وُلِد الأديب وعالِم الرياضيات الإسباني خوسيه إتشيغاراي
( 1832 _ 1916 ) في مدريد، لأسرة تنتمي إلى أصول باسكية . حصل على جائزة نوبل
للآداب عام 1904 بالاشتراك مع الكاتب الفرنسي فردريك ميسترال.
درس إتشيغاراي الهندسةَ ، ولمعَ فيها ، ثم عمل
مُدَرِّسًا لعلوم التقنيات المتعددة بين مدريد وباريس . ثم قام بتدريس الفيزياء
الرياضية . وقد عُيِّن في بلاده وزيرًا عقب ثورة 1868 في إسبانيا ضد حُكم الملكة
إيزابيل الثانية ، لكنه ترك الْحُكْم بعد انتهاء الثورة ، وهرب إلى فرنسا . ثم عاد
في ثمانينيات القرن التاسع عشر مرة أخرى إلى مدريد ، وعمل وزيرًا للمالية . وأصبح
عضوًا في الأكاديمية العلمية ، بالإضافة إلى عضويته في الأكاديمية الملكية للغات .
وهذه السيرةُ قد تكون مناسبة للحصول على جائزة نوبل عن
إنجازات عِلمية ، لكنَّ الشغف الحقيقي لإتشيغاراي كان المسرح . فهو حبُّه الأول
منذ طفولته المبكرة .
وفي عام 1874 عُرضت مسرحيته الأولى " بطاقة من
الشيكات " ، وذلك باسم مستعار هو
" خوسيه هاياسكا " وذلك أثناء عمله وزيرًا للأشغال العامة .
وربما يكون هذا هو السبب لاختيار اسم مستعار . فالأفكارُ الواردة في المسرحية قد
تُؤثِّر على حياته السياسية ومنصبه الحكومي ، لذلك آثرَ اختيار اسم مستعار يَختبئ
وراءه ، وذلك لحماية مسيرته السياسية من أي تأثير سلبي أو ردود فِعل غاضبة. ثُمَّ
تتابعت مسرحياته، ومنها : " جنون أم ظاهرة صحية " ( 1877) ، " صدر
الموت " ( 1879) ، " الموت على الشفاه " ( 1880) . وهي جميعًا
منشورة باسمه الحقيقي ، وقد بلغ إنتاجُه 64 مسرحية ، وكتابَيْن مُتَرْجَمَيْن .
تنتمي مسرحياته إلى الرومانسية
الجديدة ، والميلودراما الاجتماعية . وقد صِيغت هذه المسرحيات في إطار من الحيوية
الدرامية ، وبلاغة اللغة ، وسلاسة الحوار . بالإضافة إلى فقر التحليل النفسي ,
والالتزام الأيديولوجي . والموضوعات الرئيسية في هذا المسرح كانت تتمحور حول الحب
، والشرف ، والدِّين ، والتعصب ، والروح .
ويقول برنار
سيسه أحد
المتخصصين في الأدب والبحث الإسباني : (( إن مسرح هذا المؤلف قد عرف كيف يكسب
جمهوره ، رغم أن أغلب جمهور مسرحيته " بطاقة من الشيكات " كانوا من
أبناء الطبقة الراقية ورجال الفكر )) .
وقد كان إتشيغاراي محظوظًا وهو يرى عمالقة المسرح
الإسباني يقومون بأداء شخصياته، مِثْل: أنطونيو فيكو
، رفائيل كالفو ، إليزا مندوثا ، ماريا جوريرو .
وتنتمي أعماله الأولى إلى المسرح التاريخي مثل
مسرحيته " زوجة المنتقم "و" قبضة السيف". وهي مسرحيات عن الحب
الضائع ، الذي تنسال الدماء بسببه ، فتتناثر الجثث ، ويصيب العار الأطفال ،
فينتحرون وينتحبون .
ومسرحية " صدر الموت " تُبرز قضية الموت حرقًا ، وذلك في عصر محاكم التفتيش . وفي مسرحية " جنون أم ظاهرة صحية " نرى رَجلاً من أبناء العامة ، وقد صُدم في ابنته عندما أحبَّت رَجلاً لا ينتمي إلى طبقتها الاجتماعية . لذلك يذهب وراء هذا الرَّجل ليتقصى أصْلَه ، حتى يعرف أنه ابن لخادم قديم . ولا يسعى الرجل إلى إفشاء السر ، لكن يكفيه أنه قد عرفه . ومِثْل هذه المسرحية وغيرها مليئة بالتناقضات والمواقف المتباينة .
أمَّا مسرحية " جاليه الأكبر " المنشورة عام 1879 فهي أهم أعماله . ويقال إنه قد حصل على جائزة نوبل من أجلها . وهي من ثلاثة فصول ومُصاغة شِعرًا ونثرًا . وتقع أحداثها في مدريد في القرن التاسع عشر . والبطل إرنستو هو المتحدث الرسمي بِاسْمِ المؤلف ، يتكلم عن أبرز مظاهر الحياة في تلك الآونة . وإرنستو هو ربيب للنبيل خوليان . وهناك مواجهة دامية بين إرنستو وبين أخيه بالتَّبني سفيرو ، خاصة بعد أن يموت الأب في ظروف غامضة. ووسط قصة حب تربط بين إرنستو والفتاة تيودورا تدور مجابهة بين الأخوين . وقد اتفقت جميع آراء نقاد المسرح أن هذة المسرحية كانت بمثابة نقظة التحول في المسرح الإسباني . ورغم المسرح الدرامي الذي برع فيه خوسيه إتشيغاراي ، إلا أنه كتب أيضًا مسرحيات كوميدية ، مِثل : " ناقد مبتدئ " التي كتبها عام 1901 ، وتُعتبر مثل هذه الأعمال الكوميدية بمثابة محاولات عابرة في حياه الكاتب . فقد كان خوسيه مُعْجَبًا كثيرًا بمسرح هنريك إبسن ، حيث تدور الأحداث غالبًا وسط أروقة العالَم البرجوازي الذي تُهدِّده مشاكل تنخر فيه. لذلك ، فاللغةُ في هذه المسرحيات خاصة جِدًّا في مفرداتها ، وتخلط بين العَظَمة والبساطة.