وُلِدت الروائية
الإنجليزية جورج إليوت " اسمها الحقيقي ماري آن إيفانز" ( 1819_ 1880)
في قرية شيلفرز كوتن في مقاطعة ووركشر في إنجلترا ، لأسرة محافظة مِن أتباع
الكنيسة الميثودية ( المنهجية ) .
انتسبت إلى
مدرسة " السيدة ولنغتون للبنات " عام 1828 ، حيث تأثرت بإحدى الموجِّهات
التي أسهمت في تعميق نشأتها الدينية، لكنها اضْطُرَّت إلى ترك المدرسة ،
واستكمال دراستها في البيت على يد أساتذة اختصاصيين ، بسبب مرض والدتها ووفاتها ،
وقد كان لذلك بالغ الأثر في نفسيتها، ومِن هنا وَجد الألم الناتج عن غياب عاطفة
الأمومة من حياتها طريقه إلى رواياتها .
كانت نقطة التحول الرئيسية في مسار حياتها ،
انتقالها مع أبيها من مسقط رأسها إلى بلدة كوفنتري عام 1841 . وقد أثمر انفتاحها
على هذا العالَم الجديد صداقات مع بعض المفكرين الراديكاليين (المتطرفين) ، مِمَّا
أسهمَ في توسيع مداركها وأُفق تفكيرها.
كان أحد معارفها الجدد شارلز هينيل ، صاحب
كتاب " تساؤل حول أصل المسيحية " الذي نُشِر عام 1838. وقد استحوذَ
موضوع الكتاب على اهتمامها، وأطلقَ التساؤلات في ذهنها حول الدِّين ، وتمخَّضت
قراءاتها الكثيرة عن إعادة نظرها في مُعتقداتها الدينية ، وفقدان انتمائها الديني
نتيجةً ذلك ، واتخاذها موقف " اللاأدرية " . وأدَّى موقفها هذا إلى
تصدُّع علاقاتها الأسرية.
وتَدَارُكًا منها للآثار السلبية لهذا
التصدع ، توصَّلت وأسرتها إلى حَل وسط ، تعيش إليوت بمقتضاه ازدواجية، فتحتفظ
بأفكارها التحررية لنفسها ، وتمارس العبادات ظاهريًّا فقط أمام الناس في الكنيسة
أيام الآحاد .
كانت وفاة والدها عام 1849 مبعثًا للخوف من
الآثار السلبية التي يمكن أن يُولِّدها غياب ما أسمته " التأثير الكابح
"، وخَشِيَت أن تمتلئ الفجوة _ التي خَلَّفها مَوته _ في كيانها بأفكار
شيطانية ورغبات حِسِّية . وانتقلت إلى لندن عام 1851 حيث شغلت منصب مساعدة رئيس
تحرير دَوْرية ذات اتجاه راديكالي تحمل عنوان " وستمنستر ريفيو " .
تعرَّفت على الناقد والكاتب الصحفي جورج
هنري لويس ، عن طريق صديقها الفيلسوف هربرت سبنسر . وكان هذا مُنْعَطَفًا مُهِمًّا
في حياتها الشخصية والأدبية ، إذ ربطها بلويس علاقة غير شرعية ، لعدم قدرته على
الزواج منها ، بسبب إسقاطه لحقه في الطلاق مِن زوجته الشرعية .
انطوى اختيار إليوت لعلاقة لا يُقيِّدها
الزواج التقليدي على تَحَدٍّ صارخ للأعراف ، مِمَّا عرَّضها لحالة نَفْي واحتقار
مِن المجتمع الفكتوري والأسرة . وكان لويس مُلْهِمًا لها وحافزًا على إبداعها، وقد
رأى بعضهم أن اختيارها لاسمه الأول واستخدامه اسْمًا مُستعارًا لها بَدْءًا من عام
1857 ، يُشير إلى إعادة تعريفها الشخصي للعلاقة الزوجية ، وفسَّر آخرون استخدامها
لاسم رجل بأنه محاولة للهروب من الأحكام القاسية وغير الموضوعية التي يمكن أن
يُطْلِقها مجتمع ذُكوري على كاتبة تنتمي إلى الجنس الأنثوي . كان موت لويس عام
1878 ضربةً قاسية أفقدتها الرغبة في الحياة ، إلا أنها ما لبثت أن تجاوزت الأزمة ،
وتزوَّجت مِن جون وولتر كروس، وهو رَجل أعمال ثري يَصغرها بعشرين عَامًا. شَعَرت
إليوت بالارتياح لِكَوْن علاقتها بالجنس الآخر قد أخذت أخيرًا صبغة شرعية، أمَّا
المجتمع الفكتوري الذي أقصى إليوت الْمُتَحَدِّية طويلاً، فقد وجد صعوبة في قبول
موقفها التقليدي الجديد. ودام زواجها ستة أشهر، وانتهى بموتها ودفنها قرب لويس بعد
أن رفضت السُّلطات المعنية دفنها في زاوية الشعراء في كنيسة وستمنستر بسبب ماضيها
السَّيئ. مِن أبرز رواياتها " آدم بيد "، وهي باكورة إنتاجها الأدبي عام
1859، وتتمحور الرواية حول تأثير الكنيسة الميثودية في الطبقات الدنيا. وفي هذه
الرواية تعترف امرأة بقتل طفلها تحت تأثير سيدة مُتَدَيِّنة . وقد شهد عام 1860
مولد روايتها الثانية " الطاحونة على نهر الفْلوس " ، ويبدو فيها
جَلِيًّا تأثير الفكر الدارويني على إليوت، إذ تتناول الرواية موضوع معركة البقاء
. وفي عام 1861 ، كتبت رواية " سايلاس مارنر" التي تنطوي على موعظة
أخلاقية من سردها لقصة حائك بخيل يعيش على هامش بلدة ويعبد الذهب ويُكدِّسه،
ويخضع فيما بعد لامتحان قاس حين يُسْرَق ذهبه منه .