وُلِدَ الروائي
الفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو ( 1940_ ... ) في مدينة نيس الفرنسية ،
وقد قضى سنتين من طفولته في نيجيريا، وقام بالتدريس في جامعات في بانكوك وبوسطن
ومكسيكو سيتي . ألَّف ما يزيد على أربعين عملاً . وفي عام 2008، فاز بجائزة نوبل
للآداب عن أعماله طوال حياته ، وبصفته " مؤلف لمغامرات جديدة وشاعرية ،
ومُتعة حسية . مستكشف للإنسانية خلف وتحت الحضارة الحاكمة " .
وكان قد اشْتُهِر عام 1980، بعد نشر رواية
" الصحراء "، التي اعتبرتها الأكاديمية السويدية تُقدِّم " صُوَرًا
رائعة لثقافة ضائعة في صحراء شمال أفريقيا " .
تُعتبَر رواية " الصحراء " واحدة
من أهم روايات لوكليزيو ، وقد أحدثت طفرةً هائلة في عالَم الكتابة . وفازت الرواية
بجائزة بول موروند الكبرى مِن أكاديمية اللغة الفرنسية في عام 1980.
وهذه الرواية عبارة عن قصتين مُتشابكتين:
القصة الأقصر تحدث تحديدًا في الفترة( 1910_ 1912) . وتتحدث عن آخر انتفاضة لقبائل
الصحراء ضد الحماية الفرنسية على المغرب . والقصة الأطول هي قصة ( لالا ) ، وتحدث في وقت غير معلوم ، ولكن
على ما يبدو بعد الحرب العالمية الثانية . وتصف حياتها في وقت مُبكِّر في مُدن
الصفيح على حافة مدينة مغربية ساحلية غير مذكورة ، وخاصة صداقتها مع الحراطين ( الأحرار أصحاب البشرة السوداء ) ، والذين
يأتون من القبائل الصحراوية مِثْلها . تروي القصةُ الوقتَ الذي قضته في مرسيليا ،
وعودتها في نهاية المطاف إلى مدينة الصفيح ، حيث تلد طِفلاً مِن الحراطين .
يُعتبَر لوكليزيو مُتعدِّد الهويات ومُتشابك
الجذور بين الأب البريطاني الذي عمل طبيبًا عسكريًّا في أفريقيا ، والأم الفرنسية
مِن جُزر موريسيوش . وقد ظلَّ الروائي طيلة عقود يبحث في التباس الانتماء والهوية
، الذي وجد نفسه فيه . فقد اكتسب الجنسية الفرنسية مِن أُمِّه ، وأخذ الجنسية
الإنجليزية مِن والده . وكان يشعر بأنه مُزْدَوَج، وهذا منحه شعورًا بالغربة .
ولطالما رغب بالتخلص من هذا الشعور . لقد كان بحاجة إلى هوية مُحدَّدة بشكل حاسم .
يرفض لوكليزيو الظهور في الإعلام ، فهو صامت
ومُنعزل ومُتأمِّل ، ويَعتبر الإنسان مجموعةً من المكتسبات الثقافية ، والإرث
العائلي ، والمتغيِّرات الفكرية ، وتجارب العَيش في بلدان وأوضاع مُتغيِّرة ، وخيارات شخصية ، وكشوفات وأحلام مُتحقِّقة أو
متهاوية .
وقد صرَّح في مؤتمر صحفي عَقِب فَوزه بجائزة
نوبل : (( أنا معنيٌّ بكتابة الروايات فَحَسْب ، الأدب شغفي
الكبير ، والكتابة أهم وسيلة لمخاطبة العالَم ، وليس علينا أن نُكثِر من الكلام
أمام الإعلام ، لأن المرء قد يقول أشياء غير دقيقة )) .
يمتاز إبداع لوكليزيو بعمق إنساني ، وفيوض
شِعرية دفَّاقة ، وتجريب مُمتع ، مِمَّا جعل أعماله تُحَفًا فنية في صياغاتها
وتفرُّدها الأسلوبي الذي تجاوز ما أنجزته
موجة الرواية الجديدة في فرنسا ، لِيُحقِّق الرواية المفتوحة على الشعر والوثيقة
واليوميات والتجديد اللغوي .
احتفى لوكليزيو في
معظم أعماله بمرحلة المراهقة التي تُشكِّل وجدان المرء عبر الأخطاء والتجارب
والمآزق والأحلام ، وجعل من المراهقات وبخاصة الفتيات الغريبات المهاجرات بطلات
للعديد من قصصه ورواياته .
يَعتبر لوكليزيو أن
السمة الأساسية للرواية هي أنها غير قابلة للتصنيف ، لأنها تتناول كل شيء يمكن
تصوُّره.وبعبارة أخرى ، إن الرواية
طراز أدبي يتشكل مِن خلطة مشتبكة من الأنواع الأدبية، وهي أقرب إلى كتلة مختمرة من
الأفكار التي هي في النهاية انعكاس للعالَم الذي تتصارع فيه أقطاب متعددة ومتنافرة
.
كما أنه يَعتبر الثقافة الغربية المعاصرة
كُتلةً متراصة واحدة الاتجاه والهدف ، فهي تضع أعظم قدراتها الممكنة في جانبيها
الحضري والتقني ، وهي بهذا الفِعل تمنع تَشَكُّل وارتقاء أنماط أخرى من التعبير ،
مِثل القناعات الدينية البدائية والأحاسيس الفِطرية .
وقد أدى هذا الحال _ حَسَب لوكليزيو _ إلى
غض الطرف عن ذلك الجانب الخفي غير المستكشَف وشديد الثراء من الكائن الإنساني تحت
غطاء ثقيل مِن ستار العقلنة . وإن إدراكه لهذه الإشكالية هو ما دفعه باتجاه البحث
عن ثقافات أخرى في أماكن مختلفة مِن هذا العالَم .