سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

29‏/02‏/2024

مكياج السبايا يتساقط على الحواجز العسكرية

 

مكياج السبايا يتساقط على الحواجز العسكرية

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     عِندَما تَذُوبُ الحضارةُ تَحْتَ صَليلِ السُّيوفِ / كَما يَذوبُ المِكياجُ تَحْتَ شَمْسِ الظهيرةِ / عِشْ في قَلْبِ امرأةٍ غَامضةٍ لِيُصْبِحَ دَمُكَ حَضارةً / بَيْنَ مُلوكِ الطوائفِ وَتُجَّارِ الحُروبِ / جَاءَ الاحتضارُ الشَّاسِعُ أيَّتُها اللبُؤَةُ / دُودُ القُبورِ سَيَأكُلُ ثَدْيَيْكِ / اللذَيْنِ تَفتخرينَ بِهِمَا أمامَ جُثَثِ الجنودِ القَتلى المَنْسِيِّينَ في المعركةِ / والدُّوَيْلاتُ البَدويةُ اللقيطةُ يَحْكُمُهَا رُعيانُ الغَنَمِ / الذِينَ يُسَمُّونَ أنفُسَهُم أُمَرَاءَ المُؤمِنين /

     ضَوْءُ القَمَرِ يُحْرِقُ خُدُودَ البُحَيْرَاتِ / وَصَوْتُ المطرِ يَحْفِرُ جِلْدي كالرَّصاصِ الحَيِّ في مُدُنِ الأمْوَاتِ / ذَهَبَ الجُنودُ المَجْهُولُونَ إلى المَوْتِ في أرضِ المَعركةِ / ولَمَ يَتْرُكُوا وَرَاءَهُم مَجْدًا ولا أوسمةً/ هُرُوبُ الجِنرالاتِ مِنَ الذِّكرياتِ / وَفِرَارُ الصَّبايا مِنَ الحَكَايَا / وَطَنٌ يَسْقُطُ عَلى أرشيفِ الضَّحايا / كَمَا تَسْقُطُ مَلاقِطُ الغسيلِ عَلى سُطوحِ القِطاراتِ / وَطَنٌ مات / كُلُّ شَيْءٍ مات /

     في مَملكةِ الرَّمْلِ المُخْمَلِيِّ / يَخُونُ السَّرابُ الصَّحراءَ / وَتَطْعَنُ الصَّحراءُ البَحْرَ في الظَّهْرِ / وَيَطفو دَمُ السُّنونو عَلى سَطْحِ النِّفْطِ / وَعِطْرُ قَاتِلتي يَقُودُني إلَيْها في مَساءٍ خَريفيٍّ / بِلا قَمَرٍ ولا قُبُور/ لا أبناءَ لِي يَحْمِلُونَ اسْمِي / جُثتي تَحْمِلُ اسْمَ قَلبي / وأنا أحْمِلُ اسْمَ نَفْسِي / وأرِثُ نَفْسِي بَعْدَ مَوْتِهَا / وأرثي نَفْسِي بَعْدَ اغتيالِها / أنا الوَارِثُ والمَوْرُوثُ والتُّرَاثُ والمِيراثُ / أنا وَصِيَّةُ البُحَيْرَاتِ / أنا وِصَايَةُ القَاتلِ على الضَّحِيَّةِ /

     صُرَاخُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ يَذُوبُ في صَوْتِ المَطَرِ في لَيالي الهَلَعِ / وَصَفَّاراتُ الإنذارِ في مَملكةِ الإمَاءِ / وَالحَمَامُ الزَّاجِلُ نَسِيَ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ بَيْنَ أبراجِ الكَنائسِ وأبراجِ المُعْتَقَلاتِ / سَوْفَ يَلتقي الغريبُ مَعَ الغريبةِ / عِندَما تَلتقي ضَفائرُ الرَّاهباتِ مَعَ الصُّلبانِ البلاستيكيةِ /  والكِلابُ البُوليسيةُ تَنتظرُ عِندَ أبراجِ الكَنائسِ / والأغرابُ يَقْتَسِمُونَ الغنائمَ في نَهارِ الضَّحايا / وَيُوَزِّعُونَ الرَّهائنَ في لَيْلِ السَّبايا /

     لا تَزَالُ جُثَثُ النِّسَاءِ على أرْصِفَةِ الوَدَاعِ في مُدُنِ القُمَامَةِ/ وَالمَوْجُ هَدَمَ القُصُورَ الرَّمليةَ تَحْتَ وَمِيضِ البَرْقِ/ وَنَسِيَ الأيتامُ الشُّوكولاتةَ في ثَلاجَةِ المَوْتَى / يا رَمْلَ البَحْرِ / عَلِّمْنِي جَدْوَلَ الضَّرْبِ/ إنَّ القَتلى أرقامٌ/ وَكُرَيَاتُ دَمِي سَبَايا/ نُعُوشُ الجُنودِ مَصْفُوفةٌ في عَرَبَاتِ القِطَارِ كَصَناديقِ الخُضَارِ / والأُمَّهَاتُ يَنْتَظِرْنَ الصَّقيعَ في مَحطةِ القِطَاراتِ الفارغةِ / سَأمُوتُ في الشَّفَقِ الزَّهْرِيِّ / وَأُولَدُ في قَلْبِ شَركسيةٍ غامضةٍ / تَركضُ في أدغالِ الغُروبِ / بَيْنَ مِلْحِ الدَّمْعِ وَصَلِيلِ الوَدَاعِ .

28‏/02‏/2024

طيور البحر في موسم البكاء

 

طيور البحر في موسم البكاء

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

........................

     زِنزانتي تُطِلُّ عَلى البَحْرِ الأخيرِ / وَطُيُورُ البَحْرِ تُعَقِّمُ بَلاطَ الزِّنزانةِ بِمِلْحِ الدُّموعِ / والطائراتُ قَصَفَتْ حِبَالَ الغسيلِ / فَسَقَطَتْ ثِيَابُ الحِدَادِ عَلى سَطْحِ الوَدَاعِ أوْ سَطْحِ البَحْرِ / افْرَحُوا أيُّها الضَّحايا / يَنْتَظِرُكُم مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ في المَقَابرِ الجَمَاعِيَّةِ / ولا دُسْتُورَ إلا التَّطْهِيرُ العِرْقِيُّ /

     ضَفائرُ الرَّاهباتِ مَرْبُوطةٌ بِمَساميرِ الصُّلبانِ / وأجنحةُ الفَراشاتِ عَالِقةٌ بالأسلاكِ الشَّائكةِ على أسوارِ المُعْتَقَلاتِ / انكَسَرَتْ أُنوثةُ أشجارِ المقابرِ بَيْنَ الطَّاغِيَةِ المُقَدَّسِ وَبَرِيقِ المُسَدَّسِ /

     أخَذَت الشَّركسيةُ قلبي/ وَدَخَلَتْ في ذَاكرةِ الشَّفَقِ / وما زِلْتُ أنتظرُ عَوْدَتَهَا / كما تنتظرُ الأراملُ عَوْدَةَ أبنائِهِنَّ القَتْلى مِنَ الحَرْبِ / لَيْتَنِي سَألْتُكِ يَا سَجَّانتي قَبْلَ أن تَمُوتِي/ هَل تُحِبِّينَنِي ؟ /

     بَعْدَ الشَّركسياتِ/ صِرْتُ سَرَابًا يُظِّلَلُ الحَطَبَ الأخْضَرَ / وأنتظرُ طُيُورَ البَحْرِ كَي تَدْفِنَنِي في ذَاكرةِ الشَّفَقِ / بَعْدَ الشَّركسياتِ / صِرْتُ جُثةً هامدةً أنتظرُ رَصاصةَ الرَّحمةِ / كَي أموتَ مَرَّتَيْن /

     إنَّ حَيَاتي مَوْتٌ / وَمَوْتي مَوْتٌ / فَاكْتَشِفْ أُنوثةَ القصيدةِ في أبجديةِ المَوْتِ / وَعِشْ حَيَاتَكَ وَمَوْتَكَ في قَلْبِ امرأةٍ لِتَظَلَّ طَيْفًا في المساءِ الوَرْدِيِّ / عِندَما تَسْقُطُ الحضارةُ كَمَلاقِطِ الغسيلِ / وَتَنْكَسِرُ الدُّوَلُ كَقِطَعِ الشُّوكولاتةِ /

     كُوني عَشيقةَ السَّرابِ أيَّتُها الصَّحراءُ / لا تاريخَ لِشُطآنِ الاحتضارِ سِوى الرِّمالِ / والأيتامُ يَبْنُونَ القُصورَ الرَّمليةَ على جُثَثِ أُمَّهَاتِهِم/والسَّلاحفُ تَضَعُ بُيُوضَهَا في حَناجرِ النِّساءِ البَاكِيَاتِ / وَالمَوْجُ قَادِمٌ كَي يَهْدِمَ القُصورَ الرَّمليةَ وَذَاكرةَ الرَّحيلِ /

     خُدودُ النِّساءِ مِنَ الأسْمَنْتِ المُسَلَّحِ / لَكِنَّ قَلبي أعْزَلُ في مُوَاجَهَةِ أحلامِ الطفولةِ والرُّومانسيةِ الضَّائعةِ / والأمواتُ الذينَ رَحَلُوا لَمْ يَرْحَلُوا مِن قَلبي / أنا حَفَّارُ القُبورِ في المقابرِ الكريستاليةِ / أُعْلِنُ انتصاري عَلى رُفَاتِ الأشجارِ المُضيئةِ / أنا حَارِسُ المُسْتَنْقَعَاتِ في لَيالي الصَّيْفِ المُقْمِرَةِ / أُعْلِنُ انتصاري عَلى طَحَالِبِ القُلوبِ المكسورةِ /

     أيُّها الشَّاطِئُ الفَيْرُوزِيُّ / ابْحَثْ عَن البَحْرِ الضَّائعِ بَيْنَ الفَنادقِ والخنادقِ / سَأبحثُ عَن وَطني الضَّائعِ بَيْنَ دُستورِ مُلوكِ الطوائفِ ودِيمُقراطيةِ أُمَرَاءِ الحُروبِ / إنَّ جُرْحي كَالمَوْجِ / لِهُ حِصَّةٌ في جَسَدِ البَحْرِ / وأنا السَّرابُ أَخُونُ الصَّحراءَ مَعَ الرِّمالِ / وَلِي حِصَّةٌ في ذِكرياتِ القَتلى / وَأملاحُ دَمْعي لَوْحَةٌ مَنْسِيَّةٌ في مُتْحَفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ/ افْرَحْ يا سَجَّاني/ إنَّ البَدْوَ الرُّحَّلَ يُحَرِّرُونَ فِلِسْطِين / افْرَحِي يا قَاتِلَتي / إنَّ رُعْيَانَ الغَنَمِ يُحَرِّرُونَ الأندَلُسَ .

27‏/02‏/2024

الإعدام رميًا بالذكريات

 

الإعدام رميًا بالذكريات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     بَعْدَ الشَّركسياتِ / نَكَّسَت الذِّكرياتُ رَايةَ قَلْبي إلى الأبَدِ / نَامَ البَحْرُ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ /  وأنا آخِرُ طُيورِ البَحْرِ / أحْتَرِقُ في قُلوبِ الشَّركسياتِ / كَي أُضِيءَ الطريقَ أمَامَ مِلْحِ الدُّموعِ /

     خُدُودُ الشَّركسياتِ في الغُروبِ / هِيَ شُرُوقٌ جَدِيدٌ لِقَلْبي المكسورِ / وَرَحَلَتْ طُيورُ البَحْرِ إلى رِئتي كَي تَحْتَرِقَ في شَهيقي / دَفَنْتُ قَلبي في قَلْبِكِ / فاختاري قَبْرًا لَكِ في رِئَتي/ يُشْبِهُ لَوْنُهُ أحلامَ الطفولةِ وأوراقَ الخريفِ/إنَّ أُمِّي تُطَهِّرُ حَبْلَ مِشْنَقتي بِمِلْحِ دُمُوعِها/وأنا الطريدُ في أشلائي المُضيئةِ/ أركُضُ في أدغالِ دَمِي تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ القَاتِلَةِ / كَي أَكْتَشِفَ الحُزْنَ في عُيُونِ الشركسياتِ /

     سَتَبْقَى ضَفائرُ النِّساءِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ في المساءِ المُضَاءِ بالقنابلِ الفُسفوريةِ / سَيَعُودُ الغريبُ مِن الحربِ بلا ذاكرةٍ ولا ذكرياتٍ ولا أوسمةٍ/ وَيَنْمُو النَّعناعُ في فُوَّهَاتِ المَدَافِعِ/ وَتَزْحَفُ الطحالبُ على أجسادِ المُسَدَّسَاتِ المَطْلِيَّةِ بأحمرِ الشِّفاه / كَيْفَ أُصْبِحُ رُومَانسِيًّا وأطيافُ القَتيلاتِ تَتَوَهَّجُ في ثُقُوبِ جِلْدِي ؟ /

     عِندَما غَابَ ظِلُّ الشَّركسياتِ عَن أغصانِ رُوحِي / صِرْتُ أخافُ مِن ظِلِّي/ أخافُ مِنَ النَّاسِ / أخافُ أن أنظُرَ في المِرْآةِ لأنَّ طَيْفَ القَتْلَى يَنبعثُ مِن خُدُودي / وَعَلَيَّ وَحْدِي أن أَتْبَعَ ضَوْءَ الجِنَازةِ في أحلامِ الطفولةِ السَّحيقةِ / دَفَنَ السَّرابُ مَساميرَ نَعْشي في الرِّمالِ المَعْدِنِيَّةِ / فَهَل الأُنوثةُ في الجَسَدِ أَمِ الذِّكرياتِ ؟ / ذَهَبَ البَحْرُ إلى أُمَرَاءِ الحُروبِ / وَذَهَبَت الفَرَاشَاتُ إلى ضَفائرِ النِّساءِ القَتيلاتِ/ اصْعَدْ يا صَفِيرَ القِطاراتِ على خَشَبَةِ الإعدامِ / سَتَكُونُ حَيَاةُ المشنوقِ أطْوَلَ مِن حَبْلِ المِشنقةِ / حَطَّمَ المَسَاءُ أُنوثةَ السَّنابلِ بَيْنَ ثَلاجةِ المَوْتَى وثَلاجةِ المَطْبَخِ /

     استراحةُ المُحَارِبِ الذي يَشْعُرُ بالفَراغِ العَاطفيِّ بَيْنَ الغنائمِ والرَّهائنِ/ وَالفُقَرَاءُ يَبِيعُونَ كُرَيَاتِ دَمِهِم على إشاراتِ المُرورِ/ كَي يَشْتَرُوا مَلابِسَ العِيدِ لأبنائهم القَتلى / بَيْنَ أرشيفِ مُلوكِ الطوائفِ ودُستورِ أُمَرَاءِ الحُروبِ / وَرُعيانُ الغَنَمِ يُمَارِسُونَ الدِّيمُقْرَاطِيَّةَ البَدويةَ في السُّوقِ السَّوداءِ / بَيْنَ الرَّقيقِ الأبيضِ وَبَرَامِيلِ النِّفْطِ /

     حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ نَهْدَيْكِ أيَّتُها الفراشةُ العَمْيَاءُ / مَتى تَحْتَرِقِينَ بِضَوْءِ دِمَاءِ قَاتِلِكِ الذي يَعْشَقُكِ وَيَخُونُكِ؟/ مَساميرُ نَعْشي صَارَتْ طَوَابِعَ بَرِيدٍ تَذكاريةً / يا حَفَّارَ قَبْري في المساءِ العَمِيقِ/ عِشْ مَوْتَكَ في السَّرابِ / الرِّمالُ تَزْحَفُ في أوعيتي الدَّمويةِ / وَحَبْلُ مِشْنَقتي مِنَ اللازَوَرْدِ / وَنَصْلُ مِقْصَلتي مِنَ الكريستالِ / وأنا الغَرِيبُ بَيْنَ لَوْنِ الغُرُوبِ وَزُجَاجِ القِطَارَاتِ .

26‏/02‏/2024

عروش البعوض والملوك أبناء السبايا

 

عروش البعوض والملوك أبناء السبايا

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     بَقِيَ جُثماني في زُقَاقِ الفِئرانِ وَحِيدًا / لأنَّ حَفَّارَ القُبورِ أُحِيلَ عَلى التَّقَاعُدِ / والبَرِيقُ في عُيونِ الفَرَاشَاتِ هُوَ أرشيفٌ لِشَظايا قلبي المكسورِ/لَيْتَنِي أَجِدُ امرأةً تَقْتَلِعُ حُبَّ الغَزَالَةِ الغَامِضَةِ مِن قَلْبي/ لِتُرِيحَني مِنَ العَذَابِ في لَيْلِ الشِّتاءِ / وَتَحْرُسَ جِلْدِي مِن مِلْحِ دُمُوعي الحَارِقِ /

     السَّلامُ عَلَيْكِ أيَّتُها اللبُؤَةُ أيْنَمَا كُنتِ / في أضرحةِ النَّعناعِ أوْ في الغُيومِ الحمراءِ / في نَهْرِ الرُّفَاتِ أَوْ في بُحَيْرَةِ المساءِ / لَن أَهْرُبَ مِن ذِكْرَياتي / أنا الرُّبَّانُ الذي سَيَغْرَقُ مَعَ السَّفينةِ التي أَحَبَّهَا / لَن أَهْرُبَ مِنَ المعركةِ/ إنَّ المُلوكَ المهزومِينَ يَقِيسُونَ نُهُودَ السَّبايا بالأوسمةِ العَسكريةِ /

     الخَنْجَرُ المَسمومُ بَيْنَ نَهْدَيْكِ أيَّتُها الذُّبَابَةُ العَمْياءُ / وَسَرَطَانُ الثَّدْيِ يَأكُلُ صَدْرَكِ / كَيْفَ تَهْرُبِينَ مِن رَصاصةِ القَنَّاصِ الذي يَعْشَقُكِ ويَقْتُلُكِ ؟ / نامَ المُهَرِّجُ في الشَّارعِ بَعْدَ إغلاقِ السِّيركِ بالشَّمْعِ الأحمرِ / وَذَهَبَت الرَّاهباتُ الغامضاتُ إلى ضَوْءِ الاحتضارِ / وَبَقِيَتْ حُبُوبُ مَنْعِ الحَمْلِ في مَزْهَرِيَّاتِ غُرفةِ الاعترافِ /

     الدُّوَيْلاتُ البَدويةُ اللقيطةُ / وَجَيْشُ البَدْوِ الرُّحَّلِ يَسْتَعِدُّ لِتَحريرِ فِلِسْطِين / وَدَمُ الحَيْضِ للجَوَاري يَطْفُو عَلى سَطْحِ النِّفْطِ في تَوَابِيتِ الضَّحايا / مَا فَائدةُ إنجابِ الأبناءِ إذا كَانَ مَصِيرُهُم القَتْلَ ؟ / مَا فَائدةُ شَواهدِ القُبورِ المُزَخْرَفَةِ إذا كانت الجُثَثُ في الشَّوارعِ ؟/ مَا فَائدةُ الوَحْدَةِ الوَطنيةِ إذا كانَ الضَّحايا في المَقابرِ الجَمَاعِيَّةِ ؟/مَا فَائدةُ الصَّابونِ إذا كان السُّجَنَاءُ يَغْسِلُونَ بَلاطَ الزَّنازينِ بِدِمَائِهِم ؟/ مَا فَائدةُ الحُبِّ الأوَّلِ إذا كَانتْ ذِكْرَيَاتُنا تُولَدُ في التَّطهيرِ العِرْقِيِّ ؟ /

     أيَّتُها العُصْفُورَةُ التي يَتساقطُ كُحْلُهَا كأوراقِ الخريفِ على أعصابِ الرِّياحِ في المساءِ الحزينِ / عَلِّمِيني الرِّياضياتِ كَي أُفَرِّقَ بَيْنَ رَقْمِ جُثماني وَرَقْمِ زِنزانتي / قَلبي يُطِلُّ عَلى ضَفائرِ البُحَيْرَةِ الشَّمْعِيَّةِ / وَزِنزانتي تُطِلُّ عَلى البَحْرِ / وطَيْفُ الظِّبَاءِ في مَحطةِ القِطَاراتِ يَخْلَعُ جِلْدي / ويُضِيءُ مِلْحَ دُمُوعي عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ /

     النِّسَاءُ المُتَعَطِّرَاتُ بالْمُبيداتِ الحَشَرِيَّةِ يَمْشِينَ في الجِنازةِ العَسكريةِ/ وأنا المنبوذُ في شَراييني/ تَفَرَّقَ دَمِي بَيْنَ القَبَائِلِ المَهزومةِ / وَأَصْنَعُ مِنَ الأسنانِ الذهبيةِ للجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ أوسمةً عَسكريةً / للجُنودِ الهاربينَ مِن ذَاكِرَةِ المَعركةِ إلى مَعركةِ الذاكرةِ /

     خَلَقَنِي اللَّهُ وَحِيدًا/ وَعِشْتُ وَحِيدًا / وَسَأعُودُ إلَيْهِ وَحِيدًا / سَيَظَلُّ مِلْحُ دُمُوعي عَلى الوِسَادَةِ / سَتَظَلُّ أحْزَانُ الطُّفولةِ على فِرَاشِ المَوْتِ / سَتَظَلُّ ثِيَابُ القَتِيلِ المَنْسِيِّ في الخِزَانَةِ القَدِيمَةِ .

25‏/02‏/2024

الحب في مدن السراب

 

الحب في مدن السراب

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............................

     فُرُوجُ الإمَاءِ هِيَ آبارُ نِفْطٍ في حَضارةِ البَدْوِ الرُّحَّلِ / لَكِنَّ الرِّمَالَ الدَّمَوِيَّةَ تُغَطِّي جَثامينَ الأغرابِ / والنِّساءُ مَصْلُوباتٌ عَلى أعمدةِ الكَهْرَباءِ في مُدُنِ السَّرَابِ / وكُلَّمَا هَرَبَ الجُنودُ مِن المعركةِ مَنَحَهُمُ العَطَشُ الأوسمةَ العسكريةَ /

     تَرْمِي العَرائسُ نُهُودَهُنَّ طُعْمًا لاصطيادِ الرِّجالِ القَتْلى/ وجُثَثُ الضَّحايا سَاخنةٌ كالبيتزا في المطاعمِ الفارغةِ / التي تَرَكَهَا العُشَّاقُ / وَرَكَضُوا وَراءَ ضَوْءِ المَوْتِ / مِلْحُ دُموعي هُوَ الحَاجِزُ العَسكريُّ بَيْنَ حَبْلِ الغسيلِ وَثِيَابِ الحِدَادِ / يا أيُّها الطائرُ المذبوحُ بَيْنَ صَفيرِ القِطَاراتِ وَصَفَّاراتِ الإنذارِ / مَتى تَعُودُ إلى البَحْرِ ؟ / كُلُّ القَتْلَى يَمْشُونَ إلى نوافذِ الخريفِ / كُلُّ السَّنابلِ المُحترقةِ تَمْشِي إلى البَحْرِ في لَيْلِ الانقلاباتِ العَسكريةِ / وَكُحْلُ النِّساءِ يَتساقطُ على أبراجِ المُرَاقَبَةِ في المُعْتَقَلاتِ /

     قُتِلَ النَّهْرُ في ظُروفٍ غامضةٍ / والذِّكرياتُ تَطْعَنُ الفَراشةَ في الظَّهْرِ / والبَعُوضةُ تَنتظرُ نُمُوَّ ثَدْيَيْها / كَي تُتاجرَ بِهما في مَمالكِ المَلاريا / والمِقْصَلةُ هِيَ الأُنثى الوَحيدةُ التي تَتَزَيَّنُ لِي في لَيْلِ الشِّتاءِ الطويلِ / وَشَظَايا رِئتي هِيَ أعشاشُ الطيورِ الجارحةِ في مَساءِ الأحزانِ الجارحِ /

     بَرِيقُ أظافري يُنَظِّفُ الأوسمةَ العسكريةَ مِنَ الصَّدَأ/ بَيْنَ حُروبِ الوَهْمِ وَمُدُنِ الخِيانةِ / وأسعارُ الجَوَاري حَسَبَ سِعْرِ بِرميلِ النِّفْطِ / لَمْ يَعُدْ هُنَاكَ أكفان / وَضَعْنَا جَثامينَ الشُّهداءِ في أكياسِ الخُضَارِ البلاستيكيةِ / والعناكبُ تَبْني بُيُوتَها في فُرُوجِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / والطحالبُ تُزَيِّنُ خُدُودَ الرَّاهباتِ في غُرفةِ الاعترافِ الزُّجاجيةِ/ والزَّوابعُ تَحْفَظُ جَدْوَلَ الضَّرْبِ كَي تَحْسُبَ أعدادَ الضَّحايا في المُدُنِ المَذعُورَةِ / نَحْنُ الأبناءُ القَتلى/ نَعيشُ مَوْتَنَا كَي نُصَحِّحَ أخطاءَ آبائِنا القاتلةَ / والبَعُوضُ في مَمالكِ المَلاريا يَدْرُسُ الرِّياضياتِ / كَي يَبْنِيَ نَشِيدَ السَّرابِ حَجَرًا حَجَرًا / بَيْنَ أرقامِ الضَّحايا الرُّومانسِيِّينَ وأرقامِ الزَّنازينِ الانفراديةِ / كَيْفَ أهْرُبُ مِن جِلْدي ؟ / وُلِدْتُ في هَذِهِ المَقبرةِ / وَمُتُّ في هَذِهِ المَقبرةِ/ لا مُسْتَقْبَلَ للغريبِ سِوى الذِّكرياتِ / ولا مُسْتَقْبَلَ للطحالبِ سِوى المُسْتَنْقَعَاتِ /

     حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أيَّتُها الذُّبابةُ/ كَيْفَ تَهْرُبِينَ مِن أوسمةِ الجنودِ المهزومين ؟ / كَيْفَ تُهَرِّبِينَ أثاثَ البَيْتِ المهجورِ في تَوابيتِ البَحَّارَةِ الغَرْقَى؟/ وَيَظَلُّ مِلْحُ الدُّموعِ عَلى مَساميرِ النُّعوشِ/ 

     يا مَوْجَ البَحْرِ / عِش احتضارَكَ في السَّرابِ / كَي تَرَى الرِّمالَ الزَّرْقَاءَ في شَرايينِ الفُقَراءِ / وَتَرَى الصَّحراءَ في قَلْبي / قَلْبي الذي دَفَنْتُ فِيهِ أُمِّي / وَتَظَلُّ الصَّحراءُ شَاهِدَةً عَلى اغتيالي .

24‏/02‏/2024

حطام القلوب وحطام السفن

 

حطام القلوب وحطام السفن

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     أُمِّي تُنَظِّفُ صَدَأَ مَسَامِيرَ نَعْشِي بِمِلْحِ دُمُوعِهَا في لَيَالي الخريفِ / وَرُعْيَانُ الغَنَمِ يَدْرُسُونَ الدِّيمُقْرَاطِيَّةَ البَدَوِيَّةَ في مَحكمةِ أَمْنِ الدَّولةِ / بَعْدَ ضَياعِ الدَّولةِ وانقراضِ القَبائلِ / كُلُّ الأعلامِ مُنَكَّسَةٌ / فَتَعَالَي يَا أُمِّي كَي نَبْحَثَ عَن رَقْمِ جُثةِ أبي بَيْنَ الأرقامِ /

     تَقَاعَدَ حَفَّارُ القُبورِ في بَرَاري الأُغْنِيَاتِ وَالحِكَايَاتِ / فَتَعَالَوْا نُهَنِّئ القَتْلَى والقَتِيلاتِ / أكَلَت القِطَطُ الضَّالَّةُ جُثماني في طَريقِ السَّرابِ / لأنَّ الحُزْنَ نَسِيَ أن يَدْفِنَنِي في خُدودِ أُمِّي / تَتَسَاقَطُ أشِعَّةُ القَمَرِ عَلى خُدودِ الشَّركسياتِ / كَمَا يَتَسَاقَطُ وَمِيضُ البَرْقِ عَلى رُخَامِ ضَرِيحي /

     أُغْلِقَ السِّيركُ بالشَّمْعِ الأحمرِ / وَمَشَى المُهَرِّجُ تَحْتَ المطَرِ حَزِينًا / سَيَبْكِي المُهَرِّجُ أمامَ مِرْآتِهِ في لَيْلِ العَوَاصِفِ وَحِيدًا / ذَاهِبٌ أنا لِتَبْلِيطِ البَحْرِ / كَي أَدْفِنَ قَلْبي فِيهِ / وأزرعَ النَّعناعَ في شَوَاهِدِ القُبورِ / والسَّرابُ التقمَ ثَدْيَ الصَّحراءِ / وَمَاتا مَعًا في تاريخِ الشُّموسِ المكسورةِ /

     ماتت السَّنابلُ في رِئَتي / فلماذا يَحْرُثُ المَطَرُ جَسَدي كَحُقُولِ الرَّصَاصِ الحَيِّ ؟ / أعلامُ القَبائلِ مُنَكَّسَةٌ بَيْنَ رَغْوَةِ دَمِ الحَيْضِ وقَهْوَةِ العُشَّاقِ الباردةِ / السَّبايا مَصْلُوباتٌ على أجسادِ المُلوكِ/ والرِّياحُ تُوَزِّعُ الأوسمةَ العَسكريةَ على الجنودِ الهاربينَ مِنَ المعاركِ / كَمَا تُوَزِّعُ الزَّوجاتُ الخائناتُ البطاطا في مَطاعمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ / وماتت الذِّئبةُ المَجروحةُ عاطفيًّا / وَبَقِيَ جُثْمَانُهَا في ثَلَّاجَةِ المَطْبَخِ / وأشلاءُ اليَتَامَى تتساقطُ في صُحونِ المطبخِ كالمطرِ الحامضِ /

     كالطِّفْلِ الذي عَرَفَ أنَّ أُمَّهُ تَخُونُ أبَاهُ / كانَ تاريخُ البَحَّارةِ الغَرْقى / بَيْنَ فِئرانِ السَّفينةِ وَفِئرانِ التَّجَارُبِ / أنا الفأرُ الذي رَفَضَ الهُروبَ مِنَ السَّفينةِ الغارقةِ / نَحْنُ اليتامى في طُرُقَاتِ النِّسيانِ / قَضَيْنا حَيَاتَنَا في تصحيحِ أخطاءِ آبائِنا / كُلَّمَا نَظَرْتُ في مَرايا الخريفِ رَأيْتُ جَسَدي عَلى فِرَاشِ المَوْتِ في المساءِ البَعيدِ / أيُّهَا الأمْوَاتُ في مَملكةِ الوَهْمِ / لا تَلْعَبُوا بأعصابِ حَفَّارِ القُبورِ/

     امرأةٌ تَرْمِي صَدْرَهَا كَقِطْعَةِ الجُبْنِ لإيقاعِ الفأرِ في المِصْيَدةِ / وأنا الرُّبَّانُ التائهُ بَيْنَ حُطَامِ قلبي وَحُطَامِ سَفينتي/ تَسْتَحِمُّ المَلِكَاتُ بالمُبِيداتِ الحَشَريةِ / وَتَسْتَحِمُّ جَوَاري القَصْرِ المَهْدُومِ بالسَّائلِ المَنَوِيِّ / وَجَاءَ مَوْعِدُ الحَصَادِ أيَّتُهَا السَّنابلُ الضَّوئيةُ / وأنا الضَّائعُ في أوعيتي الدَّمويةِ / أبكي عَلى مَقْتَلِ البُحَيرةِ في المساءِ الغامضِ/ والبَحْرُ يَرْثِي البُحَيرةَ وَيَرِثُهَا/وَجَسَدُ البُحَيرةِ كالغِربالِ مِن أثَرِ الرَّصاصِ/كُلُّنا سَبَايا/ لَكِنَّ سُوقَ النِّخَاسَةِ مُغلَقٌ بالشَّمْعِ الأحمرِ / والعاشِقُونَ يَأكلونَ جُثَثَ الضَّحايا عَلى العَشَاءِ بِلا ضَوْءٍ ولا شُمُوعٍ / مَاذَا اسْتَفَادَتْ فِئْرَانُ التَّجَارُبِ مِن دُسْتُورِ الدَّوْلَةِ القَذِرَةِ ؟ .

23‏/02‏/2024

الحنين إلى القتلى في المدن الميتة

 

الحنين إلى القتلى في المدن الميتة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

....................

     يَا قَاتِلَتِي المُتَوَحِّشَةَ في عِظَامِي المُفَتَّتَةِ / المُوحِشَةَ في أشلائي الوَهَّاجَةِ / كُوني رَحيمةً / وَأطْلِقِي رَصاصةَ الرَّحمةِ عَلى الذِّكرياتِ التي لا تَرْحَمُ/ وَكُونِي كَالمِلْحِ سَاكِنَةً في دَمْعِي وَبَحْرِي وَخُبْزِي/ سَيَعُودُ الطِّفْلُ الغريبُ إلى حِضْنِ أُمِّهِ / وَتَعُودُ الجَارِيَةُ إلى سَرِيرِ سَيِّدِهَا /

     سَامِحْني يا سَجَّاني / مُتُّ عَارِيًا / لأنَّ الجَرَادَ أكَلَ قُماشَ أكفاني / سَامِحِيني يا زِنزَانتي /  بَقِيَتْ جُثتي في الشَّارعِ / لأنَّ حَفَّارَ القُبورِ ذَهَبَ لاستلامِ رَاتِبِهِ الشَّهْرِيِّ / ذَهَبَت الرَّاهباتُ إلى الانتحارِ / وَبَقِيَتْ حُبُوبُ مَنْعِ الحَمْلِ في مَزْهَرِيَّاتِ غُرفةِ الاعترافِ / وَالحَمَامُ الزَّاجِلُ نَسِيَ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ بَيْنَ بَلاطِ المَطْبَخِ وَبَوَّابَةِ المَسْلَخِ/

     أنا النَّخَّاسُ العَاطِلُ عَنِ العَمَلِ / لأنَّ سُوقَ النِّخَاسَةِ مُغلَقٌ بالشَّمْعِ الأحمرِ / والأيتامُ يَدْرُسُونَ تاريخَ العَبِيدِ والسَّبايا / مِن رَعْيِ الغَنَمِ حَتَّى بَيْعِ فِلِسْطِين / والنَّوَارِسُ تُبَلِّطُ البَحْرَ بأوسمةِ الجُنودِ المَهزومين / فَادْعَم المَلاهِي الليلِيَّةَ لِحِمَايَةِ الوَحْدَةِ الوَطنيةِ /

     أيُّهَا الأمواتُ / لا تَجْرَحُوا مَشَاعِرَ حَفَّارِ القُبورِ/ كُلُّنَا رَاحِلُون/ انتهَتْ ذِكْرَيَاتُ المساءِ البَعِيدِ / وانكَسَرَتْ أحلامُ الطفولةِ بَيْنَ سَنابلِ المَوْتِ وَزَنابقِ الاحتضارِ / وَالبَحَّارَةُ يُوَدِّعُونَ الرُّبَّانَ قَبْلَ غَرَقِ السَّفينةِ / وَفِئرانُ السَّفينةِ سَتَأكُلُ جُثمانَ الرُّبَّانِ تَحْتَ ظِلالِ الشَّفَقِ / وَالخَنْجَرُ المَسمومُ بَيْنَ الرِّئَتَيْن / والبَدْوُ الرُّحَّلُ يُنَقِّبُونَ عَن النِّفْطِ في فُرُوجِ نِسَاءِ القَبَائِلِ /

     لا تَخُنْ أشلائي أيُّهَا المَوْجُ الوَرْدِيُّ / نَحْنُ صَدِيقَانِ مُنذُ وِلادةِ السَّرابِ في الصَّحراءِ / افْتَرَقْنَا في طُرُقَاتِ البَحْرِ الحزينةِ / وَالْتَقَيْنَا عَلى خَشَبَةِ الإعدامِ / هَاجَرَت العَصافيرُ مِن نَهْرِ الرُّفاتِ إلى شَظايا رِئتي / كَي تُحْرِقَ أجْنِحَتَهَا بَيْنَ شَهيقي وَزَفيري / وَتَمُوتَ في قلبي المكسورِ وَحِيدَةً /

     في مَملكةِ الطاعونِ/تأكلُ العَناكبُ الذهبيةُ أوعيتي الدمويةَ/أُصِيبَ المايسترو بالشَّلَلِ/ وَسَقَطَتْ عَصَاهُ عَلى خَشَبَةِ المَسْرَحِ أوْ خَشَبَةِ الإعدامِ/أنا مُؤرِّخُ الحُبِّ الضَّائعِ/عِشْتُ مَمَاتي في حَيَاتي/ وَدَفَنْتُ جُثمانَ أبي في الغُيومِ الحمراءِ / وَعُدْتُ إلى مَوْتي كَي أبْحَثَ عَن أحلامِ الطفولةِ البَعيدةِ /

     كِعُلَبِ السَّرْدِينِ تُبَاعُ العَوَانِسُ في مَسْرَحِ العَرَائِسِ/ مَاتَ الرَّاعِي مَسْمُومًا / وَالعَاصِفَةُ القِرْمِزِيَّةُ كَسَرَتْ مِزْمَارَهُ الحَجَرِيَّ / وَالقَطِيعُ يَسِيرُ إلى حَافَةِ الجَبَلِ/ فاترُكْني يا بَرِيقَ المَطَرِ/ أَطْلِقْ سَرَاحي يَا مَسَاءَ الأحزانِ/ كَي أركُضَ وَراءَ وَمِيضِ البَرْقِ البَعِيدِ في نَزِيفِ المَاضِي / الذي يَتَشَظَّى بَيْنَ ضَوْءِ الجِنَازَةِ العَسكريةِ ورَاياتِ القَبائلِ المَكسورةِ .

22‏/02‏/2024

النشيد الوطني لبساطير العسكر

 

النشيد الوطني لبساطير العسكر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     ذَهَبَت النِّساءُ إلى الاغتصابِ في مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ/ وَبَقِيَتْ جُثَثُ الأطفالِ عَلى أراجيحِ حَديقةِ المَوْتِ / تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ الحَجَرِيَّةِ/ وابْنَةُ حَفَّارِ القُبورِ نَسِيَتْ مَلاقِطَ الحواجِبِ تَحْتَ أشجار المقبرةِ / فَيَا أيُّها الغريبُ/ الْتَقِطْ لِي صُورةً تَذكاريةً بِجَانِبِ جُثتي الأثريةِ في مَتاحفِ الوَهْمِ/

     أشِعَّةُ القَمَرِ تَحْرُثُ جِلْدِي / كَمَا تَحْرُثُ تَوابيتُ العُشَّاقِ قَاعَ المُسْتَنْقَعِ/ يَنتهي تَاريخُ الجَرَادِ في مُدُنِ السَّرابِ / وَحَقائبُ المَلِكَاتِ مَصنوعةٌ مِن جُلودِ العَبيدِ/ وَحِبَالُ المشانقِ مَجْدُولةٌ مِن شَعْرِ السَّبايا / فَابْحَثْ أيُّهَا المَوْجُ القِرْمِزِيُّ عَن فَرَاشَةٍ تَبْكي عَلَيْكَ بَعْدَ مَوْتِكَ / وَتَنْشُرُ ثِيَابَ الحِدَادِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / الذي يَفْصِلُ بَيْنَ أشلاءِ الأيتامِ وَفُوَّهَاتِ المَدَافِعِ / قَصَفَت الطائراتُ حَبْلَ الغسيلِ / واختفى عِطْرُ الزَّوابعِ مِن مَناديلِ الوَدَاعِ / وَسَقَطَ كُحْلُ الغَزَالاتِ في المُسْتَنْقَعَاتِ /

     شَظَايا جَماجمِ العُشَّاقِ تَغرَقُ في الشَّايِ الأخضرِ المَتْرُوكِ للحَشَرَاتِ والذِّكرياتِ / وَالرِّيحُ تُلْقِي رُفَاتَ الجُنودِ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ/ والأوسمةُ العَسكريةُ في حَاوياتِ القُمامةِ / والصَّدَأُ أكَلَ مَساميرَ نَعْشي وأوسمتي العسكريةَ / التي مَنَحَنِي إيَّاها البَعُوضُ / بَعْدَ هُرُوبي مِن مَعركةِ العِشْقِ/

     أُجَدِّدُ شَبابي في المَقَابرِ الجَمَاعِيَّةِ / وأعِيشُ مُرَاهَقَتِي المُتَأخِّرَةَ في الزَّنازينِ الانفرادِيَّةِ / لا نِسَاءٌ يَتَشَمَّسْنَ في ثُقُوبِ جِلْدي / ولا نافذةٌ لِزِنزانتي تُطِلُّ عَلى البَحْرِ / أُطَارِدُ أحلامَ الطفولةِ الضَّائعةَ بَيْنَ الأكفانِ المُضيئةِ وَطُيورِ البَحْرِ البَاكِيَةِ/والقَنَّاصُ الأعمى يَقِفُ بَيْنَ بُرْجِ الكَنيسةِ وَبُرْجِ الحَمَامِ/ وَيُطْلِقُ الرَّصَاصَ عَلى نُهُودِ النِّسَاءِ وَقِطَطِ الشَّوارعِ / أضاعَ الحَمَامُ الزَّاجِلُ رَسَائِلَ العُشَّاقِ بَيْنَ طَعْمِ التُّفَّاحِ وَرَائِحَةِ الرِّمَاحِ / وانكَسَرَتْ أُنوثةُ السَّنابلِ في طَيْفِ الغُروبِ / نَحْنُ خَاسِرُونَ في المَعاركِ/ لَكِنَّنَا نَبْني أقواسَ النَّصْرِ عَلى أجسادِ الفُقَرَاءِ/ والأراملُ يَنْثُرْنَ أكاليلَ الغَارِ عَلى جَثامينِ الجُنودِ/ الذينَ هَرَبُوا مِنَ المَعاركِ / كَي يُجَامِعُوا زَوْجَاتِهِم عَلى خَشَبَةِ المَسْرَحِ /

     عِندَما تُصَابُ أشجارُ المقابرِ بِسَرَطَانِ الثَّدْيِ/تَرْكُضُ ابنةُ حَفَّارِ القُبورِ إلى ضَرِيحِهَا في الغُروبِ/ وَتَسْبَحُ خُدُودُ النَّوَارِسِ في الغُيومِ الحمراءِ / سَتَنْتَهِي الحَرْبُ يا حَفَّارَ قَبْري / لكنَّ الجنودَ القَتلى لَن يَعُودُوا إلى أُمَّهَاتِهِم/ وَلَن تَعُودَ الأراملُ الشَّابَّاتُ إلى ذِكْرَيَاتِهِم/ سَتَنْمُو الجَوَّافَةُ في فُوَّهَاتِ المَدَافِعِ/ وَتَتساقطُ أوراقُ الخريفِ عَلى المُسَدَّسَاتِ المَطْلِيَّةِ بأحْزَانِ الطُّفولةِ / اكتشفَ البَدْوُ الرُّحَّلُ آبارَ النِّفْطِ بَيْنَ أفخاذِ النِّسَاءِ / وَدَمُ الحَيْضِ للرَّاهباتِ عَلى الثلجِ الأزرقِ الذي يُغَطِّي أجراسَ الكَنائسِ / والصَّليبُ بَيْنَ نَهْدَي الذِّئبةِ هُوَ أرشيفُ الاحتضاراتِ في المَسَاءِ الزَّهْرِيِّ .

21‏/02‏/2024

ملح البحر وملح الدموع

 

ملح البحر وملح الدموع

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     عِندَما غَابتْ وُجُوهُ الشَّركسياتِ في الغَيْمِ الوَرْدِيِّ / عِندَ غُرُوبِ الشَّمْسِ في البَحْرِ البَعِيدِ / غَابَ القَمَرُ في قَلْبي المكسورِ / وانطفأتُ مِثْلَ الشُّموعِ في شَهَادَةِ وَفَاتي / أنا السَّجينُ في زِنزانةِ الذِّكرياتِ المفتوحةِ أمامَ البَحْرِ/ المُغلَقَةِ أمامَ قَلْبي/وَعِندَما أنطِقُ اسْمَكِ يا سَجَّانتي/ تَنتشِرُ رَائحةُ اليَاسَمِينِ في ثِيَابي / وَأُوَقِّعُ عَلى حُكْمِ إعدامي / لا حِبْرٌ للوَصِيَّةِ / ولا قِنَاعٌ للضَّحِيَّةِ /

     مِلْحُ دُمُوعي هُوَ حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ صَوْتِ المَطَرِ الأُرْجُوَانِيِّ والجُثَثِ المتروكةِ في الشَّوارعِ / بَكَيْتُ على صَدْرِ الرِّياحِ تَحْتَ المَطَرِ/ قلبي لا يَزَالُ مُعَلَّقًا بأغصانِ الذِّكرياتِ/ والمُقَاتِلُونَ المُرْتَزِقَةُ قَتَلَهُمُ النِّسْيَانُ / ولا يَزَالُونَ في ثَلَّاجَاتِ المَوْتَى / وأعلامُ القَبائلِ المُنَكَّسَةُ بَيْنَ أفْخَاذِ النِّسَاءِ /

     عِشْتُ كَي أرى الحَضَارةَ تَنْكَسِرُ في خِيَامِ اللاجئين/ كَمَا تَنْكَسِرُ قِطَّعَةُ السُّكَّرِ في قَهْوَةِ العُشَّاقِ الباردةِ / التي تَرَكُوها على طَاولاتِ المَطاعمِ المُوحِشَةِ / وَذَهَبُوا إلى بَرِيقِ الاحتضارِ في غَاباتِ الخريفِ/ وَقْعُ أقدامِ النَّخَّاسِينَ عَلى نُهُودِ السَّبايا المقطوعةِ / كالحِبْرِ في دُستورِ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / والجُثَثُ المُتَفَحِّمَةُ ذَاتُ الأسنانِ الذهبيةِ / هِيَ لَوْحَاتٌ في مَتَاحِفِ التَّطْهِيرِ العِرْقِيِّ /

     أيْنَ سَتُدْفَنُ أيُّها الغريبُ في لَيْلِ الرُّعُودِ ؟/ قَلْبُ أُمِّكَ صَارَ قَبْرًا لِطُيورِ البَحْرِ/ والزَّوابعُ لا تَزالُ تَبْحَثُ عَن جُثمانِ أبِيكَ / وأشجارُ المقبرةِ مَاتتْ بَعْدَ جُرعةٍ زَائدةٍ مِنَ الذِّكرياتِ /

     هَل يَقْدِرُ الصَّليبُ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أن يَحْرُسَكِ مِن سَرَطَانِ الثَّدْيِ ؟ / المساءُ غَامِضٌ كالجُثَثِ المجهولةِ / لا عَشَاءٌ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ القِرْمِزِيَّةِ / ولا شُمُوعٌ في غَابَةِ المَطَرِ الأُرْجُوَانِيِّ / ذَهَبَ العَاشِقُونَ إلى شُمُوعِ المَوْتِ / وَبَقِيَ مِلْحُ الدُّموعِ عَلى نَصْلِ المِقْصَلةِ / يَشْعُرُ النَّهْرُ الباكي بالفراغِ العاطفيِّ في طَرِيقِهِ إلى أضرحةِ الغُروبِ / وَتَرْكُضُ بَسَاتِينُ الكَرَزِ في هَيْكَلِي العَظْمِيِّ / والأرملةُ الشَّابَّةُ نَسِيَتْ مَلاقِطَ الغسيلِ عَلى سُورِ المقبرةِ / وَذَهَبَتْ إلى احتضاراتِ الشَّفَقِ /

     أنا نَوْرَسٌ غَامِضٌ / لَكِنَّ البَحْرَ يَطْعَنُنِي في الظَّهْرِ / أنا الطائرُ الذبيحُ أُضِيءُ الليلَ بأحزاني / لَكِنِّي مَصْلُوبٌ عَلى أعمدةِ الكَهْرَباءِ / أنا غُربةُ الفِضَّةِ في مُدُنِ الخِيانةِ الذهبيةِ / قَضَيْتُ حَيَاتي بَاحِثًا عَن جُثماني/ لَكِنِّي وَجَدْتُ جُثمانَ أبي عِندَ الحاجِزِ العَسكريِّ/الذي يَفْصِلُ بَيْنَ رَمْلِ الشَّاطِئِ ونَبَضَاتِ قَلْبي / والأطفالُ يَقْضُونَ العُطلةَ الصَّيفيةَ في انتشالِ جُثَثِ أُمَّهَاتِهِم مِن تَحْتِ الأنقاضِ /

     ثِقْ بالسَّرابِ يا دَمِي المُعَلَّبَ كالسَّرْدِين / إنَّ الصَّحراءَ أُمُّنَا التي لا تَخُونُ / وَنَحْنُ نَخُونُ أشلاءَنا مَعَ رِمَالِ الكَهْرَمَانِ / ولا تَكْرَه البَحْرَ إذا أغْرَقَ أشلاءَنا / وُلِدْنا غَرْقى / وَنَمُوتُ غَرْقى .

20‏/02‏/2024

الموت الغامض لعازفة البيانو

 

الموت الغامض لعازفة البيانو

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     مَاتَتْ عَازِفَةُ البيانو تَحْتَ المَطَرِ في لَيْلَةٍ غَامِضَةٍ / قَتَلَهَا الوَهْمُ وَمَشَى في جِنَازَتِهَا / وَمِيضُ البَرْقِ يُطَهِّرُ أخشابَ تابُوتي مِنَ البَقِّ / والأوسمةُ العَسكريةُ مَصْبُوغةٌ بِحَليبِ بَنَاتِ آوَى/ أَحِنُّ إلى تِلْكَ الفَرَاشَةِ الغامضةِ التي تَزُورُني في قَلْبِ الليلِ / كَي تَغْتَالَ ذِكْرَياتي كالذُّبابِ / وَتُحَطِّمَ أحلامَ طُفولتي كَمَزْهَرِيَّاتِ بَيْتِنَا المهجورِ/ وَالأُغْنِيَاتُ الجميلةُ مَلِيئَةٌ بِمِلْحِ الدُّمُوعِ / مَا فَائِدَةُ أن تَدْهَنَ العَرُوسُ ثَدْيَيْهَا بالمُبِيداتِ الحَشَرِيَّةِ في مَدِينَةِ الاحْتِضَارِ ؟ / مَا فَائِدَةُ أن تَتَعَطَّرَ جُثَّةُ اللبُؤَةِ بِدَمْعِ الأسَدِ في غَابَةِ الاحْتِرَاقِ ؟/مَا فَائِدَةُ أن يَرُشَّ الرَّصَاصُ الحَيُّ السُّكَّرَ عَلى المَوْتِ في لَيْلِ الخَرِيفِ؟/

     نُسَجِّلُ وَصَايا التُّفاحِ عَلى عِظَامِ البَحَّارَةِ الغَرْقَى/وَحَارِسُ ثَلاجَةِ المَوْتَى يُمَارِسُ الجِنْسَ مَعَ جُثةِ القَتيلةِ الغامضةِ / وَطُيُورُ البَحْرِ تَبْحَثُ عَن مَعنى البَحْرِ في المُسْتَنْقَعَاتِ الجَافَّةِ/ التي تَحْرُثُهَا أشِعَّةُ القَمَرِ/ وتَزْرَعُهَا بالألغامِ الأرضيةِ / وَنَحْنُ البَدْوُ الرُّحَّلُ / بِعْنَا أعلامَ القَبائلِ مِن أجْلِ بَراميلِ النِّفْطِ/ وَبَحَثْنا عَن المَعْنَى في عَالَمٍ يَنْتَحِرُ / وذَهَبَت النِّساءُ إلى الاحتضارِ / وَبَقِيَتْ ثِيَابُ الحِدَادِ وَقُمْصَانُ النَّوْمِ عَلى حِبَالِ الغسيلِ / فَوْقَ سُطُوحِ الوَدَاعِ التي تَقْصِفُهَا الطائراتُ والذِّكرياتُ /

     في المساءِ السَّحِيقِ/ يَكُونُ لِجُثماني رَائِحَةُ البُرتقالِ / وَيَكُونُ لِجِلْدِي طَعْمُ الكَرَزِ / يَسِيلُ كُحْلُ البناتِ الموؤداتِ عَلى أزرارِ قَمِيصِ حَفَّارِ القُبورِ / وَقَمِيصي لَيْسَ قَمِيصَ عُثمان / فلماذا تُتَاجِرُ القَبَائِلُ بأشلائي وَدَمِي تَفَرَّقَ بَيْنَ القَبَائِلِ ؟/ أنا ونَهْرُ التَّوَابيتِ شَقِيقَان / رَضِعْنَا مِن ثَدْيِ العَاصِفَةِ / لَكِنَّ مِقْصَلتي بِطَعْمِ الجَوَّافَةِ / ومِقْصَلَتَهُ بِطَعْمِ الذِّكرياتِ / وافْتَرَقْنَا في مَرْفَأ الأوهامِ الذهبيةِ /

     يَحْرُثُ الفُقَرَاءُ أثداءَ المَلِكَاتِ في مَوْسِمِ الانقلاباتِ العَسكريةِ / الأعلامُ مُنَكَّسَةٌ / وَمُلُوكُ الطوائفِ يَكْتُبُونَ دُستورَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ بِدِمَاءِ الضَّحايا المَنْسِيِّين / ذَابَتْ أسماءُ السُّجَنَاءِ في حَديدِ النَّوافذِ التي تُطِلُّ عَلى بَحْرِ الرُّفاتِ / والسُّجَنَاءُ يَحْمِلُونَ أرقامَ الزَّنَازين / إنَّ الأرقامَ هِيَ الأسماءُ /

     يُحَدِّدُ البَدْوُ الرُّحَّلُ أسعارَ العَرائسِ حَسَبَ سِعْرِ بِرْمِيلِ النِّفْطِ / وَالرِّيحُ تَنحِتُ اسْمِي عَلى شَاهِدِ القَبْرِ في المساءِ الماطِرِ / حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أيَّتُها المقتولةُ بِدَمْعِ عَاشِقِكِ / المَوْلُودَةُ في ذَاكِرَةِ الشَّفَقِ / إنَّ دَمِي الأخْضَرَ يَسِيلُ في طُرُقَاتِ المُدُنِ الخائنةِ / وَيَحْمِي بَوَّابَةَ المقبرةِ الغامضةِ مِنَ الصَّدَأ / تَنْثُرُ العَوَاصِفُ شَظايا جُمْجُمتي عَلى أرصفةِ القُمامةِ في مُدُنِ الكُوليرا /

     قَتِيلٌ أنتَ في مَملكةِ السَّرَابِ الكِلْسِيَّةِ / مَوْلُودٌ أنتَ في قَلْبِ امرأةٍ غامضةٍ / وَبَسَاتِينُ الكَرَزِ صَارَتْ مَقَابِرَ جَمَاعِيَّةً للجُثَثِ المَجهولةِ / التي تَحْمِلُ أرقامًا كأرقامِ الزَّنازينِ الانفرادِيَّةِ .

19‏/02‏/2024

سمفونية الشتاء البعيد

 

سمفونية الشتاء البعيد

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     الزَّوابعُ تَبْحَثُ عَن جُثمانِ المايسترو المَشلولِ تَحْتَ الأنقاضِ / والدِّيدانُ تأكلُ عَصَاهُ التي سَقَطَتْ عَلى خَشَبَةِ المَسْرَحِ أوْ خَشَبَةِ الإعدامِ / لا فَرْقَ بَيْنَ مَقبرةٍ زُجَاجِيَّةٍ وَمَقبرةٍ كريستاليةٍ / لأنَّ ضَوْءَ القَمَرِ يُحَطِّمُ شَوَاهِدَ القُبورِ في الليلِ الرَّهيبِ / حِبَالُ المشانقِ مِن ضَفائرِ أُمَّهَاتِنا القَتيلاتِ في مُدُنِ السَّرابِ / سَأمُوتُ مِثْلَ عُثمانَ مَخْذُولًا وَعَطْشَان / لَكِنَّ النَّدى يَتَجَمَّعُ في الصَّباحِ عَلى شَاهِدِ قَبْري/ والأمطارُ تَسْقِي في المساءِ حَشَائِشَ المقبرةِ/ آثَارُ أقدامِ البَحْرِ عَلى جُلُودِ الأيتامِ / الذينَ بَنَوا القُصورَ الرَّمليةَ / ثُمَّ ذَهَبُوا إلى الشَّفَقِ البَعيدِ / وَلَمْ يَعُودُوا /

     البُحَيْرَةُ تبكي عَلى قَبْرِ البَحْرِ / وَالسَّرَابُ هُوَ الأمَلُ الأخيرُ في حَيَاةِ الصَّحراءِ / تَقَاعَدَ حَارِسُ المَقبرةِ / فَتَعَالَوْا نَمْدَح المَوْتَى / الفَراشةُ المشلولةُ عَاطِلَةٌ عَنِ العَمَلِ / وأنا أعْمَلُ دَلِيلًا سِيَاحِيًّا في المَقابرِ الجَمَاعِيَّةِ / المُسْتَقْبَلُ السِّيَاسِيُّ للبَعُوضِ هُوَ دُسْتُورُ المُسْتَنْقَعَاتِ / لا مُسْتَقْبَلَ للمُسْتَقْبَلِ إلا عَرْشُ المَاضِي / الأوسمةُ العسكريةُ في حَاوياتِ القُمامةِ / وَجُثَثُ الجُنودِ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / وَقُمْصَانُ النَّوْمِ لأراملِ الجُنودِ في مَتَاحِفِ التَّطْهِيرِ العِرْقِيِّ / وَتَنْتَشِرُ أشلائي في أزِقَّةِ الجِرذان / كَمَا يَنْتَشِرُ مِلْحُ الدُّموعِ في كَلِمَاتِ الأغاني / والقَتْلَى في الشَّوَارعِ / والجَرْحَى يَنتظرونَ دَوْرَهُم / نَسِيَ المساءُ أسماءَ الضَّحايا / وصَارَتْ أرقامُ الضَّحايا دُسْتُورًا للوَحْدةِ الوَطنيةِ /

     عِندَما تَضِلُّ الطريقَ أيُّها النَّهْرُ / اتْبَعْ سُعَالَ أبِيكَ في مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ / وارْكُضْ وَرَاءَ جَدَائِلِ أُمِّكَ في المَقابرِ الجَمَاعِيَّةِ/الخَنْجَرُ المَسمومُ بَيْنَ الرِّئَتَيْن/والرُّمْحُ الذهبيُّ في أمْعَاءِ الزَّوْبَعَةِ / لَكِنِّي أركضُ إلى البَحْرِ في الفَجْرِ الكَاذِبِ/ المطرُ يَزرعُ شَظايا قَلبي في شَواهدِ القُبورِ عِندَ الغُروبِ/

     مِلْحُ دُمُوعي هُدْنةٌ بَيْنَ صَوْتِ المَطَرِ وَصَوْتِ الرَّصاصِ / وَقُطَّاعُ الطُّرُقِ يَكْتُبُونَ دُستورَ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / وجُيوشُ البَدْوِ الرُّحَّلِ سَتُحَرِّرُ فِلِسْطِينَ في عِيدِ النِّفْطِ/وأعلامُ القَبائلِ المُنَكَّسَةُ مُزَيَّنَةٌ بِمَسَامِيرِ العُرُوشِ الضَّائِعَةِ/ وَمَنْسِيَّةٌ بَيْنَ صُحُونِ المَطْبَخِ وثَلاجةِ الجُثَثِ/

     عِندَما يَكْتُبُ حَفَّارُ القُبورِ دُسْتُورَ الاحتضارِ / تُصْبِحُ عِظَامي هِيَ قَانونَ المقابرِ / عِندَما يَتساقطُ كُحْلُ أشجارِ المقابرِ / يُصْبِحُ رُفَاتي كُحْلًا لِطُيُورِ البَحْرِ/ عِندَما تَمُوتُ الدَّولةِ بَيْنَ أجسادِ الفُقَرَاءِ / تُصْبِحُ أشلائي هِيَ مَحْكَمَةَ أمْنِ الدَّوْلَةِ / عِندَما يَبِيعُ الأيتامُ العِلْكَةَ على إشاراتِ المُرُورِ / تُصْبِحُ كُرَيَاتُ دَمِي رَقِيقًا أبيضَ في السُّوقِ السَّوْدَاءِ / عِندَما يَهْرُبُ أُمَرَاءُ الحُرُوبِ مِنَ الحُرُوبِ / تُصْبِحُ مَسَامِيرُ نَعْشِي هُدْنَةً بَيْنَ القَاتلِ والقَتيلِ .

18‏/02‏/2024

رعشة الحب الأول في الوطن المقتول

 

رعشة الحب الأول في الوطن المقتول

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     الإعْصَارُ يَجْمَعُ شَظَايَا قَلْبي/ بَيْنَ رِعْشَةِ الحُبِّ الأوَّلِ وأنينِ الرَّصاصةِ الأُولَى / لَيْتَني الْتَقَيْتُ بالشَّركسياتِ في الأندَلُسِ / كانتْ أوردتي أعشاشًا للعَصافيرِ المُلَوَّنَةِ كَحِبَالِ المشانقِ / وكانتْ أظافري أرقامًا لِشَظايا قَلبي المكسورِ / وأرشيفًا للانقلاباتِ العَسكريةِ في مَمالكِ السَّرابِ /

     وَحِيدٌ أنا / لا امرأةٌ تَبْكِي عَلَيَّ بَعْدَ اغتيالي الرُّومانسِيِّ / وَلا عُشْبَةٌ تَنْمُو عِندَ شَاهِدِ قَبْري المَطموسِ / صَوْتُ أُمِّي مِثْلُ صَفِيرِ القِطَاراتِ المكسورِ / بَيْنَ مَدينةِ الخَدِيعةِ وَلَيْلِ الشِّتاءِ /

     لماذا أركضُ وَراءَ السَّرابِ؟/ أملاحُ دَمْعي هِيَ الصَّحراءُ/ وَكُرَيَاتُ دَمِي هِيَ الرِّمَالُ المُتَحَرِّكَةُ/ كَيْفَ أهْرُبُ مِن مِشْنَقتي وجَسَدي هُوَ مِشْنَقتي ؟ / النَّهْرُ يَبكي فَوْقَ أنقاضِ مَنْزِلِهِ عَلى أطفالِهِ الذينَ دُفِنُوا تَحْتَهُ / كَيْفَ أَفِرُّ مِن نِهَايتي وأنا أحْمِلُ بِذرَةَ نِهَايتي في قَلْبي ؟ /

     دَخَلَت الفَراشةُ في المَدَارِ كَي تَحْتَرِقَ وَحِيدَةً / بِلا عُشَّاقٍ ولا شُمُوعٍ / فَاكْتُبْ قَصائدَ الرِّثاءِ   يا حُزْنَ اليَاسَمِينِ في طَرِيقِ الرُّفَاتِ / صَوْتُ المَطَرِ مَخْلُوطٌ بِرَائحةِ البارُودِ / ومَاتت الأجسادُ /  وَبَقِيَ أرشيفُ الرَّصَاصِ الحَيِّ / نَسِيَتْ طُيورُ البَحْرِ ضَوْءَ المَنَارَةِ / ونَسِيَ السَّجِينُ أن يَمْدَحَ سَجَّانَهُ في الطريقِ إلى خَشَبَةِ الإعدامِ / وأعلامُ القَبائلِ المُنْقَرِضَةِ مُلَوَّنةٌ بِنَفْطِ الصَّحْرَاءِ وحَلِيبِ الإمَاءِ /

     حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أيَّتُها الأرملةُ الشَّابَّةُ / والجُنودُ هَرَبُوا مِن مَعركةِ السَّرَابِ إلى سَرَابِ المعركةِ / تَقَاعَدَ حَفَّارُ القُبُورِ / واستلمَ مُكافأةَ نِهايةِ الخِدمةِ / فَتَعَالَوْا نُهَنِّئ الأمواتَ / ونُعَانِق أشجارَ المقبرةِ / أعيشُ وَحِيدًا / لأنني سَأمُوتُ وَحِيدًا / فَاعْشَقْ حُزْنَكَ يا نَهْرَ الرُّفَاتِ / وَارْكُضْ إلى أشِعَّةِ القَمَرِ/ وَكُن عَاشِقًا لِدَمِي الذي يَسِيلُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ/ لا دَوْلَةٌ وَرائي/ ولا رَايَةٌ أمَامِي/ كُلُّ الدُّوَلِ مُنْهَارَةٌ / وَكُلُّ الأعلامِ مُنَكَّسَةٌ / وانتهت اللعبةُ / وهَدَمَ الأطفالُ القُصورَ الرَّمليةَ / انكَسَرَتْ خُدُودُ البَحْرِ / وَحَانَ مَوْعِدُ الغَرَقِ / انكَسَرَتْ سَنَابِلُ الغُروبِ / وَحَانَ مَوْعِدُ الحَصَادِ /

     يا بُحَيْرَةَ الرَّمَادِ / اعْشَقِي الرِّمَالَ الفُسْفُورِيَّةَ / إنَّ الصَّحَرَاءَ هِيَ أُمُّنَا القَاسِيَةُ / أظافري تُضِيءُ مَمَرَّاتِ مَحَاكِمِ التَّفتيشِ أمامَ المحكومينِ بالإعدامِ / وَضَفَائِرُ البَنَاتِ تُنِيرُ كَلِمَاتِ الأغاني الوَطَنِيَّةِ أمامَ فِئرانِ التَّجَارُبِ/ وأشلائي صَابُونٌ لِتَنظيفِ بَلاطِ السُّجونِ/ وَمِلْحُ دُمُوعِي هُدْنةٌ بَيْنَ نافذةِ السِّجْنِ وَطُيُورِ البَحْرِ/نَسِيَ الإعصارُ نُهُودَ النِّسَاءِ عَلى أسلاكِ الكَهْرَبَاءِ في مُدُنِ الحَطَبِ المُنْطَفِئَةِ/ كَمَا نَسِيَ المَوْجُ ثِيَابَ الحِدَادِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ/ وَرَحَلَ الأغرابُ/ وَبَقِيَت الجُثَثُ المجهولةُ في بُستانِ الكَرَزِ .

17‏/02‏/2024

حاولي اصطيادي أيتها العانس

 

حاولي اصطيادي أيتها العانس

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     شَوَاهِدُ القُبُورِ عِندَ الغُروبِ الجَارِحِ/ لَهَا رَائِحَةُ التُّفاحِ الحزينِ / تتناثرُ حَبَّاتُ التُّفاحِ بَيْنَ مَساميرِ النُّعوشِ / كما تتناثرُ قَطَرَاتُ المطَرِ بَيْنَ جَثامينِ البَحَّارَةِ الغَرْقى / الفَجْرُ الكَاذِبُ يَدْفِنُ هَيْكَلي العَظْمِيَّ في قَاعِ المُسْتَنْقَعِ الذي يَحْرُثُهُ ضَوْءُ القَمَرِ / ومِلْحُ الدُّموعِ تاريخٌ لِقِيَامَةِ الطحالبِ مِن ثُقُوبِ جِلْدِي /

     جَاءَ سَرَطَانُ الثَّدْيِ كَصَفِيرِ القِطَارَاتِ / وَنَسِيَت النِّسَاءُ حَمَّالاتِ الصَّدْرِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / وَضَفَائِرُ البَنَاتِ مُعَلَّقَةٌ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / وَالصَّمْتُ البَارِدُ يَفْتَرِسُ مَمَرَّاتِ البُيُوتِ المهجورةِ /

     بَيْنَ قلبي ودِمَائي حَاجِزٌ عَسكريٌّ/ وَطُيُورُ البَحْرِ تُنْكِرُ وَجْهِي في الليلِ الكَهْرَمَانيِّ / أنا الغريقُ في السُّكَّرِ الذي يَرُشُّهُ المساءُ عَلى مَوْتي/ وَلَكِنْ لِي حِصَّةٌ مِن مِلْحِ البَحْرِ/ أُهَنِّئُ السَّرَابَ لأنَّهُ فازَ بِجُثةِ الصَّحراءِ / وأنا النَّسْرُ العَجُوزُ أتَغَذَّى عَلى جُثَثِ المَهزومينَ في حُرُوبِ الوَهْمِ المُقَدَّسَةِ /

     بَعْدَ الانقلابِ العَسكريِّ / سَوْفَ يُضَاجِعُ العَبِيدُ الأمِيرَاتِ تَحْتَ المَطَرِ الرَّصَاصِيِّ / في أزِقَّةِ الفِئرانِ وَشَوَارِعِ القُمامةِ / الذاكرةُ انقَلَبَتْ عَلى الذِّكرياتِ / ونَسِيَ الإعصارُ جُثمانَ النَّهْرِ في غَابَةِ النَّخيلِ الباكي / وَالكَرَادِلَةُ وَضَعُوا الصُّلْبَانَ في فُرُوجِ الرَّاهِبَاتِ المُغتَصَبَاتِ في أدْيِرَةِ الصَّقيعِ /

     لا تَفْقِدِي الأملَ أيَّتُها البُحَيْرَةُ العَانِسُ/حَاوِلي اصطيادي في الوَطَنِ الضَّائِعِ / ماتت الدَّوْلَةُ / وَصَارَتْ مَحكمةُ أمْنِ الدَّوْلَةِ مَهجورةً / والأيتامُ يَلْعَبُونَ عَلى أطلالِهَا كُرَةَ القَدَمِ / كُوني الفَرِيسةَ والصَّيَّادَ / سَتَأكُلُ الجِرذانُ المُخْمَلِيَّةُ ثَدْيَيْكِ المَهْجُورَيْنِ كَسَرَطَانِ الثَّدْيِ / كُلُّ شَيْءٍ ضَاعَ في مَمالكِ الضَّيَاعِ / كُلُّ شَيْءٍ مَاتَ في مُدُنِ المَوْتِ /

     أيَّتُها الذِّئبةُ التي تَنمو الطحالبُ بَيْنَ نَهْدَيْهَا / كَيْفَ أنسى رَائحةَ الجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ في أرشيفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ ؟ / كَيْفَ أنسى رَائحةَ السَّجَّادِ المُزَرْكَشِ في مَمَرَّاتِ مَحاكمِ التَّفتيشِ ؟ / كَيْفَ أنْسَى رَائِحَةَ الرُّخَامِ المُلَوَّنِ في المَقَابِرِ الجَمَاعِيَّةِ ؟ /

     جاءَ الاحتضارُ في المساءِ الماطِرِ / وَبَقِيَ قَمِيصُ النَّوْمِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / فَمَا فَائِدَةُ العَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ ؟ / الأطفالُ الذينَ يَبِيعُونَ العِلْكَةَ عَلى إشاراتِ المُرُورِ رُومَانسِيُّون / لَكِنَّهُم يَمُوتون / وَشَجَرَةُ التُّفاحِ الوَحِيدَةُ التي زَرَعَهَا أبي/ مَاتتْ في قَلْبي مِثْلَ طَائِرٍ آلِيٍّ / وَحَبْلُ مِشْنقتي لَهُ طَعْمُ البُرتقالِ / وأنا الطُّعْمُ والصَّيادُ والفَرِيسَةُ / أتقدَّمُ إلى الاحْتِضَارِ بِلا طُفُولَةٍ ولا ذِكْرَياتٍ/ وَضَعَتْ أحزانُ الشِّتاءِ السُّمَّ في قَهْوَةِ حَفَّارِ القُبورِ / وَبَقِيَت الجُثَثُ عَلى الأرصفةِ القَذِرَةِ في مُدُنِ الوَهْمِ .

16‏/02‏/2024

انهيار الحضارة والبحث عن السبايا

 

انهيار الحضارة والبحث عن السبايا

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     هَرَبَ الجُنديُّ مِنَ المعركةِ / ونَسِيَ المُسَدَّسَ بَيْنَ ثَدْيَي أرْمَلَتِهِ / والأوسمةُ العسكريةُ تُزَيِّنُ فُرُوجَ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / يَا أيُّها النَّخَّاسُ الذي يَجْمَعُ حَمَّالاتِ الصَّدْرِ للجَوَارِي مِثْلَ طَوَابِعِ البَرِيدِ النَّادِرَةِ / إنَّ مِلْحَ الدُّموعِ تَنَاثَرَ في أزِقَّةِ المَرَافئِ المَهجورةِ /

     اعتزلَ حَفَّارُ القُبُورِ العَمَلَ السِّيَاسِيَّ / فَتَعَالَوْا نُهَنِّئ الأمواتَ / أركضُ في أزِقَّةِ المِيناءِ بَاحِثًا عَن أكْفَاني البلاستيكِيَّةِ / وَالحَمَامُ الزَّاجِلُ يَبِيضُ على أعلامِ القَراصنةِ / وَرَسَائِلُ العُشَّاقِ غَرِقَتْ في البَحْرِ كأحزانِ البَحَّارَةِ الفُقَرَاءِ / وَفِئرانُ السَّفينةِ أكَلَتْ جُثمانَ الرُّبَّانِ /

     انكَسَرَتْ مَلامِحُ وُجُوهِنَا في أحزانِ الشِّتاءِ / وَمَاتتْ أسماؤُنا في أرشيفِ الضَّحايا ودُستورِ الوَحْدَةِ الوَطنيةِ / وصارت الأرقامُ هُوِيَّةً لأشلائِنا ونُعُوشِنَا / نَسِيَ نَهْرُ الرَّمادِ جَدْوَلَ الضَّرْبِ / فَكَيْفَ يَضَعُ الأرقامَ عَلى الجُثَثِ المجهولةِ ؟ /

     لماذا تَلعبُ بأعصابي أيُّها البَحْرُ ؟ / أعْطِني بُوصلةً كَي أعْرِفَ قَبْرَ أبي في رِمَالِ الشُّطآنِ / امْنَحْنِي ضَوْءَ المَنَارَةِ البَعِيدَ / كَي أتناولَ العَشَاءَ عَلى ضَوْءِ الشُّمُوعِ مَعَ جُثماني /

     أحِبِّيني أَو اكْرَهِيني/ إنَّ قَلْبي مات/ وحَوَاسِّي مُعَلَّقَةٌ عَلى حَبْلِ المِشْنَقَةِ/كَثِيَابِ الحِدَادِ المُعَلَّقَةِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / آثارُ أقدامِ الغُزاةِ على أثداءِ السَّبايا / ولا تاريخَ لأشجارِ المقبرةِ سِوى أسماءِ القَتْلَى وأرقامِ السُّجَناءِ/ لَن يَحْصُلَ الجُنودُ على أوسمةٍ بَعْدَ مَوْتِهِم/ لَن تُوضَعَ صُوَرُهُم عَلى حِيطانِ المَتَاحِفِ/لَن يَتَذَكَّرَ أسماءَهُم سِوَى أُمَّهَاتِهِم/كُلُّنَا مُرْتَزِقَةٌ في حَرْبِ السَّرابِ/بِلا رِمَالٍ ولا صَحراء/

     وَحْدِي في قَلْبِ الليلِ / لا شَيْءَ يُضِيءُ الغُبارَ على شَاهِدِ قَبْري سِوَى لَمَعَانِ أظَافِرِ قَاتِلَتِي / وَحَفَّارُ القُبورِ اكتشفَ مَعنى الحَضَارَةِ بَيْنَ القَرَاصِنَةِ وَقُطَّاعِ الطُّرُقِ / ذَهَبَتْ عَازِفَةُ البيانو إلى المَوْتِ تَحْتَ المطرِ / وَبَقِيَ طِلاءُ أظافِرِها عَلى البيانو / وَسَالَ عَرَقُهَا عَلى رَائِحَةِ أشجارِ الكَرَزِ في خَرِيفِ الإعدامِ / ذَهَبَت الغريباتُ إلى صَفِيرِ القِطَاراتِ البَعِيدِ / وَبَقِيَ دَمُ الحَيْضِ عَلى المَقَاعِدِ الخَشَبيةِ في مَحَطةِ القِطَاراتِ الباردةِ /

     أنا المنبوذُ الذي رَأى في مَرايا المَسَاءِ كُحْلَ الصَّبايا وَهُوَ يَنْهَمِرُ في أغمادِ السُّيوفِ / أنا الغريبُ الذي رَأى في مَزهرياتِ الوَدَاعِ دَمْعَ الفُقَرَاءِ وَهُوَ يَتَدَفَّقُ عَلى الخناجرِ المسمومةِ / أنا الجُنديُّ المجهولُ الذي رَأى في مَعركةِ الوَهْمِ الرَّصَاصَ الحَيَّ وَهُوَ يُمَزِّقُ أعلامَ القَبائلِ المُنَكَّسَةَ / أنا العَرِيسُ الذي رَأى في لَيْلَةِ الدُّخلةِ وُجُوهَ القَتلى وَهِيَ تَلْتَصِقُ عَلى زُجاجِ النافذةِ .

15‏/02‏/2024

شركسية تقف أمام ضريحي تحت أشعة القمر

 

شركسية تقف أمام ضريحي تحت أشعة القمر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     بَعْدَ الشَّركسياتِ / صِرْتُ أخافُ مِن نَفْسِي / بَعْدَ الشَّركسياتِ / صِرْتُ أخافُ مِنَ الناسِ / بَعْدَ الشَّركسياتِ/صِرْتُ أخافُ أن أنظُرَ في المِرْآةِ/ بَعْدَ الشَّركسياتِ/ قَلْبي مَات/بَعْدَ الشَّركسياتِ/ كُلُّ شَيْءٍ مَات / بَعْدَ الشَّركسياتِ / صِرْتُ جُثَّةً هَامِدَةً / أنتظرُ الشَّفَقَ كَي يُطْلِقَ عَلَيَّ رَصَاصَةَ الرَّحمةِ / كَي تَرْحَمَنِي الذِّكرياتُ في لَيْلِ الشِّتاءِ الطويلِ / عِندَمَا غَابَ وَجْهُكِ عَن حَياتي/ واخْتَفَى في الشَّفَقِ البَعِيدِ/ انطفأتْ حَيَاتي/ وَمَاتت الشَّمْسُ في قَلْبي/ وَاخْتَفَيْتُ عَن هَذا العَالَمِ / لأنَّ العَالَمَ فِي أحزاني قَد اخْتَفَى / أرجوكَ أيُّها الشَّفَقُ / انزِعْ حُبَّ الشَّركسياتِ مِن عِظَامي / كَي أرتاحَ مِن احتراقِ أعصابي/ ويَرتاحَ دَمِي مِن صَهيلِ الذِّكرياتِ/ بَرَاءَةُ أحلامِ الطُّفولةِ في خُدُودِ الشَّركسياتِ التي تَنْهَمِرُ عَلَيْهَا أشِعَّةُ القَمَرِ / كَمَا يَنْهَمِرُ وَمِيضُ البَرْقِ عَلى رُخَامِ الأضرحةِ / سَأَبْنِي بُرْجًا للحَمَامِ الزَّاجِلِ بَيْنَ بَرِيقِ المُسَدَّسِ وتَاريخِ الغُزاةِ المُقَدَّسِ/ أركضُ في غَاباتِ القُوقازِ تَحْتَ صَوْتِ الرَّعْدِ / كَي أَقْتُلَ الحُزْنَ في عُيونِ الشَّركسياتِ / وَجْهُ الشَّركسيةِ هُوَ الضَّوْءُ في آخِرِ النَّفَقِ / لَكِنِّي فَأرُ السَّفينةِ الذي مَاتَ مَعَ البَحَّارَةِ الغَرْقَى / وفي لَيالي الشِّتاءِ القِرْمِزِيَّةِ / يُهَاجِمُنِي طَيْفُ الشَّركسياتِ كَذِئبٍ جَائِعٍ / وَتَفْتَرِسُنِي الذِّكرياتُ كَجَدَائِلِ البُحَيْرَاتِ قَبْلَ جَفَافِهَا / وأرى أسنانَ القَتْلى عَلى زُجَاجِ نافذتي المكسورِ / فَكَيْفَ أنامُ مَعَ جُثماني ؟ / لا أنامُ إلا وَالمُسَدَّسُ تَحْتَ وِسَادَتِي المنقوعةِ في مِلْحِ الدُّموعِ/ كَيْفَ أنامُ ؟/ نَسِيَتْ أُمِّي دَبابيسَ حِجَابِهَا عَلى وِسَادتي / وَذَهَبَتْ إلى بَرِيقِ الاحتضارِ/ كَيْفَ أنامُ ؟/دَمُ أبي الذي تَفَرَّقَ بَيْنَ القَبائلِ / يَكْسِرُ زُجَاجَ نافذتي في المساءِ السَّحيقِ/

     انتهت الحَرْبُ / ولا تَزَالُ الأُمَّهَاتُ يَنْتَظِرْنَ عَوْدَةَ أبْنَائِهِنَّ / الذينَ لَن يَعُودُوا / وبَنَى الحَمَامُ أعْشَاشَهُ في فُوَهَّاتِ المَدَافِعِ/ والأيتامُ يَلْعَبُونَ بالقَنَابِلِ التي لَمْ تَنْفَجِرْ/والبَاعَةُ المُتَجَوِّلُونَ يَبِيعُونَ الأطرافَ الصِّناعِيَّةَ عَلى إشاراتِ المُرُورِ المُحَطَّمَةِ / أنا المُهَرِّجُ الذي يُضْحِكُ النَّاسَ/ ثُمَّ يَعُودُ إلى بَيْتِهِ لِيَبْكِيَ أمامَ المِرْآةِ وَحِيدًا/أنا الذاكرةُ المُهَشَّمَةُ/ تَفْتَرِسُنِي الذِّكرياتُ في طُرُقَاتِ المساءِ الماطرِ/ هَل أنا الصَّيادُ أَمِ الفَرِيسَةُ ؟ / أخافُ أن أَمُوتَ في زِنزانةٍ لا تُطِلُّ نَافِذَتُهَا عَلى البَحْرِ / وَطَنٌ ضَاعَ بَيْنَ القَتْلَى والجِيَاعِ/ زَوْجَتي الصَّحْرَاءُ/عَشِيقتي الرِّمَالُ/ لِمَاذا تَلْهَثِينَ وَرائي أيَّتُها العَانِسُ؟/ أنا صَفْقَةٌ تِجَارِيَّةٌ للقَرَاصِنَةِ / أنا أعلامُ القبائلِ المُنَكَّسَةُ / جُثماني مُخْتَبَرٌ لِفِئْرَانِ التَّجَارُبِ أَوْ فِئْرَانِ السَّفينةِ الغارقةِ/ سَيُصْبِحُ رُفَاتي الطازَجُ كُحْلًا في عُيونِ بَناتِ حَفَّارِ القُبورِ / والأغرابُ يَنْقُلُونَ جُثَثَ قَتْلاهُم بالشَّاحناتِ إلى مَدينةِ الوَهْمِ/ والعَبِيدُ يُضَاجِعُونَ الأميراتِ تَحْتَ المطرِ أثناءَ الانقلابِ العَسْكَرِيِّ .

14‏/02‏/2024

متحف الأشلاء البشرية

 

متحف الأشلاء البشرية

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........................

     ادْفِنِي جُثماني بِسُرْعَةٍ يا طُيورَ البَحْرِ/ قَبْلَ أن تأكلَ الطحالبُ جُثماني / وَيَتَضَايَقَ البَحْرُ مِن رَائِحَةِ أشلائي / ذَهَبَ قِطَارُ الغُروبِ وَلَمْ يَرْجِعْ / تَلاشَى صَفِيرُ القِطَارِ / وَبَقِيَ مِلْحُ الدُّمُوعِ عَلى زُجَاجِ القِطَارِ /

     عِندَما تَخُونُنِي رِمَالُ الشَّاطئِ الفَيْرُوزِيَّةُ / أَسِيرُ إلى حَنجرةِ البَحْرِ / كالقَطِيعِ السَّائِرِ إلى حَافَةِ الجَبَلِ / أَشِعَّةُ القَمَرِ تَبْحَثُ عَن جُثماني في غَاباتِ الدَّمْعِ/ لَكِنِّي حَيٌّ في قَلْبِ امرأةٍ غَامِضَةٍ تبكي في قَلْبِ الليلِ/ نَسِيَت اليَتيماتُ مَلاقِطَ الغسيلِ عَلى سُورِ المقبرةِ / لَكِنَّ ثِيَابَ الحِدَادِ بَقِيَتْ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / سَوْفَ تَنْمُو حَبَّاتُ التُّوتِ في الهَيَاكِلِ العَظْمِيَّةِ كَحَبَّاتِ المَطَرِ / وأنا الغريبُ المنبوذُ في مُدُنِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وَأثداءُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ مِنَ الأسْمَنْتِ المُسَلَّحِ /

     الحَيَوَانَاتُ المَنَوِيَّةُ في أقفاصِ حَديقةِ المَقابرِ الجَمَاعِيَّةِ / والعَوَاصِفُ تَرُشُّ مِلْحَ البَحْرِ عَلى طَعَامِ السُّجَنَاءِ / فَابْحَثْ عَن امرأةٍ تَمشي بالكَعْبِ العالي في جِنَازَتِكَ / تتناثرُ قَطَرَاتُ المَطَرِ عَلى حَبْلِ المِشْنَقَةِ الكريستالِيِّ / وتَفَرَّقَ دَمُ الفَرَاشَةِ المُحْتَضَرَةِ بَيْنَ القَبائِلِ المُنْقَرِضَةِ /

     أيَّتُها اللبُؤَةُ الغامضةُ في لَيْلِ الخريفِ / لا يَزَالُ في أُذُنِي صَوْتُ الكَعْبِ العالي / وَهُوَ يَدُقُّ عَلى الرَّصيفِ / أيُّها القائدُ المهزومُ / لا تَزَالُ رَائحةُ الجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ في أَنفِي / مَاتت السنابلُ في قَلْبي / أزرعُ الذِّكرياتِ في خُدودِ المساءِ/ وَرَحِيلُنا عِندَ الفَجْرِ يا جُثمانَ أبي/ جَاءَ وَمِيضُ البَرْقِ كَي يَحْصُدَ عِظَامي / إنَّ هَيْكَلِي العَظْمِيَّ هُوَ مَوْعِدُ الحَصَادِ / وَجَاءَ صَوْتُ المَوْجِ كَي يَحْرُثَ جَسَدي / إنَّ دَوْرَتي الدَّمويةَ هِيَ مَوْسِمُ الحِرَاثَةِ / البَقُّ أَكَلَ بَراويزَ الصُّوَرِ التَّذكاريةِ/ سَنَمُوتُ بِلا أشِعَّةِ القَمَرِ ولا أحلامِ الطُّفولةِ / دَمْعِي مِطْرَقَةٌ / تابوتي مِن زُجَاجٍ / ويَتساقطُ ضَوْءُ القَمَرِ عَلى حَبْلِ المِشْنَقةِ الفِضِّيِّ / سَتَنْمُو الطحالبُ في خُدُودِ الإمَاءِ في سُوقِ الخُضَارِ / أمامَ مَحكمةِ أمْنِ الدَّولةِ التي مَاتتْ / أضَاعَ المَسَاءُ بُوصَلَةَ فِرَاشِ المَوْتِ/ وَأُصِيبَ حَفَّارُ القُبورِ بالزَّهايمرِ / فَكَيْفَ سَتَعْرِفُ أُمِّي مَوْقِعَ قَبْرِي ؟ / أشلاءُ الأيتامِ في صُحُونِ المَطْبَخِ / وَجُثةُ الأرملةِ الشَّابَّةِ في الثَّلاجةِ / وَالعَوَانِسُ لَمْ يُفَرِّقْنَ بَيْنَ الحِكَايَاتِ والاحْتِضَارَاتِ / عِشْتُ انتحاراتي كي أكتبَ تاريخَ وَفَاةِ الحضارةِ في شَهادةِ مِيلادي/عِشْتُ احتضاراتي كَي أُحَلِّلَ مِلْحَ الدُّمُوعِ للسَّرابِ/ وَهُوَ يَبكي عَلى صَدْرِ الصَّحراءِ/ حَبْلُ مِشْنَقتي مُبَلَّلٌ بِعَصِيرِ التُّفاحِ / لَكِنِّي سَأمُوتُ عَطْشَانَ مِثْلَ عُثمان / سَأمُوتُ مَخْذُولًا مِثْلَ عُثمان / وَلَيْسَ لِي قَمِيصٌ كَقَمِيصِ عُثمانَ / كَي يُتَاجِرَ بِهِ شُيُوخُ القَبائلِ ومُلُوكُ الطوائفِ وأُمَرَاءُ الحُروبِ.

13‏/02‏/2024

توابيت مزخرفة في مدينة الخراب

 

توابيت مزخرفة في مدينة الخراب

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........................

     عِندَما يَطْعَنُنِي ضَوْءُ القَمَرِ في الظَّهْرِ / أركضُ إلى قَلْبِ أبي / تتناثرُ حَبَّاتُ الخَوْخِ عَلى نَصْلِ المِقْصَلَةِ الأُرْجُوَانِيِّ / وأخافُ مِن زَائرةِ الليلِ الآتيةِ لاغتيالِ ذِكْرَياتي / مَاتت الدَّولةُ مِثْلَ حِكَايَاتِ العُشَّاقِ / لَكِنَّ الأراملَ يَبِعْنَ الخُضَارَ أمامَ مَحكمةِ أمْنِ الدَّولةِ / حُفَرُ المَجَاري في الجُثَثِ المجهولةِ / وَلَيْسَ في الشَّوارعِ الخَلْفِيَّةِ / وَقَمِيصُ النَّوْمِ للبُحَيْرَةِ هُوَ كَفَنُ البَحْرِ /

     أخُوضُ حَرْبًا أهْلِيَّةً دَاخِلَ جِسْمِي/ وَكُرَيَاتُ دَمِي البَيْضَاءُ هِيَ الرَّايةُ البَيْضَاءُ / عُدْتُ مِن مَعركةِ قلبي مَهْزُومًا/ وَلَمْ أَجِد امرأةً أبكي على صَدْرِهَا / لَكِنَّ مُسَدَّسِي بَقِيَ تَحْتَ الوِسَادَةِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / وَمَا زِلْتُ أشُمُّ سُعَالَ أبي على فُرشاةِ أسنانِهِ بَعْدَ إعدامِهِ في مَملكةِ الوَهْمِ المُقَدَّسِ /

     أنا الغريبُ أحْرُسُ الجُثَثَ المُتَعَفِّنَةَ مِنَ الذُّبَابِ / وأنتَ أيُّها النَّهْرُ تَحْرُسُ بَوَّابَةَ المقبرةِ مِنَ الصَّدَأ / فَلْنَعْقِدْ هُدنةً بَيْنَ الأمواتِ وأشجارِ الصَّنَوْبَرِ في مَقبرةِ الذاكرةِ/ وَلْنَحْفَظ النَّشِيدَ الوَطَنِيَّ في طَرِيقِنَا إلى أسواقِ النِّخَاسَةِ / يُبَاعُ الرَّقِيقُ الأبيضُ في السُّوقِ السَّوْدَاءِ / وَكُلُّنَا سَبَايا /

     أنا الرَّمْلُ الأزرقُ / أُوصِيكَ أيُّها السَّرابُ أن تَدْفِنَنِي بِجَانِبِ أبي / لَكِنَّ أُمِّي لا تَزَالُ تَبْحَثُ عَن قَبْرِ أبي / سَأعِيشُ مَوْتي بَيْنَ قَبْرِ أبِي وقَلْبِ أُمِّي / سَيَقْتَرِبُ مِنْكَ المَوْتُ أيُّها الغريبُ / حتى يُصْبِحَ أبَاكَ الرُّوحِيَّ/ومَشْرَحَةُ اللازَوَرْدِ تَرْفُضُ تَسليمَ جُثماني لأهْلِي المَصْلُوبينَ عَلى نَوَافِذِ بَيْتِنَا المَهجورِ/ العِشْقُ خَنْجَرٌ مَسْمُومٌ بَيْنَ الرِّئَتَيْن/ فَاكْرَهِيني يا سَجَّانتي / واعْشَقِي حَفَّارَ قَبْري في مَسَاءٍ غَامِضٍ/ بِلا ضَحِكَاتٍ ولا عَشَاءٍ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ /

     كُنْ كَالْمَوْتِ/ لا يَسْتَجْدِي أَحَدًا / ولا يُفْلِتُ مِن قَبْضَتِهِ أَحَدٌ / كُلُّ المَشَانِقِ تَتَشَابَهُ إذا كانتْ حِبَالُ المَشَانِقِ مَجْدُولةً مِن أعصابِ النِّساءِ المَجروحاتِ عاطفيًّا / الطريقُ إلى البَحْرِ مَزروعٌ بِنِقَاطِ التَّفتيشِ / والأغرابُ خانوا البَحْرَ / وأطْلَقُوا عَلَيْهِ رَصاصةَ الرَّحمةِ / كَي يُحَرِّرُوا رَهَائِنَ السَّرابِ / وَيَقْتَسِمُوا غَنَائِمَ الرِّمَالِ / الطريقُ إلى حَنْجَرَتي مَزروعٌ بالحواجزِ العسكريةِ / وَحُزْني حَقْلُ ألْغَامٍ /

     نَحْنُ مُتَعَادِلانِ في الخِيَانَةِ / مَجْرُوحَانِ في الذِّكرياتِ / نَحْنُ غَرِيقَانِ في المَرَايا / مَذبُوحَانِ في المَزهرياتِ / وَلَمَعَانُ أظافري يُضِيءُ طَرِيقَ الجِرْذَانِ بَيْنَ جَثامينِ البَحَّارَةِ في أزِقَّةِ المِيناءِ / مَتَى سأعيشُ يا نَوَارِسَ الغُروبِ ؟ / أصْدَرَ المَسَاءُ حُكْمَ إعدامي شَنْقًا بالذِّكْرَيَاتِ / وَعَلَيَّ أن أعيشَ مَوْتي في مُطَارَدَةِ وُجُوهِ الشَّركسياتِ في الشَّفَقِ البَعِيدِ / عِشْتُ غَرِيبًا / لأنَّني سأموتُ غَرِيبًا / مُتُّ وَحِيدًا / لأنني سَأُدْفَنُ وَحِيدًا .