وُلد الشاعر المصري اليوناني قسطنطين كفافيس
( 1863 _ 1933 ) في الإسكندرية بمصر . اسمه الحقيقي كونستنتينوس بيترو كفافيس . يُعتبَر واحدًا مِن أعظم
الشعراء في الأدب اليوناني في القرن العشرين .
كانت عائلته غنية من القسطنطينية. انتقلت للاستقرار في الإسكندرية عام 1850 حين افتتح
والده متجرًا للاستيراد والتصدير . وبسبب وفاته عام 1870 اضْطُرَّت العائلة إلى
الانتقال إلى ليفربول في إنجلترا، حيث تلقى كفافيس تعليمه الأساسي باللغة
الإنجليزية.
وفي عام
1882 ، عادت العائلة إلى الإسكندرية ، وتابعت حياتها السابقة فيها . وخلال أحداث
1885 _ المرتبطة بنضال الحركة الوطنية في مصر ضد الاحتلال البريطاني _ رجعت
العائلة إلى موطنها في القسطنطينية . ولكن شعور كفافيس بالانتماء إلى الإسكندرية
دفعه إلى العودة إلى الإسكندرية ، والاستقرار فيها حتى وفاته . وفي أثناء هذه
المدة ، قام الشاعر بِعِدَّة رحلات إلى أثينا وباريس ولندن، وعمل في الصحافة إلى
أن حصل على وظيفة في وزارة الأشغال العامة المصرية بسبب إتقانه الإنجليزية
والفرنسية ، إلى جانب العامية المصرية ولغته الأم، واستمر في هذه الوظيفة ثلاثين
عامًا ، أقام في أثنائها علاقات اجتماعية واسعة، وارتبط بصداقات عديدة في الأجواء
الثقافية مُتعدِّدة الجنسيات والتَّوجهات في الإسكندرية .
أطلقَ
كفافيس على نفْسه لقب " الشاعر العجوز " مُقارِنًا نفْسه بأناتول فرانس
الذي أنجز أهم أعماله بعد أن تخطى الخامسة والأربعين، إذ إن كفافيس لَم يصل إلى
صوته الخاص والمتفرِّد إلا بعد مُروره بأزمة " التمحيص الفلسفي " التي
استمرت خلال الفترة ( 1903_ 1904) .
كان كفافيس
كثير القراءة في الأدب الإنجليزي والفرنسي ، وخاض في الرومانسية والبرناسية
والرمزية . وقصائده _ باللغة اليونانية _ في الثمانينيات والتسعينيات تحمل بصمات
شيلي وكيتس وهوغو، إلى جانب الرومانسيين اليونانيين، إلا أن تأثير الرمزية كان
الأقوى . ففي قصيدته " تراسل حَسَب بودلير " يميل كفافيس إلى فكرة
بودلير عن التراسل والتزامن الحِسِّي .
أمَّا في
قصيدته " البَنَّاؤون " فيُقلِّد بودلير في رفضه مثال التطور الإنساني . ويتجلى التزامه بالرمزية وبحركات أدبية أخرى، كالجمالية والباطنية في قصائد عِدَّة في عَقْد
التسعينيات ، وكذلك في قصته القصيرة
" في وضح النهار " .
تأثرَ
كفافيس بمدارس شعرية مختلفة، واهتمَّ بالتاريخ مُبَكِّرًا ، لا سِيَّما منه
البيزنطي والأوروبي . وبدأ وهو في الخامسة عشرة بتصنيف قاموس تاريخي، وعندما تقدم
به العمر والتجربة الشعرية أَطلق على نفسه لقب " شاعر تاريخي " . وقد
تبنَّى الآراء التاريخية التي تُحْيي دور بيزنطة في الوعي القومي لليونان الحديثة
، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .
وفي هذه
الأجواء ، كتب كفافيس مجموعة قصائده البيزنطية ذات الصبغة القَومية ، التي نبذها
لاحقًا، بعد تحوُّله إلى الواقعية والنضج الشعري .
لَم ينشر كفافيس في حياته أيَّة مجموعة أو ديوان
، بل كان ينسخ بعض قصائده الجديدة ويُوزِّعها على أصدقائه المقرَّبين للاطلاع
وتبادل الآراء .
أمَّا المجموعة الشعرية التي صدرت بعد
وفاته، في عام 1935 في الإسكندرية ، فهي تضم 154 قصيدة، رتَّبها ، وحرَّرها الشاعر
بنفسه قبل وفاته .
يمكن تقسيم هذه القصائد إلى ثلاثة أنواع :
القصائد الفلسفية التي تُحرِّض على التفكير ، والقصائد التاريخية ، وقصائد اللذات
. مع العِلم أن الحواجز بين هذه الأنواع بسيطة .
تمتاز قصائد النوع الأول بصفة التعليمية
والإرشادية . وهي تتضمَّن بعض قصائده الشهيرة مثل " المدينة "، و "
إيثاكا " .
أمَّا قصائد النوع الثاني فتعود موضوعاتها
إلى المرحلة الهلنستية والرومانية من العصر الكلاسيكي التي وجدها الشاعر ملائمة
لشخصياته التاريخية أو المتخيَّلة التي يُحرِّكها بكامل حريته، إلا أن بيزنطة لا
تغيب كُلِّيًّا عن هذه الأجواء التاريخية .
وبَدْءًا من عام 1917 ، تنطبع قصائد هذا
النوع بعنصر سياسي ، بالمعنى الشمولي العام ، وتكتسب أهميتها من تناولها موضوعات
دينية وفلسفية أخلاقية .
وكانت أول قصيدة جريئة في النوع الثالث
" أفكار خطيرة " قد نُشِرت عام 1911 ، في السنة التي يعتبرها كفافيس
فاصلاً حاسمًا في مسيرته الشعرية .
أمَّا القصائد اللاحقة الأكثر بساطة من حيث
البُنية واللغة، فهي لا تتناول موضوعات جنسية شبقية ، إلا ما بعد عام 1918 .