وُلد الأديب الإسباني خاثينتو بينافينتي ( 1866_ 1954)
في مدريد . كان أبوه طبيب أطفال
مشهورًا ، وهذا دفع الكاتبَ فيما بعد إلى كتابة أعمال مسرحية خاصة بالأطفال .
بدأ
دراسة الحقوق في جامعة مدريد ، ولكن مَوت والده عام 1885 كان المنعطَف الرئيسي في
مسيرته ، الذي غيَّر مسار أفكاره وحياته إلى الأبد . فقد ورث عن والده ثروة طائلة
، فتركَ دراسته الجامعية ، ولَم يعد بحاجة إلى العمل لكسب قُوت يَومه . وتفرَّغ
تمامًا للأدب والسَّفر . زارَ فرنسا والأرجنتين وتشيلي وروسيا ومصر ومناطق كثيرة من
العالَم . وبسبب كثرة أسفاره ، صارَ خبيرًا بتقاليد المسارح الأوروبية والعالمية .
كان
بينافينتي مُولَعًا بالمسرح منذ طفولته ، وامتاز مسرحه بالسُّخرية اللاذعة
الممزوجة بالنقد الاجتماعي ، كما ظهرت في مسرحياته النَّزعةُ البوهيمية ، والميولُ
الواضحة نحو الفوضى في العلاقات الاجتماعية . واهتمَّ بالأفكار الكوميدية في الفن،
وهذا الاتِّجاه المسرحي كان سائدًا في فرنسا ، ونقله بينافينتي إلى إسبانيا ، كما
نقل كثيرًا من المذاهب الفنية الأجنبية ، وأدخلها في صميم المسرح الإسباني .
تصادمت
أفكارُه مع نظامِ الْحُكْم (السُّلطة السياسية)والكنيسةِ الكاثوليكية ( السُّلطة
الدينية )، فقد كان ملكيًّا ليبراليًّا ناقدًا للاشتراكية . وعلى الصعيد الشخصي ،
كان شاذًّا جنسيًّا ولَم يتزوج مُطْلَقًا . لذلك خضعت أعماله للرقابة خلال فترة ما
بعد الحرب الأهلية ( 1936_ 1939) . كما مُنعت بعض أعماله من العرض ، خصوصًا في
السنوات الأولى لِحُكم الجنرال فرانكو ، بسبب كَونه أحد المؤسِّسين لرابطة أصدقاء
الاتحاد السوفييتي .
نشر
في عام 1894 عملاً أدبيًّا بعنوان" عُش الغريبة "، لكنه لَم يلقَ نجاحًا
. ويعود سبب فشله إلى أن الجمهور والنُّقاد لَم يستوعبوا المفاهيم التجديدية التي
كانت غريبةً آنذاك .
وفي
عام 1896 ، بدأ يُهاجم في أعماله الأدبية الطبقةَ العُليا من المجتمع ، ولكن
حِدَّة النقد بدأت تضعف تدريجيًّا ، إلى أن انتهى إلى العِتاب اللطيف في أعماله
اللاحقة مثل " غذاء للحيوانات المفترِسة " عام 1898 .
كانت
علاقته بالمرأة شديدة الغرابة، فهو
يُصرِّح أنَّه لَم يحب امرأةً في حياته ، ومع هذا ، يُظهِر تعاطفًا بالغًا مع
المرأة في مسرحياته ، ويتعامل معها على الورق بكل رقة ونعومة .
وقد
أحبَّ في شبابه المبكِّر لاعبة سيرك ، وكتب لها أشعارًا ، لكنه أنكرَ هذا الحب ،
وزعم أنه كتب أشعاره لصديق كان يُحِبُّه .
يُعتبَر
بينافينتي المجدِّد الحقيقي في المسرح الإسباني بسبب أسلوبه السَّلِس، ومهاراته
الفنية . ومعَ أن مسرحياته لَم تشتمل على صراعات درامية عظيمة ، ولا على عذابات
مأساوية ، إلا أنه حافظ على الوسطية في الطرح ، وكثيرًا ما وقع في السطحية
والابتذال .
أوجدَ
نوعًا من المسرح الجديد القائم على السُّخرية الذكية ، والنقد اللاذع للأرستقراطية
الغارقة في العبث والمادية والنفاق ، فقد فضح عيوبَ الطبقة العليا في إسبانيا في
ذلك الوقت ، وتناولَ مشكلات الطبقة الريفية في المجتمع .
وكانت
مسرحياته تأريخًا لإسبانيا بعد سقوط المستعمَرَات.وامتازت مسرحياته بالرؤية
الواقعية، حيث أدرك أهمية أن يكون العمل الدرامي جاذبًا للجمهور ، ومُحَقِّقًا
لأحلامهم ورغباتهم ، فحاولَ جاهدًا أن يجمع في مسرحياته بين الذَّوْقِ الجماهيري
وذَوق النُّقاد .
وقد
حازت مسرحياته على إعجاب الجمهور الذي حرص على الإقبال عليها ومتابعتها ، وأثنى
بعض النقاد على أعماله ، وأشادوا بها ، كما حصل على جوائز كثيرة لا حصر لها . لذلك
كان _ بلا مُنازِع _ زعيمًا للثورة في
المسرح الإسباني . وقد لَخَّص بينافينتي فلسفته الحياتية بِقَوله : (( إذا لَم يمر الشغف والجنون ، ولو لمرة
واحدة في حياة المرء ، فما نفع هذه الحياة ؟ )) .
يُعَدُّ بينافينتي من أبرز المجدِّدين في المسرح
الإسباني في القرن العشرين . وبالإضافة إلى كَونه كاتبًا مسرحيًّا ، فقد كان
سيناريست ومخرجًا سينمائيًّا .
أصبحَ عُضوًا في الأكاديمية الملكية الإسبانية عام 1913،
وأهَّله إبداعه للحصول على جائزة نوبل للآداب عام 1922 .