيسة، ولكنه رفض الفكرة .
في عام 1687 ، اشتركَ لوك في مؤامرة لإحلال
وليم الثالث محل جيمس الثاني على عرش إنجلترا . فلمَّا نجحت هذه المؤامرة ، أبحرَ
لوك إلى إنجلترا (1689) على نفس السفينة التي أقَلَّت الملكة المقبِلة ماري . وفي
إنجلترا التي تَوَلَّى فيها أصدقاء لوك مقاليد الحكم ، تقلَّد الفيلسوف عِدَّة
مناصب رسمية . ففي عام 1690 كان مُفوَّض الاستئناف ، وفي الفترة ( 1696_ 1700) ،
كان مُفوَّض التجارة والزراعة .
كان لوك قد بلغ السابعة والخمسين مِن العُمر
حين عاد مِن منفاه . ولَم يكن قد نشر سوى بعض مقالات قليلة الشأن ، ولَم يكن
يَعْرف عن اشتغاله بالفلسفة إلا نفر قليل من أصدقائه . وما هي إلا سنة واحدة ، هي
"سنة العجائب" حتى دفع إلى المطبعة ثلاثة كتب سَمَت به إلى مصاف
الشخصيات البارزة الكبرى في عالَم الفكر في أوروبا .
ظهرت " رسالة عن التسامح " في
مارس 1689، في هولندا، ثم تُرْجِمت إلى الإنجليزية في الخريف. وأعقبتها في 1690
" رسالة ثانية عن التسامح ". وفي فبراير 1690 أصدر مَقَالَيْه عن
"الحكم المدني"، وهُما حجر الزاوية في النظرية الحديثة للديمقراطية في
إنجلترا وأمريكا، وبعد شهر واحد أخرج كتابه " بحث في العقل الإنساني " ،
وهو أعظم المؤلفات أثرًا في علم النفس الحديث . كان تأثير لوك شاملاً وعميقًا في
علم النفس قَدْر تأثيره في نظرية الحكم المدني . وَظَلَّ يكتب رسالته عن العقل
الإنساني منذ عام 1670 ، ويتميَّز هذا البحث بأنه دفع به إلى المطبعة بعد عشرين
عامًا قضاها في مراجعته وتنقيحه .
عرَّف لوك " العقل " بأنه "
قوة الإدراك الحِسِّي " ، ولكنه يستخدم الإدراك الحسي ليشمل: 1_ إدراك
الأفكار في عقولنا . 2_ إدراك معاني الألفاظ . 3 _ إدراك التوافق أو التنافر بين
الأفكار . ولكن ما هي الفكرة ؟. إن لوك يستخدم هذا الاصطلاح ليعني : 1_ تأثير
الأشياء الخارجية على حواسنا ( الإحساس ) أو : 2_ الوعي الداخلي بهذا التأثير (
الإدراك الحسي)، أو: 3 _ صورة الفكرة أو الذكرى المتصلة بها ( الفكرة )، أو: 4_
الحركة التي تجمع صورًا منفردة كثيرة ، لِتُكوِّن مفهومًا عامًّا أو مُجَرَّدًا أو
شاملاً لمجموعة من الأشياء المتشابهة .
واصلَ
لوك حملته من أجل التسامح حتى غابت شمس حياته . وقبل مَوته كان قد وصل في مجال
الفلسفة إلى مكانة لَم يصل إليها نيوتُن في مجال العلوم .