وُلد الأديب الإسباني
ميغيل إيرنانديث ( 1910 _ 1942 ) في أوريويلا بمقاطعة أليكانتي ، لأب يعمل راعيًا
للماعز ويُربِّيها ، مِمَّا منعه من الدراسة مِثل أبناء جيله في قريته .
التحق بالمدرسة الابتدائية في الخامسة من
عُمره ، ليغادرها بعد عام واحد فقط . لَم يُحصِّل خلاله الكثير سوى تعلم الأحرف
وكيفية كتابتها .
بدأ مبكرًا ممارسة الحياة العملية في رعي
الماعز مع أسرته، إلا أن ذلك لَم يمنعه من محاولة تعليم نفسه ذاتيًّا من خلال
قراءة الكتب الموجودة في المكتبات الخاصة في بيوت رفاقه الأثرياء بالقرية، وكذلك
الكتب التي عثر عليها لدى كاهن الكنيسة الذي تنبَّأ بنبوغه المبكِّر وشجَّعه على
القراءة.
اطَّلعَ إيرنانديث على عِدَّة قراءات لكبار
مؤلفي العصر الذهبي في إسبانيا مِثل : لوبي دي فيغا، وثيربانتس
، وغيرهما .
مع اندلاع
الحرب الأهلية ، قرَّر إيرنانديث
أن يتطوَّع في الجانب الجمهوري ، وتنقَّلَ بين جبهات القتال المختلفة مقاتلاً
وشاعرًا يُحمِّس المقاتلين بقصائده وأغانيه ومسرحياته القصيرة التي كان المقاتلون
يُقدِّمونها على أرض المعركة .
وفي عام 1937 ، وقع الاختيار عليه مِن قِبَل
الجمهوريين ليكون عضوًا في وفدهم إلى المؤتمر الدولي الثاني للكُتَّاب المعادين
للفاشية الذي انعقد في موسكو . وعاد بعد المؤتمر ليكتب قصيدته" راعي الموت
" ، ثم تلاها بقصيدة أخرى تحمل عنوان " ابن الضوء والظلال
" التي كانت عبارة عن بكاء عن طفله الأول مانويل رامون الذي مات بعد أشهر
قليلة من ميلاده .
بعد انتهاء الحرب، قرَّر إيرنانديث العودة
إلى أوريويلا ، ولكنه واجه الكثير من المخاطر ، فقرَّر الذهاب إلى إشبيلية عبر
قُرطبة ، ومنها
عبور الحدود إلى البرتغال عبر ولبة ، إلا
أن قوات الشرطة في عهد دكتاتور البرتغال الفاشي أنطونيو سالازار قامت بتسليمه إلى
الحرس المدني الإسباني . عاشَ أصعب أيام حياته داخل سجن طوريخوس بمدريد، وأثناء
هذه المدة، كان قد تسلَّمَ رسالة من زوجته خوسيفينا تُخبره بأنهم لا يجدون إلا
البصل والخبز كطعام لهم .
وكشفت الفترةُ التي قضاها في السجن نضجَ
فكره ووعيه السياسي ، وتَبَلْوُرَ نظرته الشعرية، وكانت الرسالة التي قام بالرد
بها على زوجته " ترنيمة البصل " دليلاً دامغًا
على ذلك . واستندت
ترنيمته إلى التراث الشعبي لمنطقة أليكانتي
التي وُلد فيها الشاعر . والشاعر يُهدِّد في ترنيمته طفله البعيد عنه ، ويطلب
منه أن يمتص لبن البصلة البارد حتى يتغذى ، بعد أن عَزَّ عليه أن يُقدِّم له لبن
الماعز التي كان يمتلكها الشاعر ، ويدور خلفها في مراعي بلاده .
وبفضل جهود الشاعر بابلو نيرودا ، خرج إيرنانديث
إلى النور بشكل غير متوقع ، وبدون محاكمة في سبتمبر عام 1939 . وعاد بعدها إلى
أوريويلا ، وهناك تم اعتقاله بعد أن تمت الوشاية به ، ووُضِع في سجن لابلازا ديل
كوندي دي تورينو بمدريد ، وحُكم عليه بالإعدام في مارس 1940 ، باعتباره مُحَرِّضًا
على التمرد ضد نظام الجنرال فرانكو ، إلا أن تدخُّل بعض أصدقائه وزملائه المثقفين
في الأمر ، أدى لتخفيف العقوبة إلى ثلاثين عامًا ، وكان بصحبته الكاتب أنطونيو
باييخو في السجن .
مات إيرنانديث في السجن بعد عامين، بعد
صراعه مع المرض ، حيث أُصيب بداء الرئة نتيجة الإهمال الصحي والحياة القاسية .
ودُفن في القبو تحت رقم 1008 بمقابر مقاطعة أليكانتي شرق إسبانيا ، بالقرب من
الأرض التي شهدت مولده ، فيما بقي باييخو ليخرج من السجن ، ويستمر في نضاله من
خلال نشر كتاباته المسرحية . ويذكر له التاريخ أنه صاحب الصورة الشهيرة ، وتكاد
تكون الوحيدة للشاعر ، التي رسمها له خلال انتظارهما تنفيذ الإعدام .
يُعتبَر إيرنانديث من أشهر الأدباء الإسبان في القرن العشرين. وعلى الرغم مِن كَوْنه قَد تَمَّ إدراجه ضمن جيل 36 ، احتفظ بنقاط تشاركية كبيرة مع جيل 27 .