لا تُنَكِّسُوا
الأعلامَ/لأنَّهَا دَائِمًا مُنَكَّسَةٌ/حَفَّارُ القُبورِ مُصَابٌ بانفصامِ
الشَّخصيةِ/ فَكَيْفَ سَتَمُوتُ أيُّها الغريبُ تَحْتَ قَمَرِ الشِّتَاءِ ؟ /
الطُّيورُ المُشَرَّدَةُ تُعَقِّمُ جُثماني بِمِلْحِ البَحْرِ / والمساءُ يَحْقِنُ
الأغاني بِحَبَّاتِ المَطَرِ وقَطَرَاتِ الدَّمْعِ / فما فائدةُ أن تَرُشَّ
الإمَاءُ على مَوْتِي السُّكَّرَ ؟ /
فِرَاشُ
المَوْتِ مَنْسِيٌّ تَحْتَ أمطارِ الخريفِ/ وَذَهَبَت الأراملُ إلى المَوْتِ بلا
ذِكرياتٍ ولا شُمُوعٍ/ وَذَهَبَ القَتْلى إلى ذِكرياتِ الأراملِ بلا أوسمةٍ ولا
أرشيفٍ / وأنا الغريبُ المُحَاصَرُ في قَلْبِ الليلِ / بَيْن صَوْتِ الرَّصَاصِ
وَصَوْتِ المَطَرِ/ عِشْتُ حَيَاتي كَي أُصَدِّقَ أنَّ الحضارةَ أُكذوبةٌ / وأُؤرِّخَ
للسَّرابِ /
بَرَاءَةُ
أعشابِ المقبرةِ / وَبَكَارَةُ شَوَاهِدِ القُبورِ / وَطَنٌ ماتَ بَيْنَ السَّرابِ
والضَّبابِ / قَتَلْنَاهُ وَمَشَيْنَا في جِنَازَتِهِ / وَكَفَّنَهُ الإعصارُ
بِجَدائلِ أُمَّهاتِنا/ وأشِعَّةُ القَمَرِ تَنْهَمِرُ على رُخامِ الأضرحةِ /
دَمِي هُوَ النَّخَّاسُ الذي نَسِيَ خُدُودَ السَّبايا / وأضاعَ بُوصلةَ سُوقِ النِّخَاسَةِ
/
كَيْفَ
أَكُونُ رُومانسيًّا ؟ / العناكبُ الذهبيةُ تَسْبَحُ في أوعيتي الدَّمويةِ /
والدُّودُ يَأكُلُ جُثتي الوحيدةَ في المقبرةِ المهجورةِ تَحْتَ أمطارِ الخريفِ /
تَقَاعَدَ حَفَّارُ القُبورِ / فَتَعَالَوْا نُهَنِّئ القَتْلَى / عِشْتُ حياتي كَي
أشْرَحَ كَلامَ السَّجَّانِ للسَّجينِ / وَعِشْتُ مَوْتي كَي أُنَظِّفَ بَلاطَ
السُّجُونِ مِن دِمَاءِ النَّوارسِ / والمَوْجُ يَهْدِمُ القُصورَ الرَّمليةَ /
ويُقَدِّمُ الأطرافَ الصِّناعيةَ للأطفالِ الفُقَرَاءِ /
أيُّها
المَنبوذُ / غريبٌ أنتَ في ضَوْءِ أشلائِكَ / وَحِيدٌ أنتَ في مِلْحِ دُمُوعِكَ /
فَابْحَثْ عَن امرأةٍ تَحْضُنُ جُثْمَانَكَ / وتَبكي عَلَيْكَ بَعْدَ اغتيالِكَ /
أنا امتدادُ المَوْتِ في فَيْرُوزِ الشُّطآنِ / عِشْتُ كَي أُؤرِّخَ للأشياءِ التي
تَمُوتُ في دَاخِلِي / تَنْكَسِرُ ذِكرياتي بَيْنَ ضَوْءِ القَمَرِ وَفِرَاشِ
المَوْتِ / كَمَا تَنْكَسِرُ أُنوثةُ السَّنابلِ بَيْنَ بَرِيقِ المُسَدَّسَاتِ
وَلَمَعَانِ المَزْهَرِيَّاتِ /
في مَدينةِ
الوَهْمِ/ أتناولُ مَعَ جُثتي العَشَاءَ عَلى ضَوْءِ الشُّمُوعِ/ وَشْمُ
المِقْصَلَةِ عَلى دَقَّاتِ قَلْبي/ يَا قَلْبي الوَحِيدَ في غَابةِ النِّسَاءِ
المُتَوَحِّشَاتِ / أيْنَ الطريقُ إلى ضَرِيحِ أبي ؟ / مَاتَ أبي تَحْتَ أنقاضِ
بَيْتِنا / وَبَقِيَتْ بَصْمَةُ سُعَالِهِ في مَمَرَّاتِ الليلِ الباردةِ /