وُلد الشاعر الإنجليزي
فيليب لاركن ( 1922_ 1985 ) بمدينة كوفنتري ، وكان طفلاً
انطوائيًّا وشديد الانعزال ، بسبب ضعف بصره وتلعثمه في الحديث . وكانت
سعادته الوحيدة في مكتبة والده الكبيرة .
درس الأدب
الإنجليزي في جامعة أكسفورد ، وتخرَّج في عام 1943. وعمل أمين مكتبة بعد التَّخرج،
واستمر في هذا الوظيفة حتى بلغ الستين من عمره ، لأنها أتاحت له التواجد بين
الكتب، ووفَّرت له الوقت الكافي للقراءة والكتابة .
أصدر لاركن ديوانه
الأول " سفينة الشمال " ( 1945 ) . وفي العام التالي، أصدر روايته
الأولى " جيل" . وفي العام التالي أصدر روايته الثانية " فتاة في
الشتاء " . كان في البداية غزيرًا في الإنتاج ، ولكنه لَم يلفت الانتباه إليه
. وقد تعلَّم من هذه التجربة الاقتصاد في الكتابة ، والتركيز على النَّوع (
الكَيْف ) ، وليس الكَم ، لذلك صار أقل الشعراء الإنجليز إنتاجًا .
كانت بدايته
الحقيقية في عام 1955 ، حين أصدر ديوان " الأقل تعرُّضًا للخداع " ،
والذي ساهمَ بشكل كبير في انتشر اسمه وشُهرته . ويرى بعض النقاد أن السبب في هذا
يرجع إلى تطوُّره وخروجه من عباءة الشاعر الكبير وليام بتلر ييتس ، فقد حاول
تقليده في ديوانه الأول، لكنه امتلك الخبرة الفنية واللغوية في ديوانه الثاني، كما
تجاوز تجاربه الذاتية، وانفتح على الواقع والتاريخ في هذا الديوان،الذي يراه البعض
أصدق تعبير عن مُعاناة الشعب الإنجليزي بعد الحرب.
استدعى الشاعر كذلك
مشاهد تاريخية لإنجلترا في القرن التاسع عشر، وهي مشاهد تُذكِّر بروايات "
تشارلز ديكنز " ، عن بؤس الفقراء واستعباد الطبقة العاملة .
في قصيدة "
الأقل تعرُّضًا للخداع "، يفتتح بقصة تعرُّض سيدة فقيرة للاغتصاب، يُناقش من
خلال الواقعة فكرة سلسلة القهر التي يسعى فيها المظلوم إلى قهر شخص أضعف منه،
وتشير القصيدة إلى أن المرأة الفقيرة تقع في نهاية سلسلة القهر .
وفي عام 1964 ،
أصدر ديوانه الثالث " أعراس العطلة المسيحية " الذي ضم 32 قصيدة، من بينها عدد من أعظم قصائده وأشهرها . وقد
حقَّق الديوان نجاحًا كبيرًا ، ومنحه شُهرة عالمية . نفدت الطبعة الأولى خلال
شهرين فقط ، ثم نفدت عِدَّة طبعات أخرى في وقت قياسي في بريطانيا والولايات
المتحدة .
أظهرَ الديوان
مهاراته الفنية العالية، وسيطرته الكبيرة على اللغة، وقدرته على صياغة الرموز،
وإثارة المشاعر . وتعرض القصيدة التي تَحمل اسم الديوان مشاهد من الريف الإنجليزي،
يرصدها راكب قطار ، قبل أن ينتبه إلى حشد من الناس على إحدى المحطات في وداع عريس
وعروس يستقلان القطار .ويُمثِّل سُقوط المطر في نهاية القصيدة رمزًا للأمل
والخصوبة ، إلا أن القصيدة تُوحِي باشمئزاز الراكب الوحيد ( المعزول عن العالم )
من العروسين ، أو من فكرة الزواج نفسها .
والقصيدة تعكس فكرة
لاركن عن الزواج والحياة عمومًا، فقد رفض الحب والزواج طوال حياته، واعتبر الأسرة
مؤسسة فاشلة، وثارت أزمة بعد وفاته بسبب خطابات أرسلها إلى أحد أصدقائه، تكشف عن
احتقاره للمرأة . ويُرْجِع بعض النُّقاد هذا الموقف إلى طفولته التعيسة، رغم تشجيع
والده له على القراءة .
لَم يكتب لاركن عن
فترة طفولته ، كما فعل أغلب شعراء إنجلترا في ذلك الوقت ، إلا أن هناك إيحاءات
قوية في قصائده عن طفولته التعيسة، وقسوة أبويه . لقد عاش لاركن حياة النُّسَّاك،
بعيدًا عن الناس طوال حياته، ولَم يتزوج أو يظهر في مناسبات اجتماعية أو أدبية ،
ولَم يقرأ قصائده على الجمهور، ولَم يُجِب عن أسئلة الصحفيين إلا نادرًا ، ولَم
يكن لديه أصدقاء من الوسط الأدبي ، ولَم يُعرَف عنه ممارسة هواية أو رغبة في السفر
إلى الخارج .
حرص لاركن على
الابتعاد عن الشهرة والأضواء طوال الوقت ، واقتصرت حياته على عمله في مكتبة جامعة
" هال "، وكتابة الشِّعر فقط، حتى إنه رفض لقب أمير شعراء بريطانيا بعد
وفاة جون بيتجمان عام 1984 ، حتى لا يُضْطَر للظهور في المناسبات العامة ووسائل
الإعلام .