وُلِدت الروائية
الفرنسية جورج صاند ( 1804 _ 1876 ) في باريس لعائلة أرستقراطية . اسمها الحقيقي
هو : أورور دوبان .
كان والدها
ضابطًا في عهد الإمبراطورية ، واختار زوجته من الطبقة الشعبية ، فتزوَّجها سِرًّا،
وعاش في صراع حتى وافته المنية عام 1808، الأمر الذي ولَّد لدى طِفلته شُعورًا
بالاختناق، وكان السبب في تمرُّدها ، كما وصفته في ما بعد عند الحديث عن طفولتها .
تَلَقَّت تعليمها في نوهان ، جنوب غرب فرنسا
، وعاشت في كنف جدتها، ثم أُدخِلت دَيْرًا في باريس ( 1817_ 1820 ) . وعادت بعدها
إلى نوهان، وتزوَّجت عام 1822 ، ورُزِقَت طِفلين ، ولكن سُرعان ما انفصلت عن
زوجها ، لتعيش حياتَها بحرية كاملة ، مُثيرة فضائح في علاقاتها مع بعض المشاهير ،
كالشاعر ألفرد دي موسيه ، والموسيقار شوبان .
ووسط أزمات
نفسية قاسية ، كانت تبحث عن طريقها ، فوجدته مع الكاتب جول صندو ، الذي أوحى لها
باسمهار المستعار ، وكتبا معًا رواية " روز وبلانش " .
شهد عام 1832 بداية نتاج أدبي زاخر ، إذ كتبت
صاند روايتَها " إنديانا " . ثُمَّ " فالنتين " ( 1832) ، و " ليليا " ( 1833 ) .
وقد وصفت صاند في هذه الروايات الهوى الذي عصف بها ومشاعرها ، وما كانت تحمله من
تمرُّد على الأحكام المسبقة التي كان يُطلقها المجتمع .
ثُمَّ سلكت اتجاهًا آخر ، متأثرة بتصوف
وإنسانية الأديب القس لامنيه والاشتراكي لورو ، فحملت روايات هذه المرحلة نفحات
اشتراكية وصوفية ، مِنها : " موبرا " ( 1837) ، و" رفيق درب في
جَولة فرنسا"( 1840 )، و" كونسويلو " ( 1842 )، و" طَحَّان
أنجيبو " ( 1845) ، و " خطيئة السيد أنطوان " ( 1847 ) .
عندما استقرَّت في نوهان ، أولت
اهتمامًا بالقرويين ، ووصفت حياتَهم في رواياتها : " بِركة شيطانية " (
1846 )، و " فاديت الصغيرة " ( 1849 ) ، و " عازفو المِزمار "
( 1853) .
ثُمَّ انصرفت إلى تدوين ذكرياتها في "
قصة حياتي " ( 1854) ، إلا أنها عادت من جديد عام 1861 إلى الرواية الخيالية
والعاطفية في " المركيز فيلمير " .
حاولت_ في نهاية حياتها_ أن تُحقِّق حُلمها
الإنساني في نوهان ، فاتَّجهت نحو الأعمال الخيرية، ووجد القرويون فيها ( سَيِّدة
نوهان الطيبة ) .
أبدعت صاند في كتابة الرواية المثالية ، التي
كانت ترجمةً لمشاعرها وأفكارها وآرائها. وأرادت عند تغيير موقفها الأدبي من
الرومانسية ( الإبداعية ) إلى الاشتراكية والإنسانية أن تسير على خُطى الشاعرين
لامارتين وهوغو ، وتكون الناطقة باسم الشرائح الشعبية .
لَم تكتب في إطار الفن للفن ، أو في إطار الواقعية
الداعية للتشاؤم ، بل كانت كتاباتها هادفة مُدافعة عن شريعة القلب ، وعن الواقع
الأمثل الذي يُقدِّم صورة جميلة متألقة .
وقد زَخْرَفَت روايتها " بِركة شيطانية
" _ على سبيل المثال _ بمشاعر وجدت أرضيتها لدى أهل القرى وسط طبيعة هادئة
ومناخ عَطِر ، وهي تحكي قصة الأرمل جيرمان وأطفاله الثلاثة ، الذي فكَّر في الزواج
ثانيةً بعد إلحاح قريبه. وفي طريقه لرؤية أرملة تسكن في الجوار ، طُلِبَ منه أن
يصطحب ابنة أرملة فقيرة تُدعى ماري ، كما وجد على طريقه أيضًا بيير الصغير ،
وعندما أسدل الليل ستاره تاه الثلاثة في غياهبه حول بِركة شيطانية قِيل إنها
مسحورة . وتابع جيرمان طريقَه عند بزوغ الفجر، وشاهد الأرملة فنفر من الزينة
والبهرجة التي أحاطت نفسها بها، فقارنها بماري الصغيرة التي سحرته بهدوئها وطيبتها
وعنايتها ببيير الصغير ، وربطته بها عاطفة صادقة بسيطة ، فقرَّر أن لا يقترن بزوجة
سِواها .
وفي روايتها " عازفو المِزمار " ،
تصف صاند أثر الموسيقى وسُلطانها في النُّفوس البسيطة .
كانت صاند على قناعة بأن القرويين
يَسْتَشِفُّون الأمور ويَفهمونها أكثر مِمَّا يتوقعه المرء. كما مَيَّزت
الحطَّابين ، ووصفتهم بأنهم صادقون مُتعاونون وأصحاب وُد ، رغم خُشونة مهنتهم .
تتميَّز كتابات صاند
بالعاطفة المفرِطة ، وبِمَيْل أسلوبها إلى التفخيم المبالَغ فيه . وكانت حياتها
حافلةً بالنشاط الفكري والدعوة للحركات النسائية بوجه خاص ، وقد أثارت دهشة
معاصريها عندما ارتدت أزياء رجالية ، ودخَّنت السيجار . وقد تعرَّفت على كبار
الكُتَّاب في عصرها .