وُلد الأديب البريطاني ديفيد
هربرت لورانس (1885 _ 1930 ) في قرية إيستوود بمقاطعة نوتنجهام شاير بالمنطقة
الوسطى من إنجلترا ، لأسرة عاملة متوسطة الحال . كان أبوه من عُمَّال المناجم .
أمَّا أُمُّه فكانت على قَدْر من التعليم والثقافة بخلاف والده ، حيث عملت في
التدريس لفترة قبل زواجها . لَم تُعجبها حياة المناجم فدفعت ابنها إلى التعليم،
وقدَّمت كثيرًا من التضحيات لأجل ذلك . وكان لها كبير الأثر في نشأته ابنها
وبُنيته الجسدية والنفسية .
بعد حصوله على منحة دراسية في
مدرسة نوتنجهام الثانوية ، انتسب إلى جامعة يونفرستي كولدج في المدينة وتأهَّلَ
للتعليم . وكان لتعرُّفه على فريدا ويكلي زوجة أُستاذه في الجامعة ، وهي ألمانية
ومن عائلة فون ريشتهوفن النبيلة ، ومِن ثَمَّ هروبهما إلى ألمانيا، أثر باقٍ في
حياته ، إذ تزوَّجا عام 1914،وجابا جميع أصقاع الأرض معًا ، واستقرَّا في أماكن
متعددة ، وكانت علاقتهما خلفية العديد من رواياته.وعاد إلى بلده إنجلترا خلال
الحرب العالمية الأولى ، معَ أنه لَم يُحِبها بسبب عدم
تقبُّل الناس لكتاباته ، وعدم فهمهم لها . وتُوُفِّيَ في مصح لمرضى السُّل في
مدينة فنس الفرنسية . انفصلت أُمُّه عن والده بعد
صراعات ونزاعات عديدة، ذكرها بصورة أدبية في روايته " أبناء وعُشَّاق " ( 1913) مزجها
بما يُصيب الأبناء من قلق عاطفي وتمزُّق جراء هذه الصراعات القائمة في جو المنزل .
استأثر لورنس بحب والدته بعد وفاة أخيه الأكبر، فارتبط بها ارتباطًا وثيقًا أثَّرَ
على حياته اللاحقة، وأصبح مُمَزَّقًا بين حُبِّه لوالدته التي لا ترغب في التنازل
عنه ، والفتاة الصغيرة التي أحَبَّها ورغب في الزواج منها ، والتي انتهت لصالح
أُمِّه . ذكر ذلك في الجزء الأخير من روايته " أبناء وعشاق " .
كان ينشر أعماله باسم د.هـ.
لورنس.ويُعتبَر أحد أهم الأدباء البريطانيين في القرن
العشرين.تعدَّدت مجالات إبداعه من الروايات الطويلة إلى القصص القصيرة والمسرحيات
والقصائد الشعرية والكتابات النقدية . مِن أشهر أعماله " عشيق الليدي
تشاترلي " ( 1928) .
كتب في أدب
الرحلات ، وترجم أعمالاً
عديدة من اللغة الفرنسية إلى الإنجليزية، وله
لوحات عديدة مرسومة، وكان التأثير السلبي للحضارة الحديثة على الجوانب الإنسانية
للحياة وتجريد هذه الحياة من البُعد الإنساني ، هو محور أغلب أعمال لورانس . ويرى
بعض النُّقاد أن لورانس أسرفَ في سَوداويته ، وكذلك في الاعتماد على المشاهد
الجنسية الفَجَّة في توصيل أفكاره .
بدأ لورانس حياته الأدبية بكتابة الشِّعر والقصة
القصيرة . أمَّا روايته
الأولى فكانت
"الطاووس الأبيض" ثم توالت أعماله الروائية ، وكان أول عمل روائي كبير
يُقدِّمه هو " أبناء وعشاق " . أمَّا آخرها فرواية " عشيق الليدي
تشاترلي". والتي
أثارت ضجة كبيرة نظرًا لجرأتها في تصوير العلاقات الجنسية ، ولَم تُنشَر الرواية
كاملةً في
إنجلترا إلا مع بداية الستينيات .
استمر لورانس بالكتابة حتى أواخر
أيام حياته بالرغم مِمَّا كان يُعانيه من مرض وآلام. فقد كان شاعرًا وكاتبًا مسرحيًّا وناقدًا من الطراز
الأول وروائيًّا في المكانة الأولى. ترك ثلاثة مجلدات من الشِّعر ، وخمس مسرحيات ، وأربعة
كتب في أدب الرحلات ، وما
يملأ مجلدًا كبيرًا في النقد الأدبي، ومجلدين من المقالات العامة، عبَّر فيهما عن
كثير من آرائه في الحياة هُما: " التحليل النفسي
واللاوعي"،و"التخيُّل واللاوعي" . وله عشر روايات طويلة ، وسبع
روايات قصيرة . كتب لورنس كثيرًا قبل نشره روايته " أبناق وعُشَّاق " التي
لَم تنجح تجاريًّا إلا أنها ضمنت له الشُّهرة، وكانت أولى رواياته الناضجة. عالج
فيها العلاقات العائلية والغرامية للشخصية الرئيسية فيها،وهو الشاب بول موريل،
المتحدِّر من أسرة بسيطة في مدينة إنجليزية تعيش على مناجم الفحم، وعلاقته بأبيه
وأُمِّه، والنساء إجمالاً، إضافة إلى المشكلات التي ترافق التطور الصناعي
والاقتصادي. والرواية هي سيرة لورنس الذاتية.تلت ذلك أولى مجموعاته الشعرية "
قصائد حُب وغَيرها " ( 1913) ، وأُولى مجموعات القصص القصيرة " الضابط
البروسي وقصص أخرى "( 1914).
بدأت التعقيدات في حياة لورنس
بالظهور مع روايته " قوس
قزح " ( 1915) التي منعتها الرقابة بسبب
الإباحية . ولا عجب في ذلك في مجتمع كان لا يزال يقوم على القيم الفكتورية
المتزمتة . وتابع لورنس في " نساء عاشقات " ( 1921) التي
هاجمتها الصحافة الإنجليزية بشدة. كان لكتاباته الجريئة هذه _ على الرغم من
سلبياتها كافة _ أثر تثقيفي مهم في جيل ما بين الحربين العالميتين. لَم يكن هدف
لورنس في هذه الروايات، التي تعرَّضت وكاتبها للانتقاد والتشهير والاضطهاد
والملاحقة، الإباحية لذاتها، بل سَبْر أغوار العلاقة الزوجية بأبعادها كافة،
وإلقاء الضوء عليها على نحو مباشر وصريح.وثيمته الأساسية فيها هي نقد المجتمع
الصناعي الذي شَلَّ_ في رأيه_ قدرة الإنسان على إقامة علاقات حِسِّية طبيعية .