أُمِّي مَاتتْ / لَكِنِّي أَشُمُّ رَائحةَ
المُلُوخِيَّةِ في بَيْتِنا المهجورِ تَحْتَ شَمْسِ الشِّتاءِ / فَاعْشَقِيني يَا
ذَاكرةَ السَّرابِ / حِينَ تَحترقُ أُنوثةُ السَّنابلِ بَيْنَ أعقابِ السَّجائرِ
وأعقابِ البَنَادِقِ / دَمُ القِطَطِ عَلى زُجاجِ السَّياراتِ في الشِّتاءِ
البَعيدِ / يَا شَجَرَةَ التُّوتِ التي سَأُدْفَنُ تَحْتَهَا / هَل تَعْرِفُ
أُمِّي خَارطةَ الرِّياحِ ؟ / أيْنَ سَيَذْهَبُ عُكَّازُ أبي بَعْدَ مَوْتِهِ ؟ /
أنا المَيْتُ في صَوْتِ الرَّصاصِ الحَيِّ / وَكَانَ عَلَيَّ أنْ أعْرِفَ أنَّ
مَلاقِطَ الغسيلِ أكثرُ لَمَعَانًا مِن أظَافِرِ الضَّحَايا /
كَسَرْنا المرايا في مَمالكِ الطاعونِ /
لأنَّنَا نَخْجَلُ مِن وُجُوهِنا / هُزِمَتْ ظِلالُنا في طُرُقَاتِ الثلجِ الأزرقِ
/ والكِلابُ الضَّالَّةُ تَسْمَعُ صَوْتَ الرَّصاصِ المطاطِيِّ / وَلا صَدى إلا مَنَادِيلُ
الوَدَاعِ عَلى رَصيف المِيناءِ / مُتُّ بَعْدَ جُرْعَةٍ زَائدةٍ مِن الذِّكرياتِ
/ فَلا تَكْتُبي قَصائدَ الرِّثاءِ يَا نَوافِذَ بَيْتِنا المَغسولِ بالجُثَثِ
والحَوَاجِزِ العَسكرِيَّةِ / أنا النَّوْرَسُ المُهَاجِرُ مِن دَمي إلى البَحْرِ/
أبْنِي مَملكةَ الوَهْمِ بَيْنَ صَفيرِ القِطاراتِ وَصَفَّاراتِ الإنذارِ /
النِّساءُ المُلَوَّثَاتُ بالذِّكرياتِ زَرَعْنَ الوَصَايا وقَصائدَ الرِّثاءِ
عَلى نَوافِذِ السِّجْنِ التي تُطِلُّ عَلى البَحْرِ / والحَمَامُ الزَّاجِلُ
يُحَنِّطُ جُثمانَ البَحْرِ/ وَيُلَمِّعُ مَساميرَ النَّعْشِ بالنَّعناعِ ومِلْحِ
الدُّموعِ / دَخَلَ البَحْرُ في صَوْتِ الرَّصاصِ الذي يَحْرُسُ شَظَايا جُمْجُمتي
مِن الصَّدى والصَّدأ/ وَمَطَرُ القُلوبِ المكسورةِ جُثَّةٌ مَنْسِيَّةٌ في
أبْجَدِيَّةِ الصَّهِيلِ / ذَهَبَ العُشَّاقُ إلى المَوْتِ / وَبَقِيَت الرَّسائلُ
الغرامِيَّةُ عَلى الأراجيحِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ الباكيةِ / وَنُهُودُ
الرَّاهباتِ المقطوعةُ في أبراجِ الكَنائِسِ أوْ أبراجِ المُعْتَقَلاتِ /
وَشَوَاهِدُ القُبورِ هِيَ أبراجٌ للحَمَامِ في مُدُنِ الكُوليرا/ أنا السَّائِحُ
المَنبوذُ في مَوْسِمِ تَزَاوُجِ أشجارِ المقابرِ/ جَسَدي هُوْ المُتْحَفُ
المَهجورُ/ ولا لَوْحَاتٌ سِوى أظافرِ القَتْلى/ ولا مَزْهَرِيَّاتٌ سِوى
شَوَاهِدِ القُبورِ/ فَيَا أيُّها الجُنديُّ العائدُ مِن الحربِ مَهزومًا / لا
نِساءُ الحَيِّ يَنْتَظِرْنَ قُدُومَكَ بالزَّغاريدِ / ولا قِطَطُ الشَّوارعِ
تَمْنَحُكَ الأوسمةَ العسكرِيَّةَ / أيُّها الجُنديُّ العَائِدُ مِن ذِكْرَياتِ
الدَّمْعِ / لا زَوْجَةٌ تَنْتَظِرُكَ كَي تَبْكِيَ عَلى صَدْرِها / ولا أطفالٌ
يَحْمِلُونَ اسْمَكَ في مَمَالِكِ السُّلِّ / أيُّها الجُنديُّ العائشُ في صَوْتِ
الرَّصاصِ مَنبوذًا / والمقتولُ في ضَوْءِ القَمَرِ نَهْرًا مِن أشلاء / سَيَنْمُو
البُرتقالُ في فُوَّهَاتِ المَدَافِعِ / وَتَسْقُطُ أرقامُ الجُثَثِ المجهولةِ في
جَدْوَلِ الضَّرْبِ/ وَسَوْفَ يَنْسَى الأيتامُ دَفَاتِرَ الرِّياضياتِ عَلى سُورِ
المقبرة /