مَاتَتْ عَازِفَةُ
البيانو تَحْتَ المَطَرِ في لَيْلَةٍ غَامِضَةٍ / قَتَلَهَا الوَهْمُ وَمَشَى في
جِنَازَتِهَا / وَمِيضُ البَرْقِ يُطَهِّرُ أخشابَ تابُوتي مِنَ البَقِّ /
والأوسمةُ العَسكريةُ مَصْبُوغةٌ بِحَليبِ بَنَاتِ آوَى/ أَحِنُّ إلى تِلْكَ
الفَرَاشَةِ الغامضةِ التي تَزُورُني في قَلْبِ الليلِ / كَي تَغْتَالَ ذِكْرَياتي
كالذُّبابِ / وَتُحَطِّمَ أحلامَ طُفولتي كَمَزْهَرِيَّاتِ بَيْتِنَا المهجورِ/
وَالأُغْنِيَاتُ الجميلةُ مَلِيئَةٌ بِمِلْحِ الدُّمُوعِ / مَا فَائِدَةُ أن
تَدْهَنَ العَرُوسُ ثَدْيَيْهَا بالمُبِيداتِ الحَشَرِيَّةِ في مَدِينَةِ
الاحْتِضَارِ ؟ / مَا فَائِدَةُ أن تَتَعَطَّرَ جُثَّةُ اللبُؤَةِ بِدَمْعِ
الأسَدِ في غَابَةِ الاحْتِرَاقِ ؟/مَا فَائِدَةُ أن يَرُشَّ الرَّصَاصُ الحَيُّ
السُّكَّرَ عَلى المَوْتِ في لَيْلِ الخَرِيفِ؟/
نُسَجِّلُ وَصَايا التُّفاحِ عَلى عِظَامِ البَحَّارَةِ
الغَرْقَى/وَحَارِسُ ثَلاجَةِ المَوْتَى يُمَارِسُ الجِنْسَ مَعَ جُثةِ القَتيلةِ
الغامضةِ / وَطُيُورُ البَحْرِ تَبْحَثُ عَن مَعنى البَحْرِ في المُسْتَنْقَعَاتِ
الجَافَّةِ/ التي تَحْرُثُهَا أشِعَّةُ القَمَرِ/ وتَزْرَعُهَا بالألغامِ الأرضيةِ
/ وَنَحْنُ البَدْوُ الرُّحَّلُ / بِعْنَا أعلامَ القَبائلِ مِن أجْلِ بَراميلِ
النِّفْطِ/ وَبَحَثْنا عَن المَعْنَى في عَالَمٍ يَنْتَحِرُ / وذَهَبَت النِّساءُ
إلى الاحتضارِ / وَبَقِيَتْ ثِيَابُ الحِدَادِ وَقُمْصَانُ النَّوْمِ عَلى حِبَالِ
الغسيلِ / فَوْقَ سُطُوحِ الوَدَاعِ التي تَقْصِفُهَا الطائراتُ والذِّكرياتُ /
في المساءِ السَّحِيقِ/ يَكُونُ لِجُثماني رَائِحَةُ البُرتقالِ /
وَيَكُونُ لِجِلْدِي طَعْمُ الكَرَزِ / يَسِيلُ كُحْلُ البناتِ الموؤداتِ عَلى
أزرارِ قَمِيصِ حَفَّارِ القُبورِ / وَقَمِيصي لَيْسَ قَمِيصَ عُثمان / فلماذا
تُتَاجِرُ القَبَائِلُ بأشلائي وَدَمِي تَفَرَّقَ بَيْنَ القَبَائِلِ ؟/ أنا
ونَهْرُ التَّوَابيتِ شَقِيقَان / رَضِعْنَا مِن ثَدْيِ العَاصِفَةِ / لَكِنَّ
مِقْصَلتي بِطَعْمِ الجَوَّافَةِ / ومِقْصَلَتَهُ بِطَعْمِ الذِّكرياتِ /
وافْتَرَقْنَا في مَرْفَأ الأوهامِ الذهبيةِ /
يَحْرُثُ الفُقَرَاءُ أثداءَ المَلِكَاتِ في مَوْسِمِ الانقلاباتِ
العَسكريةِ / الأعلامُ مُنَكَّسَةٌ / وَمُلُوكُ الطوائفِ يَكْتُبُونَ دُستورَ
الوَحْدةِ الوَطنيةِ بِدِمَاءِ الضَّحايا المَنْسِيِّين / ذَابَتْ أسماءُ
السُّجَنَاءِ في حَديدِ النَّوافذِ التي تُطِلُّ عَلى بَحْرِ الرُّفاتِ /
والسُّجَنَاءُ يَحْمِلُونَ أرقامَ الزَّنَازين / إنَّ الأرقامَ هِيَ الأسماءُ /
يُحَدِّدُ البَدْوُ الرُّحَّلُ أسعارَ العَرائسِ حَسَبَ سِعْرِ بِرْمِيلِ
النِّفْطِ / وَالرِّيحُ تَنحِتُ اسْمِي عَلى شَاهِدِ القَبْرِ في المساءِ الماطِرِ
/ حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أيَّتُها المقتولةُ بِدَمْعِ عَاشِقِكِ /
المَوْلُودَةُ في ذَاكِرَةِ الشَّفَقِ / إنَّ دَمِي الأخْضَرَ يَسِيلُ في
طُرُقَاتِ المُدُنِ الخائنةِ / وَيَحْمِي بَوَّابَةَ المقبرةِ الغامضةِ مِنَ
الصَّدَأ / تَنْثُرُ العَوَاصِفُ شَظايا جُمْجُمتي عَلى أرصفةِ القُمامةِ في
مُدُنِ الكُوليرا /