وُلد الكاتب المسرحي
الكوميدي جون باتِيست بُوكلان الملقَّب موليير( 1622 _ 1673 ) في باريس .
تُوُفِّيت والدته التي كانت مُتدينة من عائلة برجوازية ميسورة ، لَمَّا كان عُمره
حوالي عشر سنين . فربَّاه والده، الذي كان يَعمل مُورِّد سَجَّاد وفَرَّاش للقصر
الملكي وخادمًا للملك .
تزوَّجَ والده امرأة ثانية ماتت بعد مدة
قصيرة من الزواج، وانتقل موليير للسكن مع والده في شَقَّة . تلقى موليير تعليمًا
جَيِّدًا في إعدادية كليرمون على يد عدد من نوابغ فرنسا ، وكان منهم فولتير ، وكانت الإعدادية تتبع اليسوعيين .
كان دُكان والده قرب مكان تُقدَّم فيه عروض مسرحية بسيطة أبطالها مُمثِّلي الشوارع ،
وكان موليير أحد المشاهدين الذين يُتابعون هذه المسرحيات برفقة والد أُمِّه .
درس الحقوق في " أورليان " ، ودرس الفلسفة على يد
الأستاذ جاسيندي الذي
كان سببًا في حُبِّه للشاعر اللاتيني
" لوكريس" . وبعد أن أنهى دراسة الحقوق ، عمل محاميًا لفترة قصيرة ،
وخلال تلك المدة لَم يعمل إلا على قضية واحدة . أرادَ والده أن يسير ابنه
على تقاليد عائلته ، ويخدم لصالح القصر الملكي، لكن موليير هجر الفكرة
عام 1643 ، وقرَّر الاتجاه إلى المسرح. ويُقال إن
والد أُمِّه هو الذي حبَّبه في المسرح بسبب أخذه معه إلى المسرحيات، فكان
يندمج فيها ، وعند رجوعه إلى البيت يُفكِّر فيما شاهده من عُروض . ويُقال إن أباه
الذي كان فَظًّا بخيلاً عارضَ فكرة ميول ابنه للمسرح، وكان
يحاول تهديده ومنعه من تخصصه في ذلك المجال .
لا يُعرَف السبب الذي جعله يُغيِّر اسمه إلى
موليير ، ولكن على الراجح أنه قام بتغيير اسمه كي لا يُحرِج والده الذي كان يعتقد
أن التمثيل في المسرحيات
يعتبر إحراجًا للعائلة . ومِن بعد ذلك وهب موليير حياته للفن بالكامل إلى غاية
وفاته. عمل موليير مديرًا لفرقة مسرحية ، وقامَ باستئجار مسرح تُعرَض فيه مسرحيات
الفِرقة ، وظَلَّت الفِرقة تستأجر مسرحًا وراء مسرح ، وتُصاب بفشل وراء فشل ، حتى
تراكمت الديون على موليير ، وسُجِن بسببها مرتين عام 1645 .
ومن العوامل التي سبَّبت الفشل أن جمهور
المسرح في باريس _ خلال القرن السابع عشر _ كان ضئيلاً. وعندما بدأ موليير يعرض مسرحياته كان من الحضور
مسرحِيُّون مشهورون في باريس ، فكان صعبًا عليه
منافستهم بِمُجرَّد فِرقة تمثيل جديدة وليست مشهورة، رغم أن مُمثِّليها كانوا
مُتحمِّسين ، ولكن تنقصهم الخبرة.
معَ أن فِرقة موليير كان اسمها " فِرقة
المسرح الباهر" لكن بدايتها لَم تكن باهرة ، ولَم يكن أمام الفِرقة حَل غير
ترك باريس والذهاب إلى
الأقاليم . ومن أواخر 1645 ، ولمدة لا تقل عن ثلاث عشرة
سنة ذهب موليير بفرقته إلى نواحي ريف فرنسا ، وقدَّم فيها عروضًا مسرحية
. وبدأ موليير يكتب مسرحيات لفرقته بنفْسه. ولا يوجد شك أن هذه الجولات لعبت دورًا
كبيرًا في حياة موليير الفنية،وأعطته خبرة كمدير فَنِّي ، وفي التعامل مع المؤلفين والممثلين والجمهور
والسُّلطات. ومعَ مرور الوقت تحسَّنَ أداء فرقة موليير ، وامتلكَ الممثلون الخبرة
والثقة بالنفس .
وصلت لموليير دعوة من فيليب دوق
أورلين شقيق الملك
لويس عندما كان في أورليندا بأنه
سَيُقدِّم عُروضًا في باريس
. ومن هنا بدأت شهرته يوم 24 أكتوبر
1668 .
كان
موليير المدير الفني للفِرقة ، وهو الذي يكتب المسرحيات وهو الذي يقوم
بدور البطولة. في نفس الوقت كان يعيش مجموعة من المشكلات في بيته مع زوجته(التي
تزوَّجها وهو في الأربعين) ومع السُّلطات والكنيسة . كُل هذا
أنهكه وأتعبه، وكان أول الناصحين له بترك التمثيل ومزاولة الكتابة فقط هو صديقه
" بوالو " ، ورغم ذلك رفض موليير ، وأصرَّ على الاستمرار بالكتابة ، وأن
يُمثِّل ويجتهد حتى أنهكه التعب وأصبح ضعيفًا ، ويسعل بطريقة متقطعة .
آخر مسرحياته كانت " المريض
الوهمي " ،
عرضها أول مَرَّة يوم 10يناير 1673 ، وتُوُفِّيَ بسبب مرض السُّل الرئوي. وقد رفضت كنيسة " سانت
أُوستاش "_ التي اتَّهمته بالكفر _ دفنه مثل المسيحيين ، فاضْطُرت
زوجته أن تستنجد بلويس ملك
فرنسا نفْسه كي يتدخل عند كبير الأساقفة ، ونجحت مساعي الملك ، لكن الكنيسة اشترطت
أنه سَيُدفَن بالليل ومن غير طقوس ، ولا صلاة على الجثمان . وقد دُفن موليير بعد
أربعة أيام من وفاته في مدافن " سانت جوزيف" المخصَّصة لدفن المنتحِرين
والأطفال الذين ماتوا قبل أن يَتعمَّدوا .
يُعتبَر موليير أحد أهم أساتذة الكوميديا في
تاريخ الفن المسرحي الأوروبي،ومُؤسِّس" الكوميديا الراقية " . قامَ
بتمثيل 95 مسرحية، منها 31 مِن تأليفه . وتمتاز مسرحياته بالبراعة في تصوير الشخصيات ، وبالأخص في
تكوين المواقف والقُدرة على الإضحاك .
كان لموليير تأثير كبير في تطوير المسرح في
أوروبا والعالَم . واقْتُبِسَت مسرحيات له مِن أواخر القرن التاسع عشر .