وُلِد الشاعر الإسباني رفائيل ألبرتي ( 1902 _
1999 ) في بويرتو دي سانتا ماريا قُرب قادش .
كانت عائلته من أصل إيطالي تحترف صناعة النبيذ في قادش . وكان يعيش طفولته
بشكل حُر حتى تَمَّ قبوله في الكلية اليسوعية سان لويس غونزاغا ، حيث تلقى تربية
صارمة وتقليدية .
بدأ جو الانضباط يتعارض مع روح الشاب
المتحررة ، وهذا أدى إلى ضعف أدائه الأكاديمي ، فتمَّ طرده في عام 1916 بسبب سوء
السلوك . ولَم يتجاوز السنة الرابعة من المدرسة الثانوية .
في عام 1917 ، انتقل إلى مدريد مع عائلته ، وقرَّر
متابعة مهنته كرسَّام، وبرهنَ بأعماله عن قدرة كبيرة على التقاط الجمالية الطليعية .
واستطاعَ عرض أعماله في أتينيو
دي مدريد . وفي
عام 1920 ، تُوُفِّيَ والده . وقد كتب
أمامَ جُثته الممدَّدة أبياته الأولى .
يُعَدُّ ألبرتي
من أشهر الشعراء السرياليين في إسبانيا وأكثرهم إنتاجًا . وكان الشِّعر عنده تعبيرًا
عن المشاعر الإنسانية التي تجمع السعادة والألم، والهناء والعذاب، والسخط والإعجاب
.
تأثرَ ألبرتي بالشعراء الغنائيين في القرن
الخامس عشر، وحذا حَذْو الشعراء الذين اختاروا الشِّعر الشعبي . وكان يهدف إلى رفع
الأدب الإسباني إلى مصاف الآداب العالمية . وقد جمع بين هوايتَي الرَّسم والشِّعر،
فجاءت لوحاته شعرية وقصائده تصويرية ، واتَّسمت كتاباته بالأصالة والعفوية والصدق
.
توجَّهَ ألبرتي في الخامسة عشرة من عُمره
إلى مدريد ، وانكبَّ على التصوير باحثًا عن أستاذ له في متحف برادو. وتلقى مبادئ
الشعر والموسيقى العصرية عن رُوَّادها .
واكبَ شِعره تجربته الشخصية ، وكان لنشأته
بين اليسوعيين وتأثره بالكاثوليكية أثر في كتابه
" الرَّجل الذي لا تسكنه الأرواح " . وحازت قصائده الأولى التي
تناولت قصة حياته في " بَحَّار على اليابسة " ( 1925 ) على الجائزة
الوطنية للآداب . وأصبح شخصية بارزة في الشِّعر الغنائي الإسباني . أمَّا كتابه
" فجر المنثور " ( 1928 ) فكان مثالاً للشِّعر الشعبي التقليدي .
أراد ألبرتي أن ينهض بالشعر مقتديًا بأستاذه
غونغرا فكتب"الجير الحي" ( 1926_1927). وفي كتابه " مواعظ " (
1929 _ 1930 ) تحدَّى مجتمعه الذي رأى فيه مصدرًا للشر .
انتهت أزمته النفسية بزواجه والتزامه
السياسي الكامل ، إذ تفرَّغَ لأدب النضال. وأحيا عند اندلاع الحرب الأهلية في عام
1936 ، الأنشودةَ التقليدية التي تجمع بين السرد الملحمي البطولي والكتابة المأساوية
والنشيد الحماسي . وخلال فترة الحرب الأهلية ، كان ألبرتي عضوًا في تحالف المثقفين
لمناهضة الفاشية . وبالنسبة إليه ،أصبح الشعر السلاح اللازم لهز الضمائر ووسيلة
لتغيير العالَم . اشتركَ ألبرتي مع الجمهوريين في الحرب
الأهلية الإسبانية، وهرب إلى فرنسا بعد الحرب. ساعده
صديقه الشاعر بابلو نيرودا على الذهاب إلى الولايات
المتحدة الأمريكية ، فالأرجنتين حيث استقرَّ .
كتب مجموعته الشعرية " بين القرنفل
والسيف "( 1941 ) ، وظلَّت ذكرى وطنه تلازمه . عاش ألبرتي من لوحاته،في حين
كان الشِّعر هوايته المحبَّبة إلى نفْسه كما تشهد مجموعته " أناشيد وأغانٍ على الشاطئ
" ( 1954 ) ، وبقي شِعره حتى عام 1930 تعبيرًا
عن الذات ، إذ إن موضوع إسبانيا في ظل حُكم بريمو دي ريبيرا لَم يَسْتَهْوِه .
وكان الأدباء في ذاك العصر يجابهون المشكلات السياسية والاجتماعية بحدَّة ، إضافة
إلى خضوعهم لرقابة صارمة .
وقف ألبرتي أعماله خلال الفترة ( 1930_ 1931
) على خدمة قضية الطبقة الكادحة ، فانضمَّ إلى الحزب الشيوعي ، ومثَّلت كتاباته
المسرحية صراعه مع قوى الشر ، ومع مجتمع الآلة العدائي الطبقي . وقد عرَّف ألبرتي
أعماله بأنها تمثيلية دينية لا تحوي أسرارًا، فيها تصرخ الشخصية المسرحية حاقدة
على حياتها ، مُنكِرة حرية الإرادة والاختيار لدى الإنسان .
وعالج الشاعر موضوع ثورة الإنسان على القوى
العمياء ، التي تفرضها القيم السياسية والاجتماعية والأخلاقية والدينية مُعرقِلة
تكامل شخصيته ، وخَلُصَ إلى أن البشرية تعيش مأزقًا ، وأن الماركسية هي المخرج.