عَانِقِينِي أيَّتُهَا
البُحَيرةُ في شَمالِ الصَّليلِ/ واعْشَقِي غُربةَ شَراييني / إنَّ ضَوْءَ
القَمَرِ يَطْعَنُنِي في ظَهْرِي / أنامُ في ذَاكرةِ الخَنَاجِرِ / وَدُمُوعي
تَحْفِرُ وِسَادتي / وَمَساميرُ نَعْشي هِيَ كِلابٌ جَائِعةٌ تَبْحَثُ عَن عِظامي
/ والعَناكبُ تُضِيءُ أوْعيتي الدَّمويةَ / والطحالبُ تُلَمِّعُ هَيْكَلي
العَظْمِيَّ / وجُلُودُ الفِئرانِ تُزَيِّنُ جُدرانَ غُرفتي / والنَّهْرُ الباكي
هُوَ حَجَرُ الزَّاويةِ في قَلْبي المهدومِ /
أَكَلَ
البَقُّ بَرَاوِيزَ الذِّكرياتِ عَلى حِيَطَانِ بَيْتي / والجرادُ يَزْرَعُ
البَنَادِقَ الآلِيَّةَ في أمعائي / والمرافئُ العَذراءُ تُخَبِّئُ الأوسمةَ
العَسكريةَ في قَارُورةِ السُّمِّ / ذَهَبَت النِّساءُ إلى المَوْتِ / وَبَقِيَتْ
ضَفَائِرُهُنَّ عَلى أسوارِ البُيوتِ / تاريخٌ أعْمَى يُولَدُ مِن سَكاكينِ
المطبخِ / جُغرافيا تائهةٌ بَيْنَ مَلاقِطِ الغسيلِ ومَلاقِطِ الحواجِبِ /
مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ بَيْنَ الرَّصَاصِ المَطَّاطِيِّ وصَفَّارَاتِ الإنذارِ /
ونَسِيَ الأيتامُ حَقائبَ المدرسةِ تَحْتَ أشجارِ المقابرِ / ونَسِيَت الزَّوابعُ
جُثَثَ الأطفالِ في ثَلاجةِ المطبخِ /
ثُقُوبُ جِلْدِي هِيَ أبراجُ مُرَاقَبَةٍ
بَيْن الرَّصَاصِ الحَيِّ والنَّهْرِ المَيْتِ / وأنا الغريبُ في شَراييني/
المَنْسِيُّ في جَدْوَلِ الضَّرْبِ / الذي يَضُمُّ أرقامَ الجُثَثِ المجهولةِ
وأرقامَ الزَّنازين / أخجلُ أن أنظُرَ في المرايا / فاكْسِري المرايا في زِنزانتي
الانفرادِيَّةِ أيَّتُها الزَّوابعُ الضَّوئيةُ/واذْكُرِيني يا أزهارَ الشَّفَقِ /
أنا الطِّفْلُ المنبوذُ / أركضُ إلى البَحْرِ في المساءِ الجارِحِ / وأنتظِرُ
المَوْتَ بَيْنَ جَدَائِلِ أُمِّي/ لا تاريخٌ لأعصابي سِوى أعلامِ القَبائلِ
المُنَكَّسَةِ / ولا جُغرافيا لِشَراييني سِوى أظافرِ العاصفةِ في صُحونِ المطبخِ
/ كُن مِندِيلَ الوَدَاعِ/ حِينَ يُصْبِحُ القَلْبُ حَبْلَ غَسِيلٍ/كُن عَامِلَ
نَظَافَةٍ/ حِينَ تُصْبِحُ الدَّوْلَةُ مَزْبَلَةً/ كُن حَفَّارَ قُبورٍ/حِينَ
تُصْبِحُ حَبَّاتُ الكَرَزِ رَصَاصَاتٍ في البَنادقِ الآلِيَّةِ/ نَسِيَ الأيتامُ
دَفاترَ الرِّياضياتِ على سُور المقبرةِ / وذَهبوا كَي يَضَعُوا الأرقامَ عَلى
جُثَثِ آبائِهِم / ويَمُوتوا في الشَّفَقِ البَعيدِ / تَسْبَحُ طُيُورُ البَحْرِ
في دَمِ النَّخيلِ / والخُيُولُ المشلولةُ تَبكي في السَّحَرِ / والذُّبَابُ
يَركضُ في الغُروبِ / نَسِيَتْ عَازِفَةُ البيانو أصَابِعَهَا في ثَلاجةِ
المَوْتَى / وبَقِيَ البيانو تَحْتَ المطَرِ وَحيدًا / وَتَوَقَّفَ العَزْفُ إلى
الأبَدِ / لا حُلْمَ يَنْبَعِثُ مِن مَسَامِيرِ التَّوَابِيتِ سِوَى صَوْتِ
المَطَرِ / وكانَ المَطَرُ يَكْسِرُ أظافرَ الفَتَيَاتِ في حُقولِ القَمْحِ /
والعَصَافِيرُ تَبْحَثُ عَن رُفَاتي / والجُثَثُ ذَاتُ الأسنانِ الذهبيةِ
أكَلَتْهَا فِئرانُ السَّفينةِ الغارقةِ / والقَنَّاصُ الأعمى يُطْلِقُ النَّارَ
عَلى قِطَطِ الشَّوارعِ /