وُلد الفيلسوف البريطاني جورج
إدوارد مور ( 1873 _ 1958 )في لندن لأسرة متوسطة. كان أبوه طبيبًا متقاعدًا .
أثَّر مور في كثير من الفلاسفة
البريطانيين المعاصرين ، رغم إقلاله من الكتابة. ودافعَ عن نظريات الفِطرة السليمة
، وشجَّع على دراسة اللغة العادية أداة للفلسفة .
تلقى تعليمه في كلية دولويتش .
وفي عام 1892 ، التحق بكلية ترينتي في جامعة كامبردج لدراسة العلوم الأخلاقية .
وأصبح مُدَرِّسًا للفلسفة العقلية والمنطق في جامعة كامبردج ( 1925_ 1939 ).ولمدة ثلاثين عامًا تقريبًا، كان يُحرِّر مجلة العقل،
وهي مجلة فلسفية. مِن أبرز مؤلفاته: "
مبادئ عِلم الأخلاق " ( 1903 )، وطرح فيه مفهوم مغالطة المذهب الطبيعي .
والمذهب
الطبيعي مذهب يَرُدُّ الأشياء عامةً إلى الطبيعة وحدها ، ففي ضوئها يقوم بتفسير
الظواهر كُلَّها مُستبعدًا كُل مُؤثِّر يُجاوز عالَم الطبيعة . فالحياة الأخلاقية
مثلاً في تصوُّره امتداد للحياة البيولوجية ، والمثل الأعلى تعبير عن حاجات الفرد
وغرائزه. وسلوك الإنسان ومصيره عامة رهينا التأثر بعاملين طبيعيين هُما : الوراثة
والبيئة . ويقع هذا المذهب تحت تأثير نظرية داروين التي تُؤكِّد انتماء الإنسان
كُلِّية إلى نظام الطبيعة ، وتنفي صلته بعالَم ما وراء الطبيعة .
والمذهبُ
الطبيعي في الأدب يهدف إلى معالجة الموضوعات،وتسجيل الحالات الجديرة بالدراسة
طبقًا للقوانين العلمية، التي تحكم الإنسان ، وتُكسِبه أنواع سُلوكه وأفعاله
للوصول إلى الحقيقة . يُعتبَر مور أحد مُؤسِّسي التقليد التحليلي في الفلسفة .
وقادَ مسيرة الابتعاد عن المثالية في الفلسفة البريطانية، وأصبح معروفًا تمامًا
بتأييده لمفاهيم الحِس السليم ، ومساهماته في الأخلاق ، ونظرية المعرفة ،
والميتافيزيقا ، و " شخصيته الاستثنائية وشخصيته الأخلاقية " .
عُرف مور
بالدفاع عن الأخلاق غير الطبيعية، وتأكيده على الفِطرة السليمة في الأسلوب
الفلسفي. وقد كان محط إعجاب بين الفلاسفة الآخرين. ولكن مور _ على عكس زميله
برتراند راسل _ غير معروف في الغالب اليوم خارج الفلسفة الأكاديمية . مع أنه يُقال
إن تأثيره على راسل أكبر من تأثير راسل عليه. تشتهر مقالات مور بأسلوبها الواضح
والسَّلِس ، ومنهجيتها القائمة على حل المشكلات الفلسفية. وكان مور ينتقد الفلسفة
الحديثة ، لاعتقاده أنها تتناقض بشكل صارخ مع التطورات الدراماتيكية في العلوم
الطبيعية منذ عصر النهضة .
أكَّد مور أن
الْحُجَج الفلسفية يمكن أن تُعاني من الارتباك بين استخدام مصطلح في حُجَّة
مُعيَّنة وتعريف هذا المصطلح في جميع الْحُجَج . وسَمَّى هذا الارتباك المغالطة
الطبيعية .
على سبيل
المثال ، قد يدَّعي أحدهم أنه إذا كان لشيء ما خصائص مُعيَّنة ، فإن هذا الشيء
"جيِّد". وقد يُجادل آخرون بأن الأمور " السَّارة " هي أشياء
" جيِّدة ". وقد يقول البعض إن الأشياء " المعقدة " هي أشياء
" جيِّدة " . يُؤكِّد مور أنه حتى لو كانت هذه الحجج صحيحة ، فإنها لا
تُقدِّم تعريفات لمصطلح " جيِّد " .
كان أحد أهم إنجازات مور في
تطوُّره الفلسفي هو ابتعاده عن المثالية التي هيمنت على الفلسفة البريطانية ،
ودفاعه عن ما اعتبره " حِسًّا ". وفي مقالته " الدفاع عن الحِس
المشترك " ( 1925)، جادلَ ضد المثالية والشكوك تجاه العالَم الخارجي .
حاول مور كشف أسس التحليل
الأخلاقي ومشكلاته . ووَفْق مور فإن المشكلة الرئيسية في قضية الأخلاق هي مشكلة
تحليل " الخير " وتحديده. فكيف نعتبر شيئًا ما خَيْرًا ، وشيئًا آخر
شَرًّا؟. وما هي الأشياء الخيِّرة ؟ .
يرى مور أن " الخير " فكرة بسيطة لا أجزاء لها ، ولا يمكن تحليلها وتفتيتها إلى أجزاء . فالخير صفة بسيطة ، وكل تعريف له هو مغالطة طبيعية ، لأن كل تعريف له هو صفة " لا طبيعية ". فالخير لا يُحلَّل ، بل يُدرَك بالحدس ، لذلك يُعتبَر مور مؤسس النَّزعة الحدسية في علم الأخلاق .