وُلد الروائي الفرنسي روجيه مارتن دوغار ( 1881_ 1958)
في نويي سور سين ، وهي بلدية فرنسية في إقليم هوت دو سين ( مرتفعات السين ) في منطقة إيل دي فرانس، تقع على حدود مدينة باريس على الضفة اليمنى لنهر السين .
يُعتبَر من أبرز الروائيين الفرنسيين في النصف الأول من القرن
العشرين . حصل على جائزة نوبل للآداب في عام 1937 .
كانت عائلته ثرية، وفيها الكثير من المحامين والقُضاة. بدأ
مسيرته الأدبية شاعرًا يَكتب القصائد العاطفية ، لكن حياته انقلبت رأسًا على عَقِب
في السابعة عشرة من العُمر ، حين قَرأ _ بعد مَشورة والده_ رواية " الحرب
والسلام " للروائي الروسي الشهير تولستوي . وهذا الأمر نقله من عالَم الشِّعر
إلى عالَم الرواية .
حصل في عام 1898 على شهادة في الفلسفة ، لكنه انقطعَ عن
عالَم الفكر والأدب بسبب أدائه للخدمة العسكرية عام 1902 .وفي عام 1906 تزوَّجَ من
ابنة محامٍ، وبعدها قَرَّرَ أن يَصبح كاتبًا . وقد سمح له وضعه المادي أن يَتفرغ
للأدب .
شاركَ كجندي في الحرب العالمية الأولى.وبعد انتهائها،
بدأ في كتابة ملحمته" أُسرة تيبو " ، وهي رواية ضخمة تتكون من ثمانية
مجلدات ( وتشتمل على آلاف الصفحات ) ، وقد نُشرت في الفترة ( 1920 _ 1940 ) .
وتضمُّ الكثيرَ من ذكريات الطفولة الخاصة بالكاتب.
وهي رواية تتمتع بشعبية جارفة في الوسط الأدبي الفرنسي .
وفي هذه الرواية الضخمة، تبرز معاني الحب والسلام في مواجهة الكراهية والحرب .
وتدور أحداث الرواية حول ابنَي آل تيبو أنطوان وجاك ،
اللذين تلقَّيا تربيةً قاسيةً مِن قِبَل الأب ، وتعرَّضا لنفْس الظروف الأُسرية
والبيئية ، حيث إنهما عاشا في عائلة برجوازية تدين بالكاثوليكية ، وتعتمد على
الصرامة والحزم في التعامل مع الأبناء. ومعَ هذا ، سارَ كُل واحد منهما في طريق
مختلف ، فقد أصبح أنطوان طبيب أطفال ناجحًا ونزيهًا ، أمَّا جاك فصار متمردًا على
المجتمع ، وثائرًا على تقاليده .
لقد سَلَّطَ الكاتب الضَّوء على الطبقية الاجتماعية ،
والبرجوازية الباريسية ، سواءٌ الكاثوليكية أَم البروتستانتية . وكَشَفَ أهميةَ
قيمة التَّضحية في مجتمع ما بعد الحرب العالمية الأولى .
وقد ذهب أبعد مِن هذا ، حين دعا إلى التآخي الألماني
الفرنسي ، والمضي قُدُمًا في مسيرة السلام ، ورفض أشكال العنف ، مهما كانت الأسباب
.
ومعَ أنَّ دوغار يُعتبَر وريثًا للرواية الواقعية
التقليدية في القرن التاسع عشر ، إلا أنَّه استطاع صناعة أوصاف جديدة للرواية ،
تتعلق بتفاصيل السرد والعلاقات النفسية بين الشخصيات ، كما أنه اهتمَّ بالسياق
التاريخي للأحداث ، وحاولَ تحليل التاريخ وَفْق المشاعر الإنسانية الداخلية ،
وتقنيات عِلم النفس . وأيضًا حاولَ تحليل العلاقة بين الدِّين والحداثة ، في ظل
الفصل بين الكنيسة والدَّولة الفرنسية .
كتب دوغار الكثير من نصوص السيرة الذاتية ، ودوَّن
يومياته مُنذ الحرب العالمية الأولى ، ووصف حياته العائلية الصعبة ، كما وصف
علاقات الصداقة التي قامت بينه وبين مجموعة من الأدباء ، وذَكَرَ مشكلات الحياة
الأدبية وتقلباتها . وجُمعت الرسائل التي تبادلها مَعَ كبار الكُتَّاب الفرنسيين
مِثْل : أندريه جيد ، وألبير كامو ، إلى جانب المراسلات العامة .
تُوُفِّيَ دوغار في عام 1958 ، ودُفن في مدينة نِيس
الفرنسية .