وُلِدَت الشاعرة
البولندية فيسوافا شيمبورسكا( 1923_ 2012) في مدينة " كورنيك " الواقعة
في وسط بولندا . ومُنذ عام 1931 ، وهي تسكن بالمدينة البولندية الأثرية "
كراكرف" ( عاصمة بولندا القديمة )
. حصلت على جائزة نوبل للآداب عام 1996، لأن " أشعارها استطاعت بدقة متناهية
أن تُجسِّد الحقائق الذاتية والتاريخية في صورة تشرذمات بشرية " .
تناولت أعمال شيمبورسكا موضوعين أساسيين
هُما : الحرب والإرهاب . ونافست مبيعات أعمالها في بولندا أهم الأدباء .
تستخدم شيمبورسكا دائمًا أساليب أدبية مثل
الطِّباق والسُّخرية والتناقضات والتصريح المقتضَب ، لإلقاء الضوء على الوساوس
والمواضيع الفلسفية
.وقصائدها القصيرة غالبًا ما تستحضر إشكاليات وجودية كبيرة تلمس من
خلالها مواضيع ذات قيمة أخلاقية، وتعكس حالة الإنسان كفرد وكعضو في المجتمع .
ويتميَّز أسلوبها بالاقتضاب والتأمُّل في بواطن الأشياء ورُوحه الفُكاهية .
حقَّقت شُهرتها اعتمادًا على عدد قليل من
القصائد . وهي معروفة بالخجل ، ويُقدِّرها الجميع في الأوساط الأدبية البولندية .
وقد تَحَوَّل بعض إنتاجها إلى أعمال موسيقية ، وتُرْجِمَت كتاباتها إلى لغات
أوروبية ، بالإضافة إلى اللغات العربية والعِبرية واليابانية والصينية .
استمرَّت في دراستها عن طريق الدروس
الخصوصية ، وقت اندلاع الحرب العالمية الثانية ، وعملت في السِّكك الحديدية ،
وقاومت بشدة فكرة انتقالها إلى ألمانيا ، لتعمل بنظام للمهاجرين يُشبه السُّخرة . وفي تلك الفترة ، بدأت عملها كفنانة ، فكانت ترسم الصور
الموضِّحة للكُتب التعليمية باللغة الإنجليزية .
في عام 1945، درست شيمبورسكا اللغة والأدب
البولندي ، ثُمَّ غَيَّرت مجال دراستها إلى عِلم الاجتماع . وفي الجامعة بدأت تظهر
موهبتها ككاتبة في الأوساط المحلية . وفي نفس العام ، نشرت أولى قصائدها "
أبحث عن العالَم " في إحدى الجرائد
اليومية، واستمرت في نشر قصائدها في مختلف الجرائد والمجلات . وفي عام 1948،
اضْطُرَّت إلى ترك دراستها دون الحصول على شهادتها ، بسبب ظروف مادية صعبة . كان من المفترَض لأول كُتبها أن يُنشَر في عام
1949، ولكن الرقابة لَم تُصرِّح بِه زاعمةً أنه لا يتماشى مع المناخ الاشتراكي .
وبالرغم من ذلك ، استمرَّت شيمبورسكا في مديح لينين وستالين والشيوعية في كتاباتها
، مِثل قصيدتها التي سَمَّتْهَا " لينين " في أول مجموعة شِعرية لها .
وكانت تُدْعَى " وهذا الذي نحيا مِن أجله " . وقد انضمَّت الشاعرة لحزب
العمال البولنديين المتَّحدين ، ولكنها ككثير من المفكرين البولنديين تَخَلَّت عن
أفكارها الشيوعية ، ولكنها لَم تترك الحزب حتى عام 1966.
في عام 1953، انضمَّت لفريق مجلة مُتخصِّصة
في النقد الأدبي، تُسمَّى " الحياة الأدبية " . وعملت فيها حتى عام
1983. وخلال عام أصبح لها عمود خاص للنقد الأدبي اسمه " قراءة غَير مُلْزِمة
" ، والكثير من أبحاثها في تلك الفترة نُشِرَ في صُورة كُتب . كما شاركت في
العديد من المجلات الأخرى ، وكانت تُركِّز جُهودها على مُعارَضة النظام الحاكم .
تُوصَف شيمبورسكا بأنها شاعرة التفاصيل
والتناقضات بامتياز فضلاً عن كَوْنها شاعرة الجزالة الشِّعرية ، والسهل الممتنِع .
وقد حَفرت على مدى خمسين عامًا صَوْتَها الخاص في الشِّعر البولندي المعاصر . والكتابة
لدى شيمبورسكا عمل شاق دؤوب دقيق ومعاناة حقيقية، يُقابلها متعة الكتابة التي
سَمَّتْهَا الشاعرة في واحدة مِن أجمل قصائدها بـِ " بهجة الكتابة " .
ومقابل المخاض ثَمَّة وليد ينتظر .
ورغم قلة قصائدها ، إلا أنها شَكَّلت ظاهرةً
في الشِّعر البولندي الحديث . حيث اعتمدت على البساطة والعُمق الفكري ، وتوليد صُور
شِعرية غير عادية ، وتكوين صياغات لغوية مُتفرِّدة ومُدْهِشة . وفي شِعرها تكون
الكلمة وسيلة لا غاية .
قصيدة شيمبورسكا تُدافع عن نفسها فَنِّيًّا
وفكريًّا . اللفظ في خدمة المعنى ، والمعنى يتجلى في اللفظ .
إنهما طرفان في خدمة قضية واحدة اسمها القصيدة . وهكذا ، يصبح الفصلُ بينهما غير
مرئي تمامًا ، بل يمكن أن نقول إنه غير وارد . والشيء ذاته يحدث لدى الشاعرة على
صعيد آخر ، فلا يمكن بناء قصيدة بمعزل عن الفكر والفكرة على السواء . وأيضًا لا
يمكن فصل بنية القصيدة عن سِياقها الشِّعري والجمالي ورشاقتها الشعرية . حتى
السخرية الشائعة في شعرها تُعتبَر عُنصرًا ضِمن مشروع فني، الهدف منه خدمة القضية
الشعرية والقضية الفكرية ، وقد تَتدخَّل السُّخرية أحيانًا في تشكيل الإطار العام
لمعمارية القصيدة .