وُلد الشاعر الدنماركي كارل غيلوروب ( 1857_
1919) في روهولت في منطقة زيلاند الدنماركية . يُعتبَر أول دنماركي يفوز بجائزة
نوبل للآداب في عام 1917.وقد تقاسم الجائزة مع مواطنه هنريك بونتوبيدان.
كانت عائلة غيلوروب مُثقفةً وذات مكانة
اجتماعية ، فوالده كاهن مُتعمِّق في عِلم اللاهوت ، وله أتباع يُؤمنون بكلامه ،
ويثقون بأفعاله. وهذا المناخ الدِّيني لَم يكن معزولاً عن المجتمع ، بل كان مناخًا
ممتلئًا بالقيم الوطنية والعاطفية ذات النَّزعة المثالية .
في سن الثالثة عشرة ، حدثت الانعطافة الكبرى
في حياة غيلوروب ، فقد تصادم مع عقيدته، وثار على الميراث الروحي لعائلته ،
وتمرَّد على خلفيته الفكرية ، وتخاصم مع بيئته التي نشأ فيها . وصار من أتباع
الكاتب برانديس الذي يكتب روايات جريئة حول الجِنس المشاع والإلحاد.
ومعَ مرور الوقت ، بدأ غيلوروب يراجع
حساباته متأثِّرًا بأصوله الاجتماعية وخلفيته الدينية . وهذه المراجعة الفكرية
بدأت تدريجيًّا ، وانتهت برفض تام لخط سَير الكاتب برانديس .
وبعد القطيعة الشاملة بينه وبين أستاذه
ومُلْهِمه ، استعادَ غيلوروب المناخ الديني ، والجو العاطفي ، والبُنية الوجدانية
، ووجد نفْسه مُنْجَذِبًا إلى الثقافة الألمانية باعتبارها الثقافة المركزية
العالية ، صاحبة الحضور الطاغي أوروبيًّا وعالميًّا، بعكس الثقافة الدنماركية التي
تُعتبَر ثقافة محلية، لا وزن لها خارج حدود الدنمارك .
أحسَّ غيلوروب بأنه ينتمي إلى بُنية ثقافية
مُتدنِّية ، وسيطرت عليه عُقدة الشعور بالنقص ، فأراد الانتماء إلى أُمَّة ذات
مكانة عالمية ، لذلك اختار ألمانيا وطنًا له على الصعيدين الروحي والمادي ، ولَم
يجد أيَّة عقبة في طريقه ، فقد كانت زوجته ألمانية . وهذا سهَّل عليه الأمر .
في عام 1892 ، استقرَّ في ألمانيا ، وصار
يُصنِّف نفْسه كمواطن ألماني . وهذا الأمر جعل أبناء شعبه ينظرون إليه كخائن وعميل
، وصار مكروهًا في بلاده ، ومنبوذًا من قِبَل اليمين واليسار في الدنمارك . كان
انتماؤه الجديد إلى ألمانيا حقيقيًّا لا مصلحيًّا، فقد آمنَ بأهداف الإمبراطورية
الألمانية بشكل كامل، وتشرَّب العواطف الألمانية بشكل تام لا لَبْسَ فيه . وهذا
الأمر تجلَّى بوضوح في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى ( 1914_ 1918) ، إذ
إنَّه اقتنع تمامًا بأهداف ألمانيا في الحرب ، وتبنَّى وجهة نظرها كاملةً غير
منقوصة .
كتب غيلوروب الشِّعر والرواية والمقالة .
ومن أهم أعماله المبكِّرة رواية ( المتعلِّم الألماني ) التي تشير إلى حِدَّة
الصراع الفكري . إذ إنها تحكي قصة شاب ينتقل إلى الإلحاد بعدما كان عالِمًا
دينيًّا ومُثقَّفًا . وقد تكون هذه الرواية المبكِّرة بمثابة السيرة الذاتية
للكاتب مع تغيير أسماء الشخوص والأمكنة . ومن المعلوم أن الرواية الأولى لأي كاتب
هي بمثابة سيرته الذاتية ، وتجربته الشخصية ، مع الاختلاف في مقدار الواقع والخيال
.
كما أنه تأثَّر بالبوذية بشكل واضح ،
واحتلَّت الثقافة الشرقية جزءًا كبيرًا من حياته وتكوينه الفكري والأدبي. وهذا
التأثر يبرز في روايته " الحاج " ( 1906 ) ، وهي تحكي رحلة ابن تاجر
هندي من الازدهار الدنيوي والشهوات الجسدية إلى الرهبنة والانقطاع عن الدنيا ،
مُرورًا بالتقلبات الفكرية والعقبات الاجتماعية . وبعد تجاوز التحديات ، يلتقي
براهب غريب ومجهول ، كان في الحقيقة بوذا.