وُلد الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي (
1821_ 1881) في موسكو . بدأ قراءته الأدبية في عُمرٍ مُبكِّر مِن خلال قراءة القصص
الخيالية والأساطير لكُتَّاب روس وأجانب .
والده كان طبيبًا جَرَّاحًا متقاعدًا ،
مُدمنًا على الكحول ، وسريع الإنفعال . أمَّا والدته فقد تُوُفِّيت عندما كان
عُمره خمس عشرة سنة . وفي نفس الوقت ترك المدرسة والتحقَ بمعهد الهندسة العسكرية .
وبعد تَخرُّجه عَمِل مُهندسًا واستمتع بأسلوب حياةٍ باذِخ ، وكان يُترجم كُتبًا في
ذلك الوقت أيضًا ليحصل على دخل إضافي .
في مُنتصَف الأربعينيات كَتب روايته الأولى
" المساكين " التي
أدخلته في الأوساط الأدبية في سانت
بطرسبرغ حيث كان يعيش
. وقد أُلقيَ القبض عليه عام 1849، لانتمائه إلى مجموعة أدبية سِرِّية تُناقِش الكتب
الممنوعة التي تنتقد النظام الحاكِم في روسيا . وحُكِم عليه بالإعدام ، ولكن تَمَّ
تخفيف الحكم في اللحظات الأخيرة مِن تنفيذه ، فقضى أربع سنوات في الأعمال الشاقة ،
تلاها ست سنوات مِن الخدمة العسكرية القَسرية في المنفى .
في السنوات اللاحقة ، عَمِل دوستويفسكي
كصحفيٍّ في العديد من المجلات الأدبية ، وعُرِفت تلك الأعمال بـِ " مذكرات
كاتب " ، وهي عبارة عن
مجموعة مُجمَّعة من مقالاته خلال الفترة (1873_ 1881) . وقد واجة صعوباتٍ مالية
بعد أن سافر لبلدان أوروبا الغربية ، ولعب القِمار . ولبعض الوقت، اضطر دوستويفسكي
للتَّسَوُّل مِن أجل المال
، لكنه في نهاية المطاف أصبح واحدًا من أشهر الكُتَّاب والمؤلفين حول العالَم
وأكثرهم تقديرًا واحترامًا.وقد تُرجِمت كتبه لأكثر من مئة لغة. رواياته تحوي فهمًا
عميقًا للنَّفْس البشرية،كما تُقدِّم تحليلاً ثاقبًا للحالة السياسية والاجتماعية
والروحية لروسيا في القرن التاسع عشر ، وتتعامل مع مجموعة متنوعة من المواضيع
الفلسفية والدينية . وشخصياته دائمًا في أقصى حالات اليأس ، وعلى حافة الهاوية .
والعديد من النُّقاد اعتبروه أحد أعظم
النفسانيين في الأدب العالمي.وهو أحد مُؤسِّسي المذهب الوجودي، حيث تُعتبَر روايته
القصيرة " الإنسان الصرصار " أُولَى الأعمال في هذا التيار.
عَبَّر دوستويفسكي عن أفكاره الفلسفية
والدينية والنفسية من خلال كتاباته . وتحكي قصصه مواضيع عن الانتحار والفقر
والخداع والأخلاق .
مواضيعه النفسية حكى فيها عن الأحلام ،
وعلاقة الأب وابنه . وتظهر في كثير من أعماله نواحي تكوين المجتمع الروسي الفوضوي
في ذلك الوقت .
وأعماله المبكِّرة
تُظهِر المجتمع من خلال الطبعانية والواقعية
الأدبية . وبسبب
تأثّره الكبير بالكُتَّاب الذين قرأ لهم ، كان كثيرًا ما يقتبس منهم ، وأسلوبه
مُشابه لهم لحد كبير . أدَّى ذلك لاتهامه بالسرقة الأدبية في أعماله المبكِّرة .
ولكن مع مرور الوقت أصبح لديه أسلوب خاص به .
ودائمًا ما تُوصَف أعمال دوستويفسكي
بِكَوْنها فلسفية ، على الرغم من قَوله إنه ضعيف في الفلسفة.ومِن غير المعروف ما
إذا كان دوستويفسكي يؤمن بالأفكار الفلسفية التي طرحها أو لا . وربما أوردَ هذه
الأفكار من أجل انتقادها ، فقد كان عقله فَنَّانًا أكثر مِن كَونه عقلانيًّا
ومنطقيًّا .
أحد أساليب فيودور الكتابية هي البولفونية،
وهي تعني تعدُّد الرُّواة والأصوات في الرواية الواحدة ، كُلٌّ منهم بوجهة نظره
الخاصة.
لَم تكن
دائمًا جميع ردود الفعل حول أعمال دوستويفسكي إيجابية . عدد مِن النُّقاد ينظرون
إلى أعماله باعتبارها نفسية وفلسفية بشكل كبير جِدًّا ، بدلاً مِن كَونها فنية
أدبية .
ووجد آخرون أن القصة بذاتها مُفكَّكة وغير
مُنظَّمة وفوضوية . واعترض آخرون بِكَونها أعمالاً نفسية
متطرفة ، وأنه يدخل في التفاصيل كثيرًا ، وأن أسلوبه مُتكرِّر ومُستفيض ، ويَفتقر
إلى التوازن وضبط النفس .
كان دوستويفسكي مُصابًا بالصرع . وأوَّل
نَوبة أصابته عندما كان عُمره تسع سنوات . ونوبات الصرع كانت تصيبه على فترات
متفرقة في حياته. وهذا الأمرُ أثَّر عليه سَلْبًا طِيلة حياته ، وسَبَّب
له مُعاناةً حقيقية .