بَنَى السَّرابُ
عَرْشًا مِن زُجاجِ القِطَارَاتِ / وأنا المَلِكُ المَخلوعُ / أجْلِسُ عَلى
مَقْعَدٍ خَشَبِيٍّ في مَحطةِ القِطَارَاتِ الجليديةِ / لا أنتظرُ أحَدًا / ولا
أحَدٌ يَنْتَظِرُني /
أنا
الجُنديُّ المَجهولُ بِلا أوسمةٍ ولا مُعْجَبَاتٍ / أنا الجُنديُّ المقتولُ بِلا
أضرحةٍ ولا ذِكرياتٍ / جُثَثُ الأُمَّهَاتِ في ثَلاجةِ المَطْبَخِ / وَدَمُ
الحَيْضِ السَّاخِنُ على البَلاطِ البَارِدِ / وأشلاءُ الأطفالِ في صُحُونِ
المَطْبَخِ / قَصَفَت الطائراتُ زُجَاجَ النَّوافِذِ / وعُمَّالُ الإنقاذِ
يَبْحَثُونَ عَن الضَّحايا تَحْتَ أنقاضِ حَنْجَرَتي / أَحْمِلُ أوتادَ خَيْمَتي/
وأرْحَلُ مِن شَظَايا رِئتي إلى خُدُودِ المَوْجِ المكسورةِ / آثارُ خُطُوَاتِ
النَّوارِسِ على ثَلْجِ الدِّمَاءِ المُخْمَلِيَّةِ / والزَّوابعُ تَبني
مُسْتَقْبَلَهَا في أعشابِ المَدَافِنِ / وقُطَّاعُ الطُّرُقِ سَرَقُوا أسنانَ
النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ/وأنا الغريبُ/مُتُّ قَبْلَ مِيلادي / وُلِدْتُ بَعْدَ
مَوْتي /
صَوْتُ
المطرِ يَتَدَاخَلُ مَعَ صَوْتِ الكَمَانِ في المساءِ الحزينِ/ وَصَوْتُ الرَّصاصِ
يُمَزِّقُ قَلْبَ الليلِ/ لا أبناءَ لي أُوَرِّثُهُم فَيْرُوسَ الحضارةِ القاتلَ/
لا أبناءَ لي أُوَرِّثُهُم جُرْثُومةَ الوَطَنِ القاتلةَ / فَكُنْ رُومَانسِيًّا
يا حَارِسَ المَقبرةِ / حِينَ يَتَزَوَّجُ الخريفُ أشجارَ المقبرةِ / كُنْ
عَاطِفِيًّا يا حَفَّارَ القُبورِ / حِينَ يَغتَصِبُ الصَّدَأُ بَوَّابَةَ
المقبرةِ / البَحْرُ سَجَّاني وشَقِيقُ حُزني في المساءِ الغريقِ / وأنا أَسْبَحُ
في دِمَائي بِلا طَوْقِ نَجَاةٍ/وأركضُ في الليلِ تَحْتَ الأمطارِ الأخيرةِ كَي
أُؤرِّخَ للمَوْتِ/انكَسَرَتْ عُرُوشُ السَّرابِ/ والحَمَامُ الزَّاجِلُ يُفَتِّشُ
عَن الرَّسائلِ الغَرَامِيَّةِ / التي كَتَبَهَا الخُلَفَاءُ المَهْزُومُونَ
للجَوَاري تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ / وَفَوْقَ خَشَبَةِ الإعدامِ /