وُلد الفيلسوف
الأمريكي نورمان مالكوم ( 1911 _ 1990 ) في سلدن بولاية كنساس . درس الفلسفة والمنطق في جامعة هارفارد ، ونال منها
درجة الدكتوراة، ثم التحق بجامعة كامبردج سنة 1938، حيث التقى الفيلسوف لودفيغ
فيتغنشتاين ، وواظبَ طوال سنة 1939 على حضور محاضراته حول الأُسس الفلسفية
للرياضيات ، ووقع تحت تأثيره ، وتبنَّى منهجه وأفكاره ، فكان من أشد أصدقائه .
وكان للفيلسوف المنطقي مور أيضًا أعظم الأثر في تكوينه الروحي والعقلي ، ودفعه في
اتجاه تحليلي وضعي منطقي ، أسهم في تطور الفلسفة الأنغلوسكسونية في النصف الثاني
من القرن العشرين . ويُعتبَر مالكوم من أبرز مُمثِّلي النَّزعة التحليلية في
الفلسفة .
عاد مالكوم سنة 1940 إلى أمريكا للتدريس في
جامعة برنستون، ثم التحق بالبحرية الأمريكية ( 1942 _ 1945 ). ومِن ثَمَّ عاد إلى
التدريس في جامعة كورنل الأمريكية ( 1947_1958) ثم هاجر إلى بريطانيا .
ترك مالكوم وراءه نتاجًا غزيرًا ، أشهره
كتابه الرئيسي " المعرفة واليقين " ( 1963 ) ، وهو محاولة لفهم
فيتغنشتاين،وشرح لفلسفته واستخدام منهجه لمعالجة موضوعات لَم يتناولها فيتغنشتاين
مباشرة. كما نشر مالكوم كتبًا عديدة، منها " مذكرات لودفيغ فيتغنشتاين"
( 1958)، حلَّل فيه مضامين الرسائل التي وجَّهها إليه فيتغنشتاين على مدى أحد عشر
عامًا، والبالغ عددها قرابة الخمسين حول مسائل عِدَّة ، وكتابه " فيتغنشتاين،
وجهة نظر دينية " ( 1990 ). دوَّن فيه معظم آراء فيتغنشتاين وملاحظاته حول
الدين طوال فترة حياته بدقة بالغة، كما عرض فيه الأساليب التي جذبته إلى أنماط
التفكير الديني، والعقبات التي حالت بينه وبين الالتزام الديني التام، مقترحًا
بالنهاية أربع نقاط متماثلة عمومًا بين مناهج فيتغنشتاين الفلسفية ومواقفه الدينية
، ثم " مشاكل العقل : مِن ديكارت إلى فيتغنشتاين "، و" الشعور
والسببية " ( 1984 ) و" الذاكرة والعقل " و"التفكير والمعرفة"
، و " فرضيات فيتغنشتاين ، و " الحلم " .
بدأ مالكوم نشاطه الفكري قريبًا من مواقع
الوضعية الجديدة ، لكنه أولى اهتمامًا بالغًا بفلسفة العقل وحوادث الشعور . وقد
تجلَّت أصالته في اتجاهه المنهجي الذي يصوغ به نسقًا تقنيًّا يُطبِّقه على بعض
مسائل فلسفة العقل والشعور بهدف حلها ، فقد سعى في كتابه " الحلم " إلى
تطبيق المنهج المنطقي التحليلي الذي طبَّقه مور وفيتغنشتاين على فلسفة اللغة
والمعاني والدلالات ، كي ينتقد به أفكار ديكارت ، وفرضياته الشَّكية التي أتى
عليها في كتابه " التأملات الأولى " ، ويُنحِّيها جانبًا، تلك التي تقول
: (( لا يمكن في معظم حالات الحلم التمييز بين حالة الصحو وحالة النوم، بدعوى أن
عقل الإنسان لا يعمل في حالة النوم،وأن معظم الحالات العقلية والشعورية لها
الحدوث المتكرر نفسه في الحالتين ( الصحو والنوم )، وما يُشاهَد في الحلم ما هو
إلا استمرار للحالات العقلية نفسها التي يتمثلها الإنسان في حالة الصحو )) .
وفي هذا الصَّدد ، يَسوق مالكوم برهانه على
أساس وضع معايير لتمييز العمليات الذهنية ( حالات التفكير والشعور والإدراك ) ،
التي تحدث في حالة الوعي وفي حالة النوم العميق، مُرتكزًا بذلك على تحليل معاني
الحالات العقلية والشعورية ودلالاتها في الحالتين، وتطبيق منهج فيتغنشتاين المنطقي
حول مبدأ قابلية التحقق من صدقها ، أي إمكانية اختبارها ، أو التثبت منها ، بُغية
تجاوز التعارض بين الواقعية والموضوعات الخيالية والتناقضات ذات الوجود المستقل عن
الذهن البشري ، والتي تُرَدُّ إلى سوء فهم ، أو سوء تحليل التصورات الفلسفية ،
الذي ينجم عنه الخلط بين حالات الشعور والعمليات الذهنية ، فيؤدي ذلك إلى خلافات
بين الآراء أو المذاهب الفلسفية حول بعض المسائل .