وُلد عالِم الاجتماع المجري كارل مانهايم ( 1893 _ 1947 ) في مدينة بودابست
المجرية. وتُوُفِّيَ في لندن . كان والده يعمل في قطاع النسيج ، وكانت والدته
ألمانية .
درس في جامعة بودابست ، وحصل على شهادة
الدكتوراة في الفلسفة في عام 1914 ، وحضر محاضرات الفيلسوف الألماني جورج
سيميل.وفي عام 1921، تزوَّجَ أستاذة علم الاجتماع يوليسكا كارولني لانغ ، التي
عُرفت لاحقًا باسم " جوليا لانغ " .
في عام 1924 ، بدأ العمل تحت إشراف عالِم
الاجتماع الألماني ألفريد فيبر ، شقيق عالِم الاجتماع الشهير ماكس فيبر. وفي عام
1926 ، قُبِل ترشيح مانهايم للتدريس في كلية العلوم الاجتماعية في هايدلبرغ . وقد
نافسَ مانهايم علماء آخرين للحصول على المنصب ، أحدهم كان الفيلسوف والتر بنيامين
. وخلال الفترة ( 1929 _ 1933 ) شغل مانهايم
منصب أستاذ علم الاجتماع والاقتصاد السياسي في جامعة غوته في فرانكفورت .
في عام 1933 ، طُرد مانهايم من عمله لأنه
يهودي، وَفْق أحكام القانون النازي لتطهير الخدمة المدنية من اليهود . فَرَّ
مانهايم من النظام النازي ، واستقر في بريطانيا ، حيث عمل محاضرًا في علم الاجتماع
في كلية لندن للاقتصاد ، في إطار برنامج لمساعدة الأكاديميين المنفيين . في يناير
1946 ، تَمَّ تعيينه في منصب أستاذ علم الاجتماع الأول في معهد التربية والتعليم،
وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته في لندن .
وخلال وقته في إنجلترا، لعب مانهايم دورًا
بارزًا في الحياة الثقافية ، وحصل على نفوذ واسع من خلال تحريره لسلسلة "روتلدج " واسعة النطاق في العلوم الاجتماعية .
يمكن تقسيم حياة مانهايم الفكرية إلى ثلاث
مراحل رئيسية : 1_ المجرية ( حتى 1919 ) .
2 _ الألمانية ( 1919 _ 1933 ) . 3_ البريطانية ( 1933 _ 1947 ) .
تحوَّل مانهايم من الفلسفة إلى علم الاجتماع
، وبحث في جذور الثقافة . وركَّزت مقالاته على علم اجتماع المعرفة الكلاسيكي . ويُشير مانهايم
إلى الطبقة الاجتماعية والموقع الجغرافي والجيل باعتبارها أكبر العوامل المحدِّدة
للمعرفة .
حاول مانهايم إجراء تحليل شامل لهيكل
المجتمع الحديث ، عن طريق التخطيط الاجتماعي الديمقراطي والتعليم ، ودَرَسَ قضايا
الديمقراطية والنظام الليبرالي للرأسمالية .
يُعتبَر مانهايم
مِن مُؤسِّسي علم الاجتماع الكلاسيكي ، ويُعَدُّ مُؤسِّس علم اجتماع المعرفة . والهدف الخاص
لعلم اجتماع المعرفة هو تحليل العلاقات بين التمثيلات العامة للواقع وخلفيتها
المكوَّنة من الظروف التاريخية والاجتماعية . والتعارض بعد ذلك بين الأيديولوجيا
واليوتوبيا يأتي من حقيقة أن الأُولى تميل إلى إضفاء الشرعية على الوضع الراهن ،
في حين أن الثانية هي أكثر ابتكارًا ونقدًا ، وتهدف إلى التغيير والتغلب على ما هو
قائم .
يُعتبَر كتاب " الأيديولوجيا
واليوتوبيا " ( 1929 ) أهم كُتب مانهايم على الإطلاق ، وقد قال فيه إن
الأيديولوجيات هي الطبيعة الحقيقية لأي توافق في الآراء ، وتُحقِّق اليوتوبيا (
المجتمع الفاضل المثالي ) . وهذه الأيديولوجيات تُؤثِّر على نظريات الفلسفة وحتى
التاريخ .
يُقدِّم مانهايم في الكتاب مراجعة تاريخية
للأيديولوجيا واليوتوبيا. ويتناول المفاهيم وتعريفاتها ومُعضلة الوعي الزائف
والانتقال من نظرية الأيديولوجيا إلى سوسيولوجيا المعرفة . كما يتطرَّق لعلاقة
النظرية الاجتماعية بالممارسة السياسية ، ويُحلِّل طبيعة المعرفة السياسية ،
ويُناقش مشكلة " الأنتلجنسيا "
( النُّخبة المثقفة ) ، وهُم طبقة
اجتماعية تشارك في عمل
ذهني مُعقَّد يهدف إلى التوجيه والنقد ، أو لعب دور قيادي في تشكيل ثقافة المجتمع
وسياسته .
ويتناول مانهايم مشكلة الواقع والتغيُّرات
التي طرأت على العقلية اليوتوبية في الأزمنة الحديثة، حيث يرى مانهايم أنها مرَّت
بأربع مراحل : طقوسية ، وليبرالية إنسانية ، ومُحافظة ، وشيوعية اشتراكية. كما
يتناول"سوسيولوجيا المعرفة "مِن حيث تعريفاتها وأقسامها إلى جانب
النتائج العلمية لسوسيولوجيا المعرفة، والدور الإيجابي لها، ويختتمه بمختصر لتاريخ
البحث التاريخي الاجتماعي.