وُلد الشاعر الإسباني خوان رامون خيمينيث ( 1881_ 1958)
في بلدة موغير الواقعة في جنوب غرب إسبانيا. درس أول أعوامه فيها، ثم انتقل إلى
قادِس ( مدينة إسبانية ساحلية في جنوب الأندلس )، ليدرس في المدرسة اليسوعية.
وهناك تعرَّف على أسماء المواهب الناشئة في عالَم الأدب، وكتب عِدَّة قصائد ، لكنه
لَم يَنشر مِنها شَيئًا .
حصل خيمينيث على تشجيع كبير مِن قِبَل الأدباء ، وهذا
جعله يَنتقل إلى مدينة مدريد ، ويتواصل مع شعراء العاصمة . حيث نشر أول مجموعاته
الشِّعرية مُتأثِّرًا بأجواء حركة الحداثة في الشِّعر والأدب. وفي تلك الفترة
أُصيب بأعراض حادة مُتعلِّقة بأمراض نفسية ، أجبرته على العودة إلى بلدته موغير.
وفي العام نفسه تُوُفِّيَ والده، مِمَّا أدَّى إلى ازدياد مرضه، وغرقه في الأحزان،
وشُعوره بالوحشة والوَحدة في هذا العالَم. وبعد هذه الانتكاسة المرَضية،سافر إلى
فرنسا للعلاج والنقاهة، وهناك قَرأ لشعراء الحركة الرمزية الفرنسية، وقد ظَهر
تأثيرهم بوضوح في كُتبه الشِّعرية.
سيطرت الأمراض النَّفسية على حياة خيمينيث ، وألقت
بظلالها على كتاباته . وهذه القضية انتبه إليها النقاد والباحثون، فصارت أغلب
الدراسات النقدية عنه ، لا بُدَّ أن تتناول تأثير الأمراض النفسية في كتاباته
وحياته الشخصية . وقد خضع خيمينيث
لعلاج طبي مستمر في مصحة نفسية ، حتى شعر بالاستقرار النسبي، وعاد إلى مسقط رأسه (بلدة
موغير) في عام 1905 . وأثناء ذلك ، نضج فكرُه بشكل واضح ، واستطاع تطوير أدواته
الشِّعرية ، وتحسين مستوى كتاباته. فظهرت روايته وأشهر أعماله" بلاتيرو
وأنا"(1914).وهي معروفة بالعربية "حماري وأنا". وهي رواية مكتوبة
بطريقة السَّرْد باستخدام الشِّعر الغنائي ، يتحدث فيها الكاتب بطريقة شِعرية عن
حياة وموت الحمار " بلاتيرو " ، وتتكون من 138نصًّا قصيرًا .
التقى خيمينيث بحب حياته ، وهي فتاة مهتمة بالأدب تُدعى
" ثنوبيا كامبروني " ، وصارت هي الأمل الوحيد في حياته. ولَم تكن
العلاقة بينهما رومانسيةً وحالمة ، ولَم يكن طريقهما مفروشًا بالورود.لقد كان طريق
التقائهما صعبًا،وذلك بسبب الفارق العُمري بينهما،ومُعارضة عائلة الفتاة. كما أن
الفتاة لَم تكن متحمسة للزواج من رَجل انعزالي ، وشاعر مُصاب بحالات جنون وأمراض
نفسية وأوهام لا حَصْرَ لها . ولكنَّ اللقاءات المتكررة بينهما ، والنقاط الثقافية
المشتركة ، قد أزالت العقبات في طريقهما ، وسَهَّلت ارتباطهما الرسمي ، وتَمَّ
زواجهما في عام 1916 .
أمضى خيمينيث شهر العسل مع زوجته في الولايات المتحدة ،
ولَخَّصَ أحداث رحلته إلى نيويورك في ديوان" يوميات شاعر حديث الزواج"
(1917). الذي كان يُشبه اليوميات بمزيج من الشِّعر والنثر،تطرَّق فِيه لموضوع في
غاية الأهمية،وهو اعتبار نيويورك رمزًا للعصر الصناعي الجديد. مع اندلاع الحرب
الأهلية الإسبانية عام 1936 ، اختار خيمينيث وزوجته الهروبَ إلى الولايات المتحدة
، بعد أن سَهَّل لهما أحد المسؤولين السفر بجوازات دبلوماسية . في البَدْء ، أقاما
في نيويورك، ثُمَّ تَوَجَّها إلى بورتوريكو، ثُمَّ استقرَّا في كوبا لأكثر من ثلاث
سنوات.وكان خيمينيث مُتَحَمِّسًا للجمهورية الإسبانية ، لذلك لَم يرجع إلى بلده
خلال فترة الدكتاتورية . ويظهر موقفه السياسي واضحًا في إعداده كتاب متعاطف مع
الجمهورية الإسبانية بعنوان " الحرب في إسبانيا " . والذي لَم يتمكن من
نشره . وقد تحدَّث فيه عن معتقداته السياسية الداعمة لنظام الجمهورية . خلال هذه
الفترة ، عمل في أكثر من جامعة ، وكتب العديد من المقالات النقدية في الشعر
الإسباني والأمريكي اللاتيني ، وتَمَّ جمعها بعد وفاته ، وصَدرت في كتابين . كما
عمل أستاذًا زائرًا في الولايات المتحدة والأرجنتين حتى عودته النهائية عام 1951
إلى بورتوريكو ليستقر فيها بسبب تردِّي وضعه الصحي. اشتدَّت وطأة مرضه، وبدأ يمر
بحالات مَرَضية عصبية مُتكرِّرة . وكما يُقال: المصائب لا تأتي فُرادى . فقد
أُصيبت زوجته بالسرطان . وعلى الرغم من علاجها المتكرر ، إلا أن المرض قضى عليها
لتموت بعد ثلاثة أيام مِن إعلان فوز خيمينيث بجائزة نوبل للآداب عام1956. وهي التي
بذلت كُلَّ جهد ممكن خلال سنوات طويلة من أجل التعريف بزوجها في الأوساط
الأكاديمية لجائزة نوبل. وبعد رحيلها، ازداد الوضعُ الصِّحي لخيمينيث سُوءًا ، ليرحل
عن العالَم في 1958 ، ويُدفَن في منفاه الأخير في بورتوريكو بعيدًا عن بلاده التي
أحَبَّها ، ولَم تعرف قيمته. يُعتبَر خيمينيث شاعرًا مُجَدِّدًا، آمنَ بالحداثة
الشِّعرية والتجديد في الأوزان والأنماط، وتمتاز تجربته الشِّعرية الحداثية
بالحرية والتحرر والسَّعْي نحو الجمال . كانت قصائدُه الأولى ضعيفةً بسبب اعتمادها
على الشكل وتغييب المضمون ، وامتلائها بالعناصر السَّوداوية ، واعتمادها على حَبكة
لغوية قائمة على التَّكلف والتَّصنع التعبيري والأناقة الهشَّة . ولكنَّه استطاع
تطوير نَفْسِه ، وطَرأ على إنتاجه الأدبي تغيير جذري ، حيث تخلى عن التكلف
والاصطناع ، واعتمد على البساطة والأصالة اللغويتين .