وُلد الكاتب الإنجليزي
جون راسكِن ( 1819 _ 1900 ) في لندن لعائلة برجوازية .
كان والده تاجرًا غنيًّا أمَّن له تربية
وتعليمًا رفيعًا، وكان يرافقه إلى المعارض الفنية، مِمَّا شجَّع ميوله إلى الرسم
والقراءة وخاصة الكتابات الاتباعية ( الكلاسيكية ) والإبداعية (الرومانسية) التي
أصبحت، إلى جانب قراءته للكتاب المقدَّس ، وتجواله الواسع في أوروبا ، أساس ثقافته
الأدبية والفنية . بدأ راسكن الكتابة حول موضوعات هي مِن صُلب اهتمامه كالطبيعة
والشِّعر وفن العمارة في مجلة
التاريخ الطبيعي خلال الفترة ( 1834 _ 1836 ) ،
وحول شِعر "الهندسة المعمارية" في المجلة
المعمارية خلال الفترة(1837 _ 1838)، وكتب أيضًا قصائد قلَّد فيها بايرون وقصصًا
للمناسبات .
دخل جامعة
أكسفورد في السابعة
عشرة من عُمره، وحصل في أثناء دراسته على جائزة للشِّعر عام 1839، مِمَّا مكَّنه
البَدء بجمع رسوم أبرز المصورين الإنجليز في ذلك الوقت. وعند انتهاء دراسته عام
1842 قام برحلة إلى إيطاليا كتب في أثنائها الجزء الأول من " المصوِّرون
الحديثون " ( 1843)، دفاعًا عن المصوِّرين الإنجليز، مُعَالِجًا موضوع صِدق
الحِس الفني في تصوير الطبيعة.
قام راسكن بزيارة لشمال إيطاليا في عام 1845
، وأُخِذ بجمال طبيعتها ، ودرس عن كثب أوابدها المعمارية ومنحوتاتها القروسطية ،
مِمَّا شكَّل لديه انطباعًا لا يُمحَى، وكانت الصور القلمية التي رسمها في هذه
الرحلة من أفضل ما أنتج . ثم كتب الجزء الثاني مِن " المصوِّرون
الحديثون " ( 1846 )،ومصابيح هندسة
العمارة السبعة ( 1849) ، وحجارة
البندقية (1851_1853) في ثلاثة أجزاء ، وتلا ذلك الجزآن الثالث والرابع من " المصوِّرون
الحديثون " ( 1856 ) .
كان هذا النتاج الغزير في فترة زواج راسكن
من يوفيميا غراي ، التي كان قد أهداها كتابه " ملك النهر الذهبي " (
1851) ، ونُشِر بعد عشر سنوات من كتابته ، إلا أنها حصلت على الطلاق عام 1854 ،
وتزوَّجت صديقه الفنان جون
ميليه .
عمل
بعد ذلك في التعليم في كُلية العُمَّال، وفي
إنشاء متحف أكسفورد
للتاريخ الطبيعي، وفي تشجيع الفنانين والأدباء ، وفي إلقاء المحاضرات في طُول
البلاد وعرضها لتنمية الحِس الفني العام . إلا أنه كان ناقدًا خشنًا بدأت آراؤه في
السياسة والاقتصاد تطغى على فَنِّه،كما في خطابه"الاقتصاد السياسي للفن
" عام ( 1857 )، وكذلك تمرده
على القيم الموروثة عبر تربيته الدينية البرجوازية،فكتب حول توزيع الثروة وقانون
العَرْض والطلب وعلاقة الرأسمال باليد العاملة ، وهاجمَ جون ستيوارت ميل وغَيره في
كتابه " حتى هذه النهاية" ( 1860 ) .
كتب راسكن أيضًا مجموعة مقالات مثيرة للجدل
، حول لا إنسانية الأوضاع المادية والاجتماعية للطبقة العاملة ، أثارت حفيظة
الكثيرين مِمَّن حَوْله .
وفي " مقالات حول الاقتصاد السياسي
" ( 1862 _ 1863 ) ، و " أخلاقيات التراب " ( 1866 ) ، أعلنَ الحرب على روح عصره، الذي
تميَّز بالمادية والأنانية، في محاولة للرجوع إلى القيم والأخلاق. وفي خِضَم هذا
النشاط السياسي والاجتماعي،نشر الجزء الخامس من " المصوِّرون الحديثون " ( 1860 ) ، مُنْهِيًا
بذلك شهادته الفنية على عصره .
تدهورت صحة راسكن النفسية ، ومع ذلك صار
أستاذًا للفنون الجميلة في جامعة أكسفورد بَدْءًا من عام 1869 ، ولعَقد من الزمن ،
مُتابعًا اهتمامه بأوضاع العمال .
ولَمَّا كانت الرسائل الوسيلة المفضَّلة
للتعبير لَدَيه ، فقد كتب مجموعة منها إلى العُمَّال: " الزمن والمد " (
1867 ) ، وأخرى بعنوانها الغريب " فورس كلافيغيرا " ، الذي كان شعارًا
لجمعية "القديس جورج " التي أسَّسها راسكن بهدف الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي
الشامل، وكانت استمرارًا لتحدِّيه أصحاب العمل والأوضاع الراهنة .
عانى
راسكن من الانهيارات العصبية المتكررة ، ومن خيبة الأمل في العلاقات العاطفية
والاجتماعية ، إلا أنه كان الناقد الفني والاجتماعي الأبرز ، وكان فاعلاً في آخرين
مِمَّن عاصروه أمثال شو وبروست .
ومع
تدهور صحته إلى الحضيض في آخر سنوات حياته، ومع التناقض والغموض وانعدام التوازن
في تفكيره ، فقد كتب أفضل إنتاجه في ما يُشبه السيرة الذاتية "أحداث ماضية
" خلال الفترة ( 1885 _ 1889 ) اعتمادًا على يومياته . وتُوُفِّيَ بعد صمت
دام عَقْدًا من الزمن في بلدة كونستن في منطقة البحيرات الإنجليزية .
لقد تعدَّدت مواهب راسكن ، فقد كان كاتبًا وشاعرًا وناقدًا فنيًّا ومفكرًا اجتماعيًّا ، وصاحب خبرة طويلة في إظهار ونشر الفن القوطي، وتوطيد دعائم الحِس الفني . وله العديد من المؤلفات والأعمال الأدبية والفنية ، وكان لكتاباته وفنِّه أثر كبير في العصر الفكتوري .