المشاعرُ الإنسانية لا
تنفصل عن الأُسُس الفكرية للعلاقات الاجتماعية ، لأن الإنسان والمجتمع كِيانان
مُندمجان ومُتكاملان ، وهذا يعني أنهما يتمتَّعان بخصائص مُترابطة لا يُمكن
الفَصْل بينها . وهذا التفاعل بين الإنسان والمجتمع يُحدِّد طبيعةَ السلوك الفردي
والجماعي ، ويُثْبِت استحالةَ التفريق بين المشاعر والأفكار ، لأن المشاعر أفكار
وِجدانية ، والأفكار مشاعر عقلانية ، والوِجدان لا يُصبح ماهيَّةً واقعيةً وحقيقةً
اجتماعية وظاهرةً ثقافية ، إلا بإخضاعه لقواعد التفسير العقلاني ومركزيةِ البُنى
الرمزية في اللغة . والعقلُ لا يُصبح نظامًا وجوديًّا قادرًا على مَنح الخَلاص
لعناصر المجتمع ، إلا بإخضاعه للمضمون الإنساني والمُحتوى الشعوري . وإذا انفصلَ
الشعور الإنساني عن العقل الواعي ، فإنَّ الإنسانَ سيُصبح آلةً ميكانيكيةً
مُتوحِّشة وعَمياء . وكُل مبدأ عقلاني لا يَقوم على قاعدة شعورية أخلاقية سَيَؤُول
إلى تَوَحُّش واستغلال ، وهذا يُؤَدِّي إلى القضاء على المُنجزات الحضارية ،
وتدميرِ جوهر المجتمع ، وتحطيم شرعية وُجوده ، وإلغاء تاريخه ، والتَّشكيك في حاضره
ومُستقبله . وكُل شُعور أخلاقي لا يَقُوم على مَنطق عقلاني ، سَيَؤُول إلى تصوُّر
ذِهني هُلامي ومَفهوم وَهْمي ، وهذا يُؤَدِّي إلى العَجْز عن تغيير الواقع، وعدم
القُدرة على تطبيق النظريات الاجتماعية في المجتمع ، والتَّشكيكِ في جَدوى العِلْم
، وعدم الاقتناع بأهميته في منظومة التغيُّر والتغيير ، لأنَّ العِلْم إذا ابتعدَ
عن حياة الإنسان والمجتمع ، وصار حِبْرًا على ورق، ونظرياتٍ في سُطور الكُتب
المُهْمَلَة، فإنَّ الناس سيفقدون الثقةَ به.
2
المشاعرُ
والأفكار والعلاقات، هي الأركان الثلاثة التي تقوم عليها بُنية الفِعل الاجتماعي .
وبما أنه لا يُوجد فِعل بدون فاعل ، فلا بُد أن يضطلع الإنسانُ بمسؤولية الربط
المنطقي بين هذه المُكوِّنات ، وتوظيفها في المسار الفردي والمصير الجماعي ، مِن
أجل نقل المعنى الذاتي إلى المعنى المَوضوعي ، أي : نقل جَوهر المجتمع وشخصيته
وهُويته إلى العَالَم الخارجي المُدرَك بالمشاعر الإنسانية ، والخاضع للتجارب
الإبداعية ، والمُرتبط بالإرادة الفاعلة ، والمُقترن بالوَعْي المعنوي والسلوكِ
المادي . وهذا يعني تحويل القِيَم الاجتماعية المُشتَّتة إلى نُظُم ثقافية مركزية
، تستطيع تجميع الزمان والمكان في بؤرة إنسانية ، من أجل تحقيق مصلحة الإنسان
ومنفعة المجتمع.ولا يَكفي أن يتحرَّك الإنسانُ في الزمان والمكان،لأن الحركة
المُجرَّدة أداء ميكانيكي، بَل يجب عليه أن يَشعر بالزمان والمكان ، ويُكوِّن
وَعْيًا منطفيًّا بهما . وإذا نجح الإنسانُ في تكوين منظومة زمكانية ( زمانية _
مكانية ) خاضعة للشُّعور والوَعْي معًا ، فإنَّه يستطيع صناعة قانون اجتماعي قادر
على التحكُّم بعملية التفاعل بين الذات والشَّيء ، وبذلك يَحْمي الإنسانُ نَفْسَه
مِن التَّحَوُّل إلى شيء استهلاكي مَحصور في ثنائية العَرْض والطَّلَب . وينبغي
على الإنسان أن يتذكَّر دائمًا أنَّه المُسيطر على الأشياء ، والقادر على إيجاد
روابط وجودية منطقية بينها ، وتكوين ظواهر فكرية تجمع بين خصائصها ، ولَيس شيئًا
مِن الأشياء ، أوْ هَامِشًا يَبحث عَن مَتْن .
3