وُلِد الروائي
المكسيكي كارلوس فوينتس ( 1928_ 2012) في بنما سيتي . كان والده دُبلوماسيًّا ،
ومُستشارًا ثقافيًّا للمكسيك في الولايات المتحدة الأمريكية .
يُعَدُّ فوينتس واحدًا من أهم كُتَّاب
أمريكا اللاتينية في نهاية القرن العشرين في الرواية والمقال . تَمَّ ترشيحه لنيل
جائزة نوبل للآداب في عِدَّة مُناسبات .
أمضى فوينتس طفولته وصباه في أماكن كثيرة من
القارة الأمريكية : واشنطن ، مكسيكو سيتي، بيونس آيرس ، ريو دي جانيرو . وكان يقضي
أيضًا فترات الصيف ، وهو يدرس في مدينة مكسيكو حتى لا يَفقد لُغته أو تاريخ
بلده.وعندما أتَمَّ السادسة عشرة، سافرَ إلى المكسيك، والتحقَ بالمدرسة الإعدادية
في المركز الجامعي المكسيكي. وتَخَرَّجَ في كلية الحقوق بالجامعة
الوطنية المستقلة في مكسيكو ، وحصل أيضًا
على شهادة في الاقتصاد من المعهد العالي للدراسات الدولية بجنيف .
شغل مناصب إدارية في بلده المكسيك. ثُمَّ
عُيِّنَ سفيرًا لبلاده في فرنسا (1975_ 1977). ثُمَّ استقال مِن منصبه احتجاجًا
على تعيين الرئيس المكسيكي السابق أوردات سفيرًا للمكسيك في إسبانيا ، لمواقفه
الفاشية ومجازره ضد أبناء بلده .
تتميَّز كتابات فوينتس بتأثرها بأجواء
الجدال حول هوية المكسيك وسُكَّانه، وقد ذهبت هواجسه كُلُّها في اتجاه انتمائه
إلى بلده . وتتميز أعماله في مجموعها بكثافة وتعقيد يجعلان بعضها في كثير من
الأحيان عسير الفهم ، بالإضافة إلى تضمُّنها نزعة ثقافية مع استثناءات قليلة، عن
القوالب الكلاسيكية للواقعية التقليدية، حيث كانت الواقعية السحرية _ التي مَثَّلت
تَيَّارًا واتِّجَاهًا عَامًّا في أمريكا اللاتينية احتكره الجيل القديم من
كُتَّاب الشعر والرواية _ بدأت تتسلل إلى الإبداع السردي للجيل الجديد من
الكُتَّاب . صدر لفوينتس في بداياته مجموعة " الأيام المقنَّعة " (
1954) ، وهي عبارة عن مجموعة قصص سريالية . أتبعها برواية " المنطقة الأكثر
شفافية " ( 1958) ، صَوَّرَ فيها نموذجًا حَيًّا من سكان العاصمة مكسيكو سيتي
وشخصياتها الذين عاشوا فيها مُنذ ثورة عام 1910 . بعد ذلك، أصدر رواية "
الضمير الحي " ( 1959) ، غاص فيها في واقع شخصية قروية من شخصيات روايته
السابقة بأسلوب قصصي أكثر مباشرة وتوازنًا مع الواقع . وتعتبر روايته " موت
أرتيميو كروز " ( 1962) أهم إنجازاته الروائية .
يرى فوينتس أن أعماله
تدور في دائرة الحداثة،ويقول:"إن السخرية تنسف الطبقية والتراتبية ". مُؤكِّدًا
بأن القضية ليست عدم الفهم بِقَدْر ما هي الفرق بين الأدب الكلاسيكي الكبير الذي
قام على الوضوح كما هو الحال عند هوميروس، حيث يكون الجميع أبطالاً وآلهة يتكلمون
لغة واحدة باستثناء حوريات البحر، وبين الأدب الحديث الذي يقوم على التعبير عن
الالتباس، وسوء التفاهم ( وليس انقطاع الاتصال ) .
ويرى أن " الرواية تفوق باقي الفنون
الأدبية قدرةً على توضيح سُوء التفاهم ، والروائي المعاصر يحاول أن يستكشف سوء
التفاهم هذا ويُعبِّر عنه، بحيث يفعل ذلك انطلاقًا من الاختلاف، وليس من الوَحدة
التي ستكون مُزيَّفة حَتْمًا ، وعليه تَقَبُّل هذه التعددية في واقعه " .
يَعتبر النُّقاد أن فوينتس قد ساهمَ في
تأسيس" الابتكار الكلامي والنقد اللغوي "، كما أنه يَميل إلى الغرائبي
المضحك، والرُّعب والتدنيس. كما عُرِف عنه هواية تحطيم المقدَّسات لدى الناس.
يقول فوينتس عن كتابه ( الأيام المقنَّعة )
: (( يصعب عليَّ أن أتصوَّر عَالَمًا طبيعيًّا ، فمنذ الطفولة نضع على وجوهنا
أقنعة )) .
وعندما يتحدث عن القناع والكذب يقول:((لا
أستطيع أن أتصوَّر وأتمثَّل الأدب دون كذب !. وأذكر أن دوستويفسكي عَلَّقَ على
رواية دون كيخوطي ، بأن مؤلفها أنقذ الحقيقة بواسطة الكذب . والحق أنه لولا هذا
العنصر الأساسي في رواية دون كيخوطي ، لَمَا استطاع ثيربانتس أن يقول لنا الحقيقة
. إن الكذب غير المقبول في الحياة العامة أو الحياة السياسية يمكن قبوله في الأدب
كعنصر خَلْق.وهو هنا يتخذ اسْمًا آخَر: الخيال )).
لَم يكن فوينتس بعيدًا عن المجتمع المكسيكي. وكان مُهْتَمًّا بزمن القطيعة مع الحضارة الهندية الأمريكية أثناء الاحتلال
الإسباني.