وُلِد الفيلسوف
والفيزيائي الألماني اليهودي موريس شليك ( 1882 _ 1936 ) في برلين . وتعلَّمَ في
جامعتها.وعَلَّمَ في جامعتَي روستوك وكييل،قبل أن يُسْتَدْعَى ليشغل كرسي الفلسفة
بجامعة فيينا ( 1922 ) . وقد استمرَّ فيها حتى لقي مصرعه غِيلةً على يد أحد الطلبة
في فيينا .
دَرَسَ شليك بوصفه فيزيائيًّا مشكلات علم
البصريات النظرية،وكان واحدًا من أوائل مُفسِّري نظرية النسبية . ويُسمِّي بعضهم
فلسفته قبل فيينا ( 1922 ) بالواقعية النقدية التي تصف الأشياء وصف العلوم
الطبيعية لها بعبارات مكانية زمانية، والمعرفة فيها هي العِلم بالأشباه، ولا تكون
الأشباه إلا من المعطيات الحِسِّية أو صور الذاكرة، أو الأفكار المتخيَّلة، أو
التصورات الرياضية عن الظواهر التجريدية . وقد توسَّعَ شليك في نظريته بعد عام
1922 بتأثير من فيتغنشتاين وكارناب، فطوَّر مقولات فيتغنشتاين في " الرسالة المنطقية
الفلسفية "، وعرض النظرية العامة للوضعية المنطقية (أو الوضعية المحدَثة)في
المعرفة، وجعل أساس هذه النظرية التمييز بين المنطوقات التجريبية( التركيبية
القَبْلية ) وبين قضايا العلم المنطقية (التحليلية ) ، وندَّد بالمسائل الكاذبة
للميتافيزيقا .
وقد نأى في هذه المرحلة الجديدة بالفلسفة عن
البحث في المشكلات التقليدية (الميتافيزيقا)، وجعل غاية الفلسفة التحقيق في البناء
المنطقي للمعرفة العلمية، وذلك بتوضيح المصطلحات وتبيان استخداماتها المختلفة
باختلاف سياقاتها، لذلك طوَّر شليك لنفسه منهجًا فلسفيًّا تحليليًّا ، يقوم أولاً
على التثبت من قواعد الاستخدام اللغوي للمصطلح قَيْد البحث ، ثم على دراسة المعنى
المقصود الذي يقصد إليه المصطلح عن طريق دراسة العبارات ، التي يُستخدَم فيها،
ومِن ثَمَّ تأويل معنى المصطلح ، والتيقن من صدق التأويل بالقياس إلى معيار التحقق
الذي قال به فيتغنشتاين، والذي بمقتضاه لا يكون التأويل صادقًا إلا إذا كان له صدى
من الواقع، وبه لا يكون الشيء واقعًا إلا إذا كان من الممكن اختباره وقياسه .
ولذلك يرى شليك أن مناط العِلم هو قوام الخبرة أو التجربة وليس محتواها . واهتم
شليك أيضًا بمسائل عِلم الجمال وعلم الأخلاق، فطبَّق منهجه التحليلي على مسائل
الأخلاق، وجعل القيم الأخلاقية نسبية، وقال بمبدأ جديد ينادي بالسعادة غاية للفعل.
اشْتُهِر شليك بِكَوْنه مُؤسِّس الوضعية
المنطقية ، ومُؤسِّس " جماعة فيينا ".
والوضعيةُ المنطقية ( وتُعرَف أيضًا بالتجريبية
الوضعانية أو الوضعانية الجديدة ) ، هي حركة فلسفية ظهرت في النمسا وألمانيا في
العَقْد الثاني من القرن العشرين .
تُعنَى
هذه الحركة الفلسفية بالتحليل المنطقي للمعرفة العلمية ، حيث تُؤكِّد أن المقولات
الميتافيزيقية، أو الدينية، أو القِيَمية، فارغة من أي معنى إدراكي، بالتالي، لا
تعدو عن كَوْنها تعبيرًا عن مشاعر أو رغبات . إذًا، المقولات الرياضية المنطقية
والطبيعية فقط هي ذات معنى مُحدَّد .
وكان لنظرية آينشتاين النسبية تأثير
كبير على أصول الوضعية المنطقية. عُنِيَ فلاسفة الوضعية المنطقية في تبيان الأهمية
الفلسفية لنظرية النسبية . وفي عامَي 1915 و1917 كتب شليك مقالتين عن النسبية .
بالإضافة إلى ذلك ، فإن ميكانيكا
الكَم كانت موضوعًا
رئيسيًّا في التحقيقات الفلسفية لهذه الحركة ، ونُشِرت أعمال لشليك عن ميكانيكا
الكم . كما كان للتطورات في المنطق الصوري أثر على الوضعية المنطقية
ومِن وجهة نظر الوضعية المنطقية ، فإن كل
المقولات ذات المعنى يمكن تقسيمها إلى صنفين : الأول _ يتضمَّن مقولات قد تكون
صحيحة أو خاطئة اعتمادًا على أشكالها المنطقية أو معناها ( تُسمَّى هذه المقولات
تحليلية قَبْلية)، والثاني _ يتضمَّن مقولات يمكن التحقق من صحتها أو خطئها فقط من
خلال التجربة ( تُسمَّى تركيبية بَعْدية ) .
أمَّا " جماعة فيينا "(مدرسة
فيينا الوضعية ) فهي من مدارس الفلسفة . وقد عُرِفت باسم " التجريبية
المنطقية " ، وفيما بعد باسم " الوضعية المنطقية " . وفي بادئ
الأمر ، كان المشاركون الأساسيون عبارة عن مجموعة من طلاب البحث المتحمِّسين الذين
اعتادوا في عام 1907 على الالتقاء كل ليلة خميس لمناقشة مشكلات العِلم والفلسفة .
كان شليك مُؤسِّس هذه الجماعة ومحورها ،
وإِن لَم يكن القمة الوحيدة فيها، بل للجميع حق الحديث والتعليق وحق الاختلاف في
وجهة النظر. وكان برتراند
راسل الأب الروحي
للحركة. وقوامها طائفة من طلاب شليك ، وفريق من رجال الفكر والعِلم الذين يميلون
إلى الفلسفة .