وَدَاعًا أيَّتُهَا
الفَرَاشَةُ الوَحيدةُ في المطرِ / تَنكسِرُ الأجنحةُ كَمَرَايَا الصَّقيعِ /
ومِلْحُ دُموعي يَخُونُ لَمَعَانَ أظافري / والبَقُّ يَأكُلُ أخشابَ نَعْشِي في
مملكةِ السُّلِّ/لماذا تُريدُ اغتيالي يا كَرَزَ الأضرحةِ ؟/ إنَّ جُثماني هُوَ
النَّشيدُ الوَطَنِيُّ للدُّوَيْلاتِ اللقيطةِ / فلا تَكْرَهْنِي يا أبي / وَلا
تَحْزَنِي عَلَيَّ يا أُمِّي /
عَادَت
الصَّبَايا إلى الأرضِ الخَرَابِ / لا بَحْرٌ يُولَدُ في أوردةِ الغُروبِ / ولا
شَمْسٌ تَطْلُعُ مِن أخشابِ التَّوابيتِ / أنا الرُّبَّانُ التَّائِهُ في
العَاصِفَةِ / لا عَرْشٌ إلا الدَّمْع / ولا دُسْتُورٌ إلا السَّراب /
أيُّها
القاتلُ المقتولُ / لا تَلْعَبْ بِمَشَاعِرِ ابنةِ حَفَّارِ القُبُورِ / عِظَامُ
الضَّحايا في صَحْنِ العَدَسِ / والضُّيوفُ لَن يَأتوا / والأفعى تَلْتَفُّ حَوْلَ
ضَوْءِ القَمَرِ/ والعَصافيرُ تَخِيطُ أكفاني بَيْنَ قَطَرَاتِ المَطَرِ وحَبَّاتِ
العَرَقِ عَلى جِبَاهِ الشَّركسياتِ / وكُلَّمَا زُرْتُ ضَريحَكِ/ تَفَجَّرَتْ
رَائحةُ النَّعناعِ في عِظَامي /
المَطَرُ
الذهبيُّ وَدَمْعُ أُمِّي الفِضِّيُّ يَغسِلانِ فِرَاشَ المَوْتِ / يَقِفُ
القَطِيعُ عَلى حَافَةِ الجَبَلِ / كَمَا يَقِفُ الشَّجَرُ في المقبرةِ
الزُّجَاجِيَّةِ / وأنا القتيلُ بَيْنَ أوراقِ الخريفِ وصَوْتِ الرَّعْدِ / لا
أقْدِرُ أن أُدَافِعَ عَن البُحَيرةِ حِينَ يَجُرُّ النَّمْلُ جُثَّتَهَا/ أنا
المنبوذُ بَيْنَ أعقابِ السَّجائرِ وأعقابِ البَنادقِ / لا أقْدِرُ أن أحْمِيَ
مَساميرَ نَعْشي مِنَ الصَّدأ والصَّدى / خَبَّأتُ جُثمانَ العاصفةِ في صُندوقِ
البَريدِ الفارغِ / الذي سَيَأكُلُهُ الصَّدَأُ في أعيادِ السَّرابِ الوَهَّاجِ /
لا تَفتخِري
يا دُودةَ الذاكرةِ بِحَجْمِ ثَدْيَيْكِ / إنَّني أفتخِرُ بِحَجْمِ مِشْنَقتي / لا
دُستورَ لِمَملكةِ الجِرذانِ سِوَى سَرَطَانِ الثَّدْيِ / لماذا تَرْكُضِينَ يا
أشجارَ المقابرِ في لَمَعَانِ أظافري / لماذا تَنامِينَ يا شُطآنَ اليَاقُوتِ في
شُقوقِ جِلْدي / لا أمْلِكُ إلا جِلْدي / والإعصارُ يَغتصِبُ أمواجَ البَحْرِ /
أيَّتُها
الغريبةُ في مَمَالِكِ السَّبايا / الحَلِيبُ الأسْوَدُ عَلى فُرشاةِ أسنانِكِ /
والرَّسائلُ الغرامِيَّةُ عَلى مَساميرِ نَعْشِكِ/ والأقنعةُ هِيَ تاريخُ
الكُوليرا في المُدُنِ المهجورةِ / والبَحْرُ يَكتبُ وَصِيَّتَهُ عَلى عِظَامِ
الغَرْقَى/ وأنا المُهَاجِرُ مِن حَبْلِ الغسيلِ عَلى سَطْحِ بَيْتِنَا / إلى
حَبْلِ مِشْنَقتي عَلى رَصِيفِ المِيناءِ/
أُصَلِّي
قِيَامَ الليلِ قَبْلَ إعْدَامي عِندَ الفَجْرِ / سَأبْنِي مَمْلَكتي بَيْنَ
جَدائلِ أُمِّي وأجنحةِ الجَرَادِ / وأسألُ الرِّمَالَ المُتَحَرِّكَةَ / كَيْفَ
أَهْرُبُ مِن جِلْدِي وَطَيْفُ الشَّركسياتِ في الشَّفَقِ يُحَاصِرُنِي ؟ /