وُلد الكاتب المسرحي الإيطالي داريو فو ( 1926_ 2016) في
منطقة لومبارديا شمال إيطاليا بمنطقة عُمَّالية مُعادية للفاشية . حصل على جائزة
نوبل للآداب عام 1997.
يُعتبَر من أيقونات المسرح الاحتجاجي الغاضب . تناولت
مسرحياته قضايا العُمَّال والبسطاء ، ومُنع من دخول بلدان عِدَّة بينها الولايات
المتحدة، بسبب توجُّهه الاشتراكي وانتقاداته لواشنطن. كما حُورِبَ داخل بلده
وخارجها مِن طرف المتضرِّرين مِن مسرحه الساخر ، وانتقاداته اللاذعة .
تابعَ دراسته في مجال الهندسة المعمارية ، غَير أن عِشقه
للمسرح تَحَوَّل بِه بعيدًا عن مجال الهندسة. وقد نشأ وترعرع مع مسرح الشارع ،
ودَشَّنَ مسارَه المسرحي مُنذ خمسينيات القرن العشرين ، حيث أَلَّفَ بعض المسرحيات
التي غلب عليها الطابع الارتجالي والاحتجاجي .
ويقول المتخصِّصون إِن أعمال داريو فو ذات النَّفَس النقدي
الاحتجاجي مُستوحاة من تراث الكوميديا الْمُرْتَجَلَة ، إلى جانب تجارب حديثة
بينها تجربة الكاتب الألماني بريخت .
وناقشت مسرحياته قضايا سياسية شهيرة بينها : حرب فيتنام
، واغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي ، والقضية الفلسطينية ، إلى جانب قضايا
المافيا والفساد .
تزوَّج الممثلة فرانكا رامه عام 1954، وشَكَّلَ برفقتها
ثنائيًّا شهيرًا ، وأسَّسا مَعًا عِدَّة فِرَق مسرحية بينها : " لا كومونه
" ، و "المشهد الجديد " . وسَبَّبت وفاتها عام 2013 أزمةً كبيرة له
.
اشْتُهِر داريو فو بتوجهه الاشتراكي ، وتَبَنِّيه لقضايا
العُمَّال . وما لبث أن اخْتِير لتنشيط برنامج تلفزيوني عام 1956، بعد سيطرة
اليسار على الحكومة ، غَير أن أصحاب مصانع اللحوم سارعوا إلى المطالبة بمنعه مِن
الظهور على التلفزيون بعد توجيهه انتقادات لاذعة لهم ، إِثر تفجُّر سلسلة فضائح
كان مِن أبرزها : تعليب لحم بشري لسيدة جاءت تزور قريبًا لها بأحد المصانع ، فسقطت
في آلة لتقطيع اللحم .
وبعد شَد وجذب داخل المحاكم ، نجح أصحاب المصانع في
استصدار حُكم يمنع داريو فو وزوجته مِن الظهور على التلفزيون لمدة أربعة عشر عامًا
.
قَدَّم داريو فو أعمالاً مسرحية كثيرة ، حَظِيَت باهتمام
كبير مِن أهل الفن ، لعل مِن أهَمِّها
: " الوصية السابقة : يجب أن
لا تسرق أقل من ذلك " ، و " دائمًا اللوم على الشَّيطان "، و"
الفتاة الكبرى ". وتُعتبَر مسرحية " السر الكوميدي " مِن أبرز
أعمال داريو فو .
ومُنذ عام 1969، قَدَّمَ ألف عَرْض مِنها، أحدها عام
1986بنيويورك ، وهي المسرحية التي أثارت غضب الفاتيكان الذي وصفها بأنها "
أكثر عمل مسرحي فيه كُفر وإلحاد " . وهذا ليس غريبًا ، إذ إِن داريو فو
شخصيًّا كان مُلْحِدًا .
وقد مُنع داريو فو لفترة طويلة من دخول الولايات المتحدة
لتوجهه الاشتراكي وانتقاداته لواشنطن ، ولَم يَنته المنع سِوى عام 1984، كما تَمَّ
اتهامه أيضًا بتأييد العنف ، وهي التهمة التي نُفِيَت عنه لاحقًا .
وقَدَّمَ داريو فو أيضًا : " من الطارق ؟ إنها
الشرطة " ، و " لا يُمكننا ألا ندفع .. لن ندفع " ( 1974). وقد تحدَّثت عن إضرابات المواطنين في
مُدن الجنوب الإيطالي .
واشْتُهِر أيضًا بمسرحية " موت مُفاجئ لفوضويٍّ
" ( 1970) التي تُعتبَر نموذجًا في السُّخرية السَّوداء الهادفة، كما قَدَّمَ
أيضًا " قصة نمر "( 1978)، و" ميديا " ، و" القصة
القديمة نفسها "، و" امرأة عربية تتكلم " ، وهي مسرحية ألَّفها بعد
زيارته لمخيم فلسطيني بلبنان ، حيث بَعثت إليه سيدة بشريط تحكي فيه قصتها، فأنتجَ
مونولوجًا تُؤدِّيه زوجته، مُسْتَلْهِمًا ما جاء في الشريط ، وسُرعان ما تَحَوَّلت
القصة إلى مسرحية بعنوان " فدائيون " ( 1972) .
ولعب داريو فو أدوارًا هامة في أكثر من 70 مسرحية ، جمعت
بين الكوميديا والتراجيديا والنقد الساخر ، حاكى مِن خلالها مُعاناة ومشكلات
الشعوب .
تَمَيَّز داريو فو بقدرته الفائقة على الارتجال ، وتناول
القضايا اليومية بكثير مِن السُّخرية اللاذعة التي تشدُّ انتباه المشاهدين . وقد
تُرْجِمت مسرحياته إلى 30 لغة .
وأُعلِن يوم الخميس 13 أكتوبر / تشرين الأول 2016وفاة داريو فو ، عن عُمر ناهز التسعين عامًا ، بعد أن قضى في مستشفى " ساكو ميلانو " 12يَوْمًا جرَّاء مُعاناته مِن مشكلات في الرِّئة . وأعربَ رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي عن حُزنه الشديد وأسفه لفقدان إيطاليا أحد أهم ركائزها الثقافية ، مُوَضِّحًا أن " نقده الساخر وبحثه وعمله في التصميم المسرحي وأنشطته الفنية المتعدِّدة ستظل إِرْثًا عالمِيًّا لِعَظَمَة إيطاليا " .