وُلد الشاعر اليوناني جيورجيوس سفريس(1900_ 1971)في
مدينة سميرنا(إزمير حاليًّا) على الساحل الغربي من تركيا، وتُوُفِّيَ في العاصمة
اليونانية أثينا. اسْمُه الحقيقي جيورجيوس سفريادس . تلقى تعليمه الابتدائي
والإعدادي في مَسْقَط رأسه ، وأتم المرحلة الثانوية في أثينا ، عندما انتقلت إليها
عائلته نتيجة أحداث الحرب العالمية الأولى .
في عام 1918 ، هاجرت عائلته إلى باريس ، حيث درس سفريس
القانون في جامعتها ، واهتمَّ بشكل أساسي بالأدب العالمي.عاد إلى أثينا عام1925،
وعُيِّنَ في العام التالي موظفًا في وزارة الشؤون الخارجية،وابتدأت حياته في
السِّلك الدبلوماسي، الذي أمضى فيه سنوات طويلة وناجحة.عمل في سفارة بلاده في لندن
( 1931_ 1934) ، وفي ألبانيا ( 1936_ 1938) . أمَّا في سنوات الحرب العالمية
الثانية ، فقد رافق الحكومة اليونانية الحرة إلى المنفى في جزيرة كريت ومصر وجنوب
أفريقيا وإيطاليا ، إلى أن عاد عام 1944 إلى أثينا المحرَّرة .
ثُمَّ عمل ثلاث سنوات في سفارة بلده في أنقرة ( 1948 _
1950) ، وفي لندن مَرَّةً ثانية ( 1951_
1953) ، ثُمَّ عُيِّنَ سفيرًا لليونان في بيروت ، مع امتداد صلاحياته إلى سوريا
والأردن والعراق ( 1953_ 1956) . انتقل بعدها
سفيرًا لبلده في بريطانيا ( 1957_ 1961)، وكان هذا آخر المناصب التي شغلها قبل
تقاعده . لقد أعلنَ اعتزاله للعمل الدبلوماسي ، واعتكفَ في أثينا مُرَكِّزًا على
عمله الأدبي والشِّعري .
تلقى
سفريس كثيرًا من شهادات التقدير والجوائز، ودرجات دكتوراة الشرف من جامعات كامبردج
(1960) ، وأكسفورد (1964) ، وسالونيكي (1964) وبرنستون ( 1965) .
كَوَّنت
رحلات سفريس المتعددة ، وإقاماته الطويلة في كثير من العواصم ، خلفيةً غنية
الألوان لمعظم إبداعاته الشِّعرية والنثرية، التي تمحورت موضوعاتها حول الغربة
والرحيل والتجوال والموت.
في مرحلته الإبداعية المبكِّرة التي تضم ديوان "
مُنعطَف " ( 1931) وديوان " العقل الشَّبقي" ( 1931) ، والْجُب (
1932) ، يظهر تأثره واضحًا بتيار الرمزية
الفرنسية والسريالية. وتُمثِّل قصائد كل ديوان من هذه الدواوين حلقة شعرية مترابطة
مضمونًا ، ومنفصلة شَكلاً . أمَّا ديوانه
" تقرير حياة أسطورية " ( 1935) ، فيُعتبَر ذِروة مرحلة النُّضج
الفني ، ويُمثِّل من حيث الشكل استمرارًا للدواوين السابقة ، وهو حلقة شعرية مؤلفة
من 22 قصيدة ، تستلهم رحلات التِّيه والضياع من ملحمة هوميروس " الأوديسة
" ، ولكن من دون بطلها عوليس. وتدل لُغتها الشِّعرية على خروج سفريس مِن
أَسْر الرمزية والسريالية إلى شِعر يوناني أصيل . ويَكشف التحليلُ النقدي العميق
عَن تَمَثُّل سفريس للصُّوَرية لدى تي. إس . إليوت وعِزرا باوند على نحو إبداعي ،
ولهذا يُعَدُّ هذا الديوان بحق محطة رئيسية في تاريخ الشعر اليوناني الحديث .
اتَّكأ سفريس في قصائد هذا الديوان على مجموعة أسماء من أبطال الملحمة ، رابطًا فيما بينها بإسقاطات على أحداث معاصرة، ولا سِيَّما ما يتعلق بمصير مسقط رأسه ( سميرنا ) الذي أثَّرَ فيه أكثر من أي شيء آخر ، حَسَب تعبيره . أمَّا البنية الكلية لحلقة القصائد فهي ليست روائية ولا ملحمية بل غنائية ، وقد بقيت موضوعات وهواجس هذا الديوان تشغل الشاعر في ديوان " كتاب التمارين " ( 1940) . وإلى جانب الشِّعر ، نشر سفريس كتابين ، تناولَ فيهما ماهية الإبداع الشِّعري. الأول بعنوان" حوار حول الشِّعر " ( 1939) ، والثاني بعنوان " محاولات" ( 1962). كما ترجم مجموعة من القصائد عن الإنجليزية والفرنسية، نشرها في مجموعة حملت عنوان " نُسَخ " ( 1965) . وفي عام 1963 ، نال سفريس جائزة نوبل للآداب ، " لِتَمَيُّز شِعره الغنائي الذي قُرض بمشاعر دافقة وعميقة،تُعبِّر عن ثقافة العالَم الهِلِّيني، الذي مَزج بين الشرق والغرب " . والجديرُ بالذِّكر أن تعبير الهِلِّينية يُطلَق على واحدة من الحضارات التي عرفتها بلاد اليونان في تاريخها، وهي الحضارة الثانية في الترتيب الزمني بعد الحضارة الإيجية (2100- 1000ق.م) ، وقبل حضارة العصر الهلنستي (332-30ق.م)، وهي واحدة من التسميات التي أطلقها المؤرِّخون المعاصرون على هذه الحضارة اعتمادًا على ما أطلقه اليونانيون القدامى على أنفسهم تَيَمُّنًا بجدِّهم الأسطوري هِيلِّين. وقد أصبح سفريس شاعر اليونان الأول ، فقد أدخلَ اللغة اليونانية إلى العالمية ، حيث حَمَلَ حِكمة اليونان القديمة وتاريخها وشِعرها ، وأكَّدَ للجميع أن اليونان القديمة لا تزال حاضرة بتراثها رغم مرور القرون ، وبذلك يكون قد رَبط بين الماضي العريق والحاضر الْمُعاش . في عام 1967 ، استولى الجيش اليوناني على السُّلطة في انقلاب عسكري ، وتَمَّ إنشاء مجلس عسكري حكم اليونان حتى عام 1974، ومارست السُّلطةُ الحاكمةُ القمعَ والاعتقال والتعذيب . وقد عَبَّر سفريس عن موقفه المناهض للسُّلطة من خلال كلمة بثتها هيئة الإذاعة البريطانية في آذار/ مارس عام 1969 ، وأُرْسِلت مِنها نسخة لكل صُحف أثينا . وقد استنكر سفريس في كلمته ممارسات السُّلطة العسكرية الحاكمة ، وطالب برحيلها ، غَير أنه تُوُفِّيَ في 20 أيلول من عام 1971 ، دون أن يَشهد نهايتها .