في لَيالي الشِّتاءِ
الحزينةِ/ يُرْشِدُني وَمِيضُ البَرْقِ إلى قَبْرِ أُمِّي / وأُرْشِدُ
النَّوَارِسَ إلى عِظَامِ الغَرْقَى/ ضَائِعٌ أنا بَيْنَ أنقاضِ قَلْبي وأنقاضِ
بَيْتِي / تائِهٌ أنا بَيْنَ حُطَامِ رُوحِي وَحُطَامِ سَفِينتي/ سَلامًا أيَّتُها
الشَّركسياتُ السَّائراتُ في أدغالِ دَمِي تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ/ البَحَّارَةُ
يَشْكُرُونَ الرُّبَّانَ بَعْدَ غَرَقِ السَّفينةِ / والخَنْجَرُ المَسمومُ بَيْنَ
الرِّئَتَيْن / لَكِنِّي أمشي إلى ذَاكِرَةِ البَحْرِ في الليلِ الرَّهيبِ /
لا تَحْزَني
عَلَيَّ يا أُمِّي / سَتَكُونُ جُثتي خَضْرَاءَ كَطَحَالِبِ المُسْتَنْقَعَاتِ/
كَأنَّني أطلقتُ الرَّصاصَ على صُورتي في مَرايا الخريفِ / أعلامُ القَبائلِ
مُنَكَّسَةٌ / وَقَطِيعُ الغَنَمِ يَتَعَلَّمُ الدِّيمُقْرَاطِيَّةَ البَدَوِيَّةَ
تَحْتَ بَسَاطِيرِ العَسْكَرِ / لا مَرَايَا في بَيْتي كَي أرى فِيها شَاهِدَ
قَبْرِي / وأنا المُهَاجِرُ في أشلائي / أعْشَقُ السِّباحةَ في دَمِي الأخضرِ /
لأنَّ في عُيونِ الشَّركسياتِ كُلَّ أحزانِ المرافئِ البَعيدةِ /
كُنْ
رُومَانسِيًّا يا حَفَّارَ القُبورِ / إنَّ أشجارَ الكَرَزِ تُزَيِّنُ طَرِيقَ
المقبرةِ / وذاكرتي هِيَ المَوْتُ البَطِيءُ / يَقْتُلُنِي الحنينُ إلى ذِكرياتِ
الطفولةِ تَحْتَ ظِلالِ المقاصلِ / وُلِدْتُ كَي أَمُوتَ / وَمُتُّ كَي أُولَدَ /
تَنْكَسِرُ الحضارةُ كَمَزْهَرِيَّاتِ الشِّتاءِ / وأظافرُ البُحَيرةِ تُشْبِهُ
شَظَايَا القُلوبِ المكسورةِ /
طُيُورُ
البَحْرِ تُغنِّي عِندَ احتضارِ البَحْرِ / والنَّهْرُ غَيْرُ مُتَأكِّدٍ مِن
عَدَدِ الرَّصاصاتِ في جَسَدِ البُحَيْرَةِ/ والأحزانُ تَنبعثُ مِن صَوْتِ البيانو
المَنْسِيِّ تَحْتَ المَطَرِ / والجَثَامِينُ مَا زَالَتْ مُلْقَاةً على الطُّرُقَاتِ
القَذِرَةِ / تَنْهَشُهَا الكِلابُ والجِرذان / وأنا الغريقُ في دَمِي المالحِ /
لَكِنِّي أَصْنَعُ مِن عِظَامِ البَحَّارَةِ الغَرْقَى أطرافًا صِنَاعِيَّةً
لأيتامِ قَرْيتي / التي اغْتَصَبَتْهَا أعقابُ البَنَادِقِ وفُوَّهَاتُ
المَدَافِعِ /
لا تَكْرَهِيني
يا سَنابلَ الغُروبِ / حَبْلُ مِشْنَقتي مِن زَهْرِ اللَّوْزِ / ونَصْلُ مِقْصَلتي
مِنَ الكَهْرَمان / سَلامًا أيَّتُها النِّساءُ السَّائراتُ في جِنازتي / صَوْتُ
البيانو تَحْتَ الأمطارِ النُّحاسيةِ يُرْشِدُ فِئرانَ التَّجارُبِ إلى دَمْعِ
الصَّبايا على زُجاجِ القِطاراتِ / وَتَتَوَهَّجُ عِظَامُ الضَّحايا المَغسولةُ
بالذِّكرياتِ في مُتْحَفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / يا شَقِيقتي البُحَيرة /
أُمُّنَا مَاتَتْ / وماتَ مَعَهَا كُلُّ شَيْءٍ / نَضِيعُ في ليالي الخريفِ بَيْنَ
طُرُقَاتِ المطرِ وأزِقَّةِ الجِرذان / أنا النَّجْمُ الغريبُ / دَخَلْتُ في
المَدَارِ كَي أحْتَرِقَ وَحْدِي / بَعِيدًا عَن دُمُوعِ أُمِّي /