وُلد الأديب الفرنسي
جان جينيه ( 1910 _ 1986 ) في باريس ، لأبوين
لَم يعرفهما . وحمل لقب أُمِّه غابريلا جينيه التي تخلَّت عنه عند ولادته.وأصبح
تحت وصاية قسم المساعدات العامة . وهي وكالة حكومية ، ولعله أمضى معظم طفولته في مَيتم
أو معهد خاص. ولكننا عمليًّا لا نعرف شيئًا عنه في سنواته الست الأولى . وفي عمر
السادسة أو السابعة أُرسِل إلى منظمة مورفان في فرنسا ، لينشأ تحت رعاية عائلة
فلاحية .
تميَّز
جينيه في مؤلفاته بأسلوب مميَّز وغني ، حيث واجه في أعماله قضايا الإنسان أمام
الشر والألم والشبقية من خلال
شخصياته الخيالية ، التي تحمل تناقضات من خلال تصرفاتها وانفعالاتها ومشاعرها داخل عوالم " جحيمية "
يُبدِع خيال الكاتب في وصفها .
تحوَّلت حياة جينيه
إلى ظاهرة اجتماعية، إلى نوع من الخرافة. أو الأسطورة مِمَّا صعَّد ردود الأفعال
النقدية تجاهها ، وبخاصة في فرنسا في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين .
وفي رأي سارتر : (( إن شعور الطفل جينيه
بالفراغ الغريب، والمعاناة، والإحساس العميق بالعَوَز وعدم الاستقرار ، لِكَوْنه
طفلاً غير شرعي . وخاصة عندما كان يعيش في مجتمع ريفي تعتمد قِيَمه على ملكية
الأرض والإرث الشرعي )) .
وفي العاشرة من عُمره
أَطلقَ مجموعة من الكبار على جينيه كلمة " لص ". كانت تجربة صاعقة جعلته
يدرك فجأة أنها من" طبيعته الشريرة "، وزاد من مأساة تلك التجربة قَبوله
إدانة الآخرين له، وتسليمه بقبول ما يراه العالَم " إنه شخص لا بد أن يكون
رديئًا ". وتوجَّه تدريجيًّا إلى ممارسة الشر والجريمة والقيام بعدة سرقات.وخلال الفترة(1933_ 1942) عاشَ جينيه
حياة الفقر والتشرد، متنقلاً في عدة بلدان أوروبية، وأمضى فترات متكررة في السجن ،
وألقت به مغامراته إلى الإجرام. مارسَ السرقة ، وباع نفسه من أجل البقاء ، واتصلَ
بأصحاب السوابق والساقطات والقَتَلة، الذين وظَّفهم بعد ذلك نماذج لشخصياته،
وامتلأت حياته بالأحداث وتجارب السجن ، وأخذت تُلقي بظلالها عليه .
بدأ الكتابة ، وأنتج معظم أعماله في زنزانة
السجن . وبشكل خاص " الرَّجل الذي حُكم بالإعدام "،وهي قصيدته الطويلة
التي نشرت عام 1942. وروايته الأولى " سيِّدتنا ذات
الأزهار" التي نُشِرت أول مرة في مونت كارلو على نفقة شخص غير معروف .
كان كوكتو
أول مَن اكتشف
جينيه، وأصبح مُعْجَبًا بأعماله الأدبية . وفي عام 1942 ، التقى جينيه سارتر ،
وتوطَّدت صداقة طويلة بينهما مبنية على عشق الحرية والاحترام المتبادل . ولولا
المساعدة الأدبية والفكرية من سارتر ، فإن جينيه ما كان ليُحقِّق نجاحه السريع
والأمن المالي النسبي الذي بدأ يتمتع به في الخمسينيات .
وفي عام 1948 ، حُكِم عليه بالسجن مدى
الحياة، لأنه اقترف عدة جرائم سرقة ولعدم إمكان إصلاحه . ولكن بتدخل من صحيفة
" النضال " ومجموعة من الكُتَّاب يقودهم كوكتو وسارتر مُنِح العفو
الرئاسي . وبعد إطلاق سراحه من السجن عام 1948 ، قرَّر جينيه التخلي عن الجريمة
تمامًا .
وفي عام 1970 ، انتقل
جينيه إلى الولايات المتحدة متحدثًا باسم السُّود في كل مكان ضد العنصرية البيضاء
. وفي الأول من أيار 1970 ألقى خطابًا حادًّا ضد الحكومة الأمريكية في حَرَم جامعة
ييل .
كتب جينيه وطَبع معظم أعماله الشعرية
والنثرية خلال الفترة ( 1944 _ 1956 ) ، ونشر سيرته الذاتية بعنوان "يوميات
لص". كما نشر عِدَّة مسرحيات ، من أبرزها"الخادمات"( 1947)، و
" جرس الموت" ( 1948 ) .
بدأ جينيه الكتابة في
عُمر الثانية والثلاثين، أو الثالثة والثلاثين، تَحَدِّيًا ضد نزيل سجن آخر، الذي
كتب القصائد ، وحاول أن يُبرهِن بها على موهبته للسُّجناء الذين كانوا يحتقرونه .