المَطَرُ
القِرْمِزِيُّ يَسْقِي مَقَابِرَ الغُرَبَاءِ / فَيَنْمُو النَّعناعُ في ثُقوبِ
شَوَاهِدِ القُبورِ / أَنقِذْنِي يا ضَوْءَ القَمَرِ مِن أشلائي الكريستالِيَّةِ /
شَراييني مُوحِشَةٌ / وَدَمِي مُتَوَحِّشٌ / والخَنَاجِرُ التي تتكاثرُ في شَهيقي
وَزَفيري / تَرْسُمُ وُجُوهَ الأمواتِ على زُجاجِ نافذتي / والزَّوابعُ تَرْسُمُ
دُمُوعَ العَصَافِيرِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ/والضجيجُ الذي تُلْقِيهِ نَبَضَاتُ
قَلْبِي عَلى وِسَادتي يَمْنَعُنِي مِنَ النَّوْمِ/ذَهَبَ أبي إلى
المَوْتِ/وَبَقِيَ مُسَدَّسُهُ تَحْتَ الوِسَادَةِ/ذَهَبَتْ أُمِّي إلى المَوْتِ/
وَبَقِيَتْ أَسَاوِرُهَا في صُحُونِ المَطْبَخِ/
في لَيْلِ
الانقلاباتِ العسكريةِ / لَمْ يُفَرِّق الأطفالُ الذينَ يَبِيعُونَ العِلكةَ على
إشاراتِ المُرُورِ / بَيْنَ صَوْتِ المَطَرِ وَصَوْتِ الرَّصَاصِ / كُلَّمَا سَمِعْتُ
صَوْتَ المَطَرِ تَفَجَّرَتْ أصواتُ المَوْتَى في جِلْدِي/ وَرَأيْتُ في لَمَعَانِ
أظافري خُدُودَهُم التي سَيَأكُلُهَا الدُّودُ / لا أبكي على المَوْتَى / أبكي على
نَفْسِي / تَنَاثَرَتْ كُرَيَاتُ دَمِي في مَرفأ الجِرذان / كَمَا تَنَاثَرَتْ
حَبَّاتُ الرُّمَّانِ بَيْنَ قَطَرَاتِ المَطَرِ الوَهَّاجَةِ / والذِّئبةُ تنتظرُ
نُمُوَّ ثَدْيَيْهَا كَي تَفْتَخِرَ بِهِمَا في سُوقِ النِّخَاسَةِ/ وَتُتَاجِرُ
بِهِمَا في بُورصةِ الرَّقيقِ الأبيضِ / ويَجُرُّ الأطفالُ نُعُوشَ أُمَّهَاتِهِم
في طُرُقَاتِ الطاعون/ وضَفَائِرُ الغَزَالاتِ تتطايرُ بَيْنَ مَساميرِ النُّعوشِ
التي يُلَمِّعُهَا ضَوْءُ القَمَرِ / وَبَيْنَ أعمدةِ الكَهْرَبَاءِ التي
حَطَّمَهَا الإعصارُ /
قُتِلَ
النَّهْرُ في اشتباكٍ مُسَلَّحٍ مَعَ الذِّكرياتِ / قَتَلْنَاهُ وَمَشَيْنَا في
جِنَازَتِهِ / أنا المَنْفَى في أوراقِ الخريفِ / أنا المَنْفِيُّ في قَطَرَاتِ
المَطَرِ / أركضُ في شَراييني النُّحاسيةِ / وأتدرَّبُ على كِتابةِ قَصائدِ
الرِّثاءِ / وأَزُورُ أطلالَ قَلْبي في عِيدِ السَّرابِ / حِينَ تَرْحَلُ أحلامُ
الطُّفولةِ مِن قَمْحِ الغُزاةِ إلى سَنابلِ الغُروبِ / وأُحَنِّطُ أشلائي في
لَوْحَاتِ المَتَاحِفِ / حِينَ تُهَاجِرُ الشَّركَسِيَّاتُ مِن أُغْنِيَاتِ
الرَّحِيلِ إلى غَابَاتِ الشَّفَقِ /
الأُمَّهاتُ
واقفاتٌ في طَوابيرَ أمامَ الحاجزِ العسكريِّ لاستلامِ جَثامينِ أبنائِهِنَّ /
والعبيدُ واقفونَ في طَوابيرَ أمَامَ قَصْرِ المَلِكِ المَخلوعِ لاستلامِ بَراميلِ
النِّفْطِ/ وأنا النَجَّارُ الأخيرُ في مَدينةِ السَّرابِ/ جِئْتُ كَي أصْنَعَ
نُعُوشَكُم/ فلا تَكْرَهِيني أيَّتُها الرِّمَالُ المُتَحَرِّكَةُ / أنا
الحَدَّادُ الأخيرُ في مَدينةِ الوَهْمِ / جِئْتُ كَي أصْنَعَ مَسَامِيرَ
نُعُوشِكُم / فَلا تَكْرَهِيني أيَّتُها الشُّطآنُ الغارقةُ /