وُلد الشاعر الروسي
ميخائيل ليرمنتوف ( 1814 _ 1841 ) في موسكو لعائلة من طبقة النبلاء. تُوُفِّيَت
والدته في عام 1817، فاحتضنته جدته في ضَيعة تارخاني في مقاطعة بينزا .
حصل ليرمنتوف على تعليم رائع ، حيث سافر إلى
موسكو في عام 1827، ليلتحق بمدرسة داخلية للنبلاء تابعة لجامعة موسكو. وفي تلك
الفترة بالذات بدأ ليرمنتوف بكتابة الأشعار، وباشر بكتابة قصيدة " الشيطان
" في عام 1829 . وفي عام 1831 ، تُوُفِّيَ والده عن 44 عامًا فقط .
درس ليرمنتوف في جامعة موسكو خلال الفترة (
1830 _ 1832 )، ولكنه ارتحل إلى بطرسبورغ بعد أن فشل في العثور على ما يُلبِّي به
متطلباته. أمَّا في بطرسبورغ فقد التحق بالمدرسة العسكرية ليتخرج منها في عام 1834
، وينتسب إلى صفوف الحرس الإمبراطوري . وفي الوقت الذي خدم فيه ليرمنتوف ضابطًا في
" القرية القيصرية " لَم ينقطع عن القراءة وكتابة القصائد .
كتب ليرمنتوف وهو
متأثر بمصرع شاعر روسيا الكبير بوشكين في
مبارزة غامضة في عام 1837 قصيدة " موت شاعر " التي حفظها وردَّدها
المعاصرون .
أدى احتجاج ليرمنتوف على مقتل بوشكين في شهر
فبراير 1837 ، إلى إثارة غضب السُّلطات التي قرَّرت اعتقاله ونَفْيه إلى منطقة
القوقاز ، بعد إجراء تحقيق معه عقابًا على قصيدته التي تداولها الناس في جميع
أنحاء روسيا .
وفي منفاه البعيد مارس ليرمنتوف إلى جانب
كتابة الأشعار الرسم بالألوان المائية والزيتية ، وأبدع الكثير من اللوحات الجميلة
المعبِّرة .
تمكَّنَ ليرمنتوف من
العودة إلى مدينة بطرسبورغ بفضل مساعي جدته وشفاعة الشاعر فاسيلي جوكوفسكي. وفي
بطرسبورغ انضمَّ ليرمنتوف إلى حلقة أرستقراطية من الشباب العسكريين ، وتقرَّبَ من
أعضاء هيئة تحرير مجلة " المذكرات الوطنية " .
وفي عام 1840 ، استطاع
مناهضو ليرمنتوف أن يدفعوه إلى المشاركة في مبارزة مع ابن السفير الفرنسي من
تدبيرهم ، فقرَّرت السُّلطات نفيه مرة أخرى إلى القوقاز . ورفض القيصر نيقولاي
الأول تكريم ليرمنتوف على الرغم من الشجاعة الفائقة التي أبداها في ساحة القتال .
وبعد عودته من الإجازة توقف ليرمنتوف في بياتيغورسك للعلاج. وفي هذه المنطقة تشاجر
الشاعر مع زميله في الدراسة مارتينوف ، وقتل في مُبارزة معه في أواخر يوليو 1841 .
ورغم الفترة القصيرة التي قضاها ليرمنتوف في
عمله الأدبي والتي لَم تتجاوز 13 سنة ، والحياة الصاخبة التي عاشها في منطقة
القوقاز ، إلا أنه تمكن من كتابة الكثير من القصائد الجميلة، ومنها "أسير
القوقاز"، و"الشركسي"، و"الخريف"، و"الشراع"،
و" القُرصان"،و"النخلات الثلاث"،و"الخنجر"،و"الشاعر"، و"الشَّيطان". كما كتب
ليرمنتوف مسرحيتَي "حفلة تنكرية"،و"الشقيقان".وأبدع ليرمنتوف
رواية " بطل زماننا " التي اشْتُهِر بها في
جميع أنحاء العالَم ، وأثبت من خلالها بأنه دخل تاريخ الأدب الروسي والعالمي ، ليس
كشاعر عملاق فقط، بل وكناثر لامع ومؤلف مسرحي بارز .
وعندما ظهرت رواية
" بطل زماننا " في مكتبات مدينة بطرسبورغ، حظيت برواج سريع لأن
المعاصرين كانوا راغبين في معرفة الشخص الذي وصفه ليرمنتوف بأنه بطل هذا الزمان .
ومنذ أن رأت الروايةُ النورَ أُعيد طبعها مرات لا تُحصَى باللغة الروسية ، ولغات
شعوب الاتحاد السوفييتي السابق ، وتُرجِمت إلى جميع لغات العالَم تقريبًا .
حاولَ ليرمنتوف الذي
لَم يتجاوز عندما كتب هذه الرواية الخامسة والعشرين من عُمره ، أن يرسم صورة
واقعية لأبناء جيله ، فتركت روايته أثرًا عميقًا في حياة الكثير من الأجيال
التالية .
وقال ليرمنتوف في مقدمة روايته : ((
إن " بطل زماننا " ليست صورة لرَجل واحد، بل صورة تضم رذائل جيلنا كُله
. وإذا قال أحد إن الأخلاق لن تجنيَ من ذلك خيرًا، فلا تتعجَّلوا، فطالما غُذِّيَ
الناس بالحلوى حتى فسدت مَعِدهم . ويجب عليهم الآن أن يتناولوا العقاقير الْمُرَّة
، وأن يتقبلوا الحقائق اللاذعة . لقد أردتُ على سبيل التَّفَكُّه أن أرسم صورة
لإنسان هذا العصر كما فهمته، وكما رأيته في أغلب الأحيان )) .