أُمِّي تُنَظِّفُ
صَدَأَ مَسَامِيرَ نَعْشِي بِمِلْحِ دُمُوعِهَا في لَيَالي الخريفِ / وَرُعْيَانُ
الغَنَمِ يَدْرُسُونَ الدِّيمُقْرَاطِيَّةَ البَدَوِيَّةَ في مَحكمةِ أَمْنِ
الدَّولةِ / بَعْدَ ضَياعِ الدَّولةِ وانقراضِ القَبائلِ / كُلُّ الأعلامِ
مُنَكَّسَةٌ / فَتَعَالَي يَا أُمِّي كَي نَبْحَثَ عَن رَقْمِ جُثةِ أبي بَيْنَ
الأرقامِ /
تَقَاعَدَ
حَفَّارُ القُبورِ في بَرَاري الأُغْنِيَاتِ وَالحِكَايَاتِ / فَتَعَالَوْا
نُهَنِّئ القَتْلَى والقَتِيلاتِ / أكَلَت القِطَطُ الضَّالَّةُ جُثماني في طَريقِ
السَّرابِ / لأنَّ الحُزْنَ نَسِيَ أن يَدْفِنَنِي في خُدودِ أُمِّي / تَتَسَاقَطُ
أشِعَّةُ القَمَرِ عَلى خُدودِ الشَّركسياتِ / كَمَا يَتَسَاقَطُ وَمِيضُ البَرْقِ
عَلى رُخَامِ ضَرِيحي /
أُغْلِقَ
السِّيركُ بالشَّمْعِ الأحمرِ / وَمَشَى المُهَرِّجُ تَحْتَ المطَرِ حَزِينًا /
سَيَبْكِي المُهَرِّجُ أمامَ مِرْآتِهِ في لَيْلِ العَوَاصِفِ وَحِيدًا / ذَاهِبٌ
أنا لِتَبْلِيطِ البَحْرِ / كَي أَدْفِنَ قَلْبي فِيهِ / وأزرعَ النَّعناعَ في
شَوَاهِدِ القُبورِ / والسَّرابُ التقمَ ثَدْيَ الصَّحراءِ / وَمَاتا مَعًا في
تاريخِ الشُّموسِ المكسورةِ /
ماتت
السَّنابلُ في رِئَتي / فلماذا يَحْرُثُ المَطَرُ جَسَدي كَحُقُولِ الرَّصَاصِ
الحَيِّ ؟ / أعلامُ القَبائلِ مُنَكَّسَةٌ بَيْنَ رَغْوَةِ دَمِ الحَيْضِ
وقَهْوَةِ العُشَّاقِ الباردةِ / السَّبايا مَصْلُوباتٌ على أجسادِ المُلوكِ/
والرِّياحُ تُوَزِّعُ الأوسمةَ العَسكريةَ على الجنودِ الهاربينَ مِنَ المعاركِ /
كَمَا تُوَزِّعُ الزَّوجاتُ الخائناتُ البطاطا في مَطاعمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ
/ وماتت الذِّئبةُ المَجروحةُ عاطفيًّا / وَبَقِيَ جُثْمَانُهَا في ثَلَّاجَةِ
المَطْبَخِ / وأشلاءُ اليَتَامَى تتساقطُ في صُحونِ المطبخِ كالمطرِ الحامضِ /
كالطِّفْلِ
الذي عَرَفَ أنَّ أُمَّهُ تَخُونُ أبَاهُ / كانَ تاريخُ البَحَّارةِ الغَرْقى /
بَيْنَ فِئرانِ السَّفينةِ وَفِئرانِ التَّجَارُبِ / أنا الفأرُ الذي رَفَضَ
الهُروبَ مِنَ السَّفينةِ الغارقةِ / نَحْنُ اليتامى في طُرُقَاتِ النِّسيانِ /
قَضَيْنا حَيَاتَنَا في تصحيحِ أخطاءِ آبائِنا / كُلَّمَا نَظَرْتُ في مَرايا
الخريفِ رَأيْتُ جَسَدي عَلى فِرَاشِ المَوْتِ في المساءِ البَعيدِ / أيُّهَا
الأمْوَاتُ في مَملكةِ الوَهْمِ / لا تَلْعَبُوا بأعصابِ حَفَّارِ القُبورِ/