وُلد
الروائي الأمريكي نورمان ميلر(1923_2007)في بلدة لونغ برانش بولاية نيوجيرسي، ونشأ
في حي بروكلين في مدينة نيويورك ، ودرس في جامعة هارفارد ، وتخرَّج فيها مهندسًا ،
كما درس في جامعة السوربون في باريس . خدم في الجيش على جبهة المحيط الهادئ في
أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم عمل في الصحافة محررًا لمجلة "
ديسِنت"(معارضة) في الفترة ( 1953_1963) كما أسهم في إصدار صحيفة صوت القرية
في عام 1956.ومعَ كَوْنه مِن الذين أسهموا في حركة العصيان المدني والاحتجاج على
المنظومة السياسية في الولايات المتحدة،رشَّح نفسه في عام 1969 لمنصب عمدة مدينة
نيويورك،لكنه أخفقَ في الحصول عليه .
حصل ميلر على جائزة بوليتزر مرتين ، وهو
أبرز مَن استخدم أسلوبًا كتابيًّا جمع بين الواقعي والمتخيَّل ( مُقارنة بالنثر
التَّخييلي ) ، أو ما عُرف بالصحافة الجديدة . ويُعتبَر ميلر مِن الكُتَّاب
المتمردين والمتفردين في الولايات المتحدة في النصف الثاني من القرن العشرين .
نشر ميلر في مطلع شبابه وفي أثناء دراسته في
باريس، أُولى رواياته وأنجحها" العُراة والموتى " ( 1948 ) ، فلاقت صدى
كبيرًا ، وكانت نَفَسًا جديدًا ، حيث صوَّر الحرب بأسلوب الطبيعية والتحليل النفسي
، وقدَّم العلاقات الإنسانية متمثلة في مجموعة صغيرة من الجنود ، والصراع بين
التَّسلط في هيئة الجنرال كمنغز ، والحرية والإرادة الفردية في هيئة الضابط الصغير
هِرن ، وما ينتج عن ذلك . كان مُمكنًا لهذه الرواية _ التي صارت من معالم أدب
الحرب العالمية الثانية _ أن تجعل من كاتبها رمزًا لجيل ما بعد الحرب ، لكن ما
تلاها من روايات لَم تَرْقَ إلى المستوى ذاته . ولَم يكن النقد رحيمًا بروايات
مِثل : " ساحل البربر" ( 1951 ) ، وهو ساحل كاليفورنيا التي غاص فيها
الكاتب في غياهب السياسة الأمريكية ، و " مُتَنَزَّه الأيائل " ( 1955 )
عن مشكلات فنَّاني هوليوود ، و " حُلم أمريكي " ( 1965 ) ، وفيها تتجلى
الأمراض الأمريكية من هوس بالعنف والسيطرة والثروة والجنس .
حاولَ ميلر إيجاد أسلوب كتابة صحفية خاص به
، فنجم عن ذلك مزيج من الأحداث الفعلية والدرامية المعقَّدة في مقالات وقصص مثيرة
للجدل مثل : " إعلانات لِذَاتي " ( 1959 ) . وكان الجنس موضوعها
الرئيسي،و"الأوراق الرئاسية"(1963) عن اغتيال الرئيس كينيدي، و"مارلين
" ( 1963 ) وهي شبه سيرة للممثلة مارلين مونرو، أثارت كثيرًا من
التساؤلات، ومجموعة مقالات " أكلة
لحوم بشر ومسيحيون"( 1966). وتمكنَ ميلر من هذا الأسلوب، فكتب " ميامي
وحصار شيكاغو " ( 1968 ) عن الاضطرابات السياسية والاجتماعية ، وأعمال الشغب
والاحتجاج في أثناء حملة الانتخابات الرئاسية في عام 1968 . وأيضًا كتابه المهم
" جيوش الليل " ( 1968 ) الذي قام بناؤه على المسيرة ضد البنتاغون في
عام 1967 احتجاجًا على حرب فيتنام ، والتي شاركَ فيها الكاتب ، واعْتُقِل ،
وغُرِّم . وقد حصد هذا الكتاب جائزة الكتاب الوطنية ، وجائزة بوليتزر عام 1969 .
عادَ ميلر إلى موضوع العنف ، وتحدَّثَ في
روايته " أغنية الجلاد " ( 1979 ) عن حياة المجرم غاري غيلمور وإعدامه .
وحصلت الرواية على جائزة بوليتزر للنثر التخييلي لعام 1980 .
بدأ أيضًا كتابة ثلاثية لَم ينشر منها سوى
الجزء الأول بعنوان" العُتاة لا يَرقصون"( 1984 )، وهي رواية بوليسية
تشويقية ناجحة ، أُخرجت للسينما عام 1987 .
كتبَ ميلر كثيرًا غَير ذلك . ومن أنجح ما
كتب روايته الضخمة " طَيف عاهرة " ( 1991 ) عن وكالة الاستخبارات
المركزية، و" الإنجيل حَسَب الابن" ( 1997 ) على لسان السَّيد المسيح، و
" القلعة في الغابة" ( 2007 ) ، وهي رواية مُتخيَّلة عن طفولة هتلر .
وكانت آخر مؤلفاته .
عُرف ميلر بعدائه للصهيونية حتى عدَّه بعضهم يهوديًّا لَم يعترف باليهودية ، وقد وقف ضد حرب أمريكا على العراق، لكن ميلر في كتاباته ومقولاته وحياته كان إجمالاً مثالاً للضياع في منتصف القرن العشرين ، وتعبيرًا عن الإشكاليات التي يعجُّ بها المجتمع الأمريكي ، في السياسة والحرب والعنف والجنس .