وُلد الروائي المصري
نجيب محفوظ ( 1911_ 2006 ) في حي الجمالية بالقاهرة . كان والده موظفًا ، وكانت
والدته ابنة أحد علماء الأزهر . سُمِّيَ نجيب محفوظ باسم مُركَّب تقديرًا من والده
للطبيب المعروف نجيب
باشا محفوظ الذي أشرف على
ولادته التي كانت متعسرة .
التحق بجامعة
القاهرة في عام 1930 ، وحصل على
ليسانس الفلسفة. شرع بعدها في إعداد رسالة الماجستير عن الجمال في الفلسفة
الإسلامية ، ثُمَّ غيَّر رأيه ،
وقرَّر التركيز على الأدب . انضمَّ إلى السلك الحكومي ليعمل سكرتيرًا برلمانيًّا
في وزارة الأوقاف
( 1938_ 1945)، ثم مديرًا لمؤسسة القرض الحسن في الوزارة حتى عام 1954 . وعمل
بعدها مديرًا لمكتب وزير الإرشاد، ثم انتقل إلى وزارة الثقافة مديرًا للرقابة على
المصنفات الفنية. وفي عام 1960 عمل مديرًا عامًّا
لمؤسسة دعم السينما، ثم مستشارًا للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتلفزيون .
وآخر منصب حكومي شغله كان رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما(1966_ 1971)،
وتقاعدَ بعده ليصبح أحد كُتَّاب مؤسسة الأهرام .
تزوَّجَ محفوظ في فترة توقفه عن الكتابة بعد
ثورة 1952 من السيدة عطية الله إبراهيم، وأخفى خبر زواجه عمَّن حوله لعشر سنوات،
مُتعللاً عن عدم زواجه بانشغاله برعاية أُمِّه وأخته الأرملة وأطفالها. في تلك
الفترة كان دخله قد ازداد من عمله في كتابة سيناريوهات الأفلام ، وأصبح لديه من
المال ما يكفي لتأسيس عائلة . ولَم يُعرَف عن زواجه إلا بعد عشر سنوات من حدوثه
عندما تشاجرت إحدى ابنتيه أم كلثوم وفاطمة مع زميلة لها في المدرسة، فعرف الشاعر
صلاح جاهين بالأمر من
والد الطالبة ، وانتشر الخبر بين المعارف .
بدأ
محفوظ الكتابة في منتصف الثلاثينيات، وكان ينشر قصصه القصيرة في مجلة الرسالة.
وفي عام 1939 نشر روايته الأولى " عبث
الأقدار " التي
تُقدِّم مفهومه عن الواقعية التاريخية. ثم نشر " كفاح
طِيبة "، و " رادوبيس " ،
مُنهيًا ثلاثية تاريخية في زمن الفراعنة .
وبَدْءًا مِن عام 1945 ، بدأ محفوظ خطه
الروائي الواقعي الذي حافظ عليه في معظم مسيرته الأدبية برواية القاهرة
الجديدة ، ثم خان الخليلي ، وزقاق المدق. وقد جرَّب
محفوظ الواقعية النفسية في رواية السراب،
ثم عاد إلى الواقعية الاجتماعية مع بداية
ونهاية، وثلاثية
القاهرة التي تتكون
مِن : بين القصرين ( 1956) . قصر الشوق ( 1957). السكرية ( 1957) .
بعد ذلك ، اتَّجه
محفوظ إلى الرمزية في روايتَيْه الشَّحاذ، وأولاد حارتنا التي سبَّبت
ردود فعل قوية، وكانت سببًا في التحريض على محاولة اغتياله . كما اتَّجه في مرحلة
متقدمة من مشواره الأدبي إلى مفاهيم جديدة كالكتابة على حدود الفنتازيا كما في
روايته الحرافيش ، وكتابة البَوح الصوفي والأحلام كما في عملَيْه أصداء السيرة
الذاتية،وأحلام فترة النقاهة، اللذين اتَّسما بالتكثيف الشعري وتفجير اللغة
والعالَم . تُعتبَر مؤلفات محفوظ من ناحية بمثابة مرآة للحياة الاجتماعية
والسياسية في مصر، ومن ناحية أخرى يمكن اعتبارها تدوينًا معاصرًا لهمِّ الوجود
الإنساني، ووضعية الإنسان في عالَم يبدو مهجورًا، كما أنها تعكس رؤية المثقفين على
اختلاف ميولهم إلى السُّلطة .
توقَّفَ محفوظ عن الكتابة بعد الثلاثية،
ودخل في حالة صمت أدبي، انتقل خلاله من الواقعية الاجتماعية إلى الواقعية الرمزية
. ثم بدأ نشر روايته الجديدة " أولاد حارتنا " في جريدة الأهرام في عام
1959 . وفيها استسلمَ محفوظ لغواية استعمال الحكايات الكبرى من تاريخ الإنسانية في
قراءة اللحظة السياسية والاجتماعية لمصر ما بعد الثورة، ليطرح سؤال على رجال
الثورة عن الطريق الذي يرغبون في السير فيه ( طريق الفُتُوَّات أم طريق
الحرافيش ؟)، وأثارت الرواية ردود أفعال قوية تسبَّبت في وقف نشرها،والتوجيه بعدم
نشرها كاملة في مصر، رغم صدورها في عام 1967 عن دار الآداب اللبنانية . جاءت ردود
الفعل القوية من التفسيرات المباشرة للرموز الدينية في الرواية، وشخصياتها أمثال:
الجبلاوي، أدهم، إدريس، جبل، رِفاعة، قاسم، وعرفة. وشكَّل موت الجبلاوي فيها صدمة
عقائدية لكثير من الأطراف الدينية .
" أولاد
حارتنا " واحدة من أربع روايات تسبَّبت في فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب
، كما أنها كانت السبب المباشر في التحريض على محاولة اغتياله . وبعدها لَم يتخلَّ
تمامًا عن واقعيته الرمزية، فنشر ملحمة
الحرافيش في 1977 ، بعد
عشر سنوات من نشر " أولاد حارتنا " كاملةً ، كما أنه قد رفض نشرها بعد
ذلك حرصًا على وعد قطعه لمندوب الرئيس جمال عبد الناصر بعدم نشر الرواية داخل مصر
. وفي أكتوبر 1995 ، طُعن محفوظ في عنقه على يد شابين قد قرَّرا اغتياله ، لاتهامه
بالكفر بسبب روايته المثيرة للجدل " أولاد حارتنا " .
ومعَ أن محفوظ بدأ الكتابة في وقت مبكر، إلا أنه لَم يلقَ اهتمامًا حتى قرب نهاية الخمسينيات، فظل مُتَجَاهَلاً مِن قِبَل النُقَّاد لِمَا يُقارِب خمسة عشر عامًا قبل أن يبدأ الاهتمام النقدي بأعماله في الظهور والتزايد . يُعتبَر نجيب محفوظ رائد الرواية العربية بلا مُنازع، وأول عربي يفوز بجائزة نوبل للآداب (1988).