وُلد الأديب البريطاني
جوزيف روديارد كِبلينغ ( 1865_ 1936) في بومباي بالهند ، التي كانت آنذاك جُزءًا
من الإمبراطورية البريطانية ، وكان والده فنَّانًا وعالِمًا . وقد تعهَّد الخدم
الهنود كبلينغ بالرعاية ، فدرس على أيديهم اللغة الهندوستانية ( وهي تسمية قديمة
للغة الأردية ، كان يستخدمها الإنجليز خاصةً ) ، ثم درس اللغة الإنجليزية .
وعندما بلغ
الخامسة ، أرسله أبواه إلى المدرسة في هامبشاير بإنجلترا ، وعاشَ مع وصيٍّ عامله
بقسوة بالغة أثَّرت في الطفل سلبًا ، وقد عبَّر كبلينغ عن تجارب طفولته التعيسة في
بعض قصصه .
وفي
سن الثانية عشرة التحق بكلية الخدمات المتحدة في ديفون بإنجلترا . وكانت هذه
المدرسة قد أُنشئت بشكل خاص لتعليم أبناء الضباط العسكريين ، الذين لَم يكونوا
قادرين على الالتحاق بالمؤسسات التعليمية ذات التكاليف المرتفعة .
وكتب كبلينغ عن هذه المدرسة في مجموعة قصصية
بعنوان " ستولكي وشركاه " ( 1899 ). وقد تحمَّل التخويف والنظام الصارم
في المدرسة ، وأقام صداقات ، وطَوَّرَ قدراته الأدبية . وفيما بعد اعتبرَ كبلينغ
هذه المدرسة نموذجًا لتدريب قادة المستقبل البريطانيين .
وعندما بلغ
سن السابعة عشرة ، رفضَ عرض والديه لإلحاقه بالجامعة ، وعادَ إلى الهند، وعمل
مُوظفًا في صحيفة الجازيت التي كانت تصدر في لاهور ( في باكستان الآن ) . وعلى
الرغم من ضغوط الوظيفة ومتاعبها، بدأ كبلينغ في كتابة القصائد والقصص القصيرة .
ونشر العديد من أعماله الأدبية في الجريدة التي يعمل فيها.
وفي عام
1889 ، سافرَ إلى إنجلترا للعمل مراسلاً
للجريدة ، وبعد وصوله بوقت قصير نشرت جريدة التايمز اللندنية ذات الشُّهرة
العالمية في ذلك الوقت نقدًا امتدحت فيه كتاباته . وقد كان هذا النقد أول وأهم
اعتراف به ككاتب . وفي عام 1892 ، انتقلَ إلى الولايات المتحدة ،
وكتب هناك روايةً بالاشتراك مع صديقه الأمريكي بالستير . لكنَّ كتابهما لَم يَعرف
طريقَ النجاح .
وفي نفْس العام تزوَّج كبلينغ مِن أخت صديقه
بالستير . وعاش الزوجان في فيرمونت إلى أن انتقلا إلى إنجلترا سنة 1896 . يُعتبَر كبلينغ من أهم كُتَّاب القصة القصيرة ،
وتُعَدُّ قصص الأطفال التي كتبها من كلاسيكيات الأدب العالمي . وتبرز في رواياته
موهبته السردية القائمة على التقاط اللحظة ، والتصوير الفني الدقيق . وقد شملت
موهبته الأدبية النثر والشِّعر معًا .
تتناول
معظم أعمال كبلينغ الأولى عَظَمة الإمبراطورية البريطانية،والإشادة بالجنود
البريطانيين، وتصوير عُمَّال الحكومة كأبطال ، ووصفهم بأنهم ناشرو العدل والازدهار
والحضارة في البلاد البعيدة ، وتمجيد النَّزعة الاستعمارية التي كانت تُمثِّل
العقيدة السياسية لبريطانيا . وهذه المبادئ تتجلى في مجموعاته القصصية : حكايات
بسيطة من التلال ( 1888 )، جنود ثلاثة (1888) ، وقصص أخرى( 1889).وقد استغل مهارته
الأدبية ومعرفته بالهند لجعل كتاباته مُقنعة ومتماسكة.
كتب
كبلينغ أول رواية له : " الضوء الذي خبا " (1890) بعد عودته إلى إنجلترا
من الهند بوقت قصير. ولَم يَنَلْ هذا الكتاب شُهرةً كبيرة، لكنه أظهر أن كبلينغ
قادر على الكتابة بتعاطف عن قضايا لا علاقة لها بالإمبراطورية البريطانية .
والروايةُ تتحدث عن جندي فنَّان شاب ، يُواجِه العمى المتوقَّع،وفقدان حُب
امرأة.ويُقْدِم على الانتحار عن طريق تعريض نفْسه لنيران العدو عَمْدًا.
وحقَّق كبلينغ شهرةً عالمية ، وكسب جمهورًا
كبيرًا مِن القُرَّاء بقصصه التي كتبها للأطفال . وأشهر مجموعاته القصصية على
الإطلاق كتاب الأدغال(1894) الذي يصف مغامرات ماوكلي ، الطفل الهندي الذي يضيع في
الأدغال ، ويعيش مع عائلة من الذئاب ، وبعد مرور السنوات ، يعود ليعيش مع البشر .
وقد جعل كبلينغ الأدغال تبدو عالَمًا سياسيًّا واجتماعيًّا متكاملاً .
تعرَّض كبلينغ لحملة من الرفض والكراهية ،
وساءت سُمعته ، وصارَ شخصًا غير مرغوب فيه، لأن الكثيرين أخذوا يُعارضون الاستعمار
ورموزه ، وبدأت شهرة هذا الكاتب تنطفئ بين النُّقاد بعد عام 1910 . لقد خسر الكثير
من شعبيته بسبب تأييده للتَّوسُّع الاستعماري البريطاني . وعارضه آخرون بسبب وقوفه
ضد منح المرأة حق التصويت .
بقي كبلينغ يكتب إلى ثلاثينيات القرن
العشرين ، ولكن بوتيرة أقل ، ودون نجاح يُذكَر . وقد تُوُفِّيَ عن عمر يناهز
السبعين عامًا ، ولَم يتمكن من استعادة شعبيته التي حقَّقها في شبابه . وقد أُحرِق
جُثمانه ، ودُفن رماد جثته في رُكن الشعراء .
يُعتبَر كبلينغ أصغر فائز بجائزة نوبل
للآداب ( 1907 ) . وأول كاتب باللغة الإنجليزية يحصل عليها .
مِن أبرز أعماله الأدبية : النور الذي خبا ( 1890) ، كتاب الأدغال ( 1894) ، البِحَار السبعة ( 1896) ، القادة الشجعان ( 1897) ، عمل اليوم ( 1898) .