وُلِد الشاعر
الإنجليزي جورج غوردون بايرون ، أو اللورد
بايرون ( 1788_ 1824) في مدينة لندن بإنجلترا ، وعاش حياته في أسكتلندا . وحِين
أصبح في سن السادسة عشرة، ورث لقب " اللورد " . ثم انتقلَ إلى إنجلترا
ودرس في جامعة كامبردج
.
يُعتبَر اللورد بايرون مِن أشهر الشعراء
الرومانسيين الإنجليز ، والأديب الرومانسي الوحيد الذي تَمَتَّعَ بالشُّهرة في
حياته وبعد مَماته. ينتمي لطبقة النبلاء الغنية الْمُرَفَّهة، وعاش حياةً راغدةً
ومُنعَّمة. وهذا ما جَعله مُختلفًا عن معظم الأدباء الإنجليز المعاصرين الذين
عاشوا حياة البؤس والشقاء ، كما انعكس ذلك على أدبهم ونصوصهم .
وُلِد في لندن ، إلا أنه عاش معظم سنواته
العشر الأولى مع أُمِّه في أسكتلندا بعد وفاة
والده ، فأساءت إليه بكثرة تدليلها له ، وتعنيفها إيَّاه إلى درجة تعييره بالعاهة
التي وُلِد بها .
كان عاطفيًّا ومُتَألِّقًا من الناحية
العقلية ، لكنه لَم يكن مُستقرًّا . وفي سن العِشرين مِن عُمره قرأ الفلسفة ، فأحب
سبينوزا ، وفضَّل عليه هيوم ، وأعلنَ شَكَّه في كل شيء ، مع عدم نُكرانه أي شيء !
. ولَم يكن مَيَّالاً للديمقراطية ، فلم يكن يثق في الجماهير ، وكان يخشى أن تؤدي
الثورة إلى دكتاتورية أسوأ من دكتاتورية الملِك أو البرلمان. وكان يرى بعض المزايا
في حُكم الأرستقراطيين بالْمَوْلِد ، ويتطلع إلى أرستقراطية نظيفة عاقلة مُدرَّبة
تتَّسم بالكفاءة .
دخل مجلس اللوردات في سن الحادية والعشرين،
غير أنه قُوبِل مُقابلة باردة أثَّرت في نفسه ، إلى درجة أنه عزم على الرحيل من
إنجلترا . فغادرها بعد أيام قليلة من دخوله المجلس ، وهنا بدأ عهد التنقل، إذ
ارتحل أولاً إلى إسبانيا،
ومِن ثَمَّ إلى اليونان وألبانيا التي وصفها في
النشيدين الأول والثاني من أسفار " شيلد هارولد ". ثُمَّ سافرَ إلى
تركيا ، وأقامَ في أسطنبول فترةً
مِن حياته ، حتى تحدَّث عنها في ملحمته الكبيرة " دون جوان " . حياته
الحافلة بالمغامرات الطائشة لا تقل جنونًا عَن شِعره ، حيث إنه افترقَ عن زوجته
بعد الشائعات التي راجت في إنجلترا عن ارتكابه مُحَرَّمًا مع أخته غير الشقيقة .
وعلى إثرها غادرَ بايرون إنجلترا نهائِيًّا في عام 1816م. وعندما أدانه المجتمع
الإنجليزي لإطلاقه العنان لشهواته أو لفشله في إخفائها، أعلن الحرب على النفاق
الإنجليزي أو بعبارة أخرى تظاهُر الإنجليز بالفضيلة، وراح يهجو الطبقات العُليا
المكوَّنة مِن قبيلتين قويتين ، وأدان استغلال أصحاب المصانع للعمال ، بَل ودعا
أحيانًا للثورة .
سافرَ إلى إيطاليا ، وفيها أمضى حياةً
مُطْلقةً مِن كل قيد ، تمتلئ بالعربدة والمجون . وشاركَ في الحياة السياسية
الإيطالية كراديكالي مُتطرِّف يَميل إلى الجمهورية ضد الملكية القائمة آنذاك .
هاجرَ أخيرًا إلى اليونان بعد حياة صاخبة في
إيطاليا ، وشاركَ مع اليونانيين في الحرب القائمة مع الأتراك ، غير أن الحالة
الصحية في مدينة مسولنجي اليونانية كانت سيئة ، فَأُصِيب بالحمَّى ، وتُوُفِّيَ
فيها عام 1824 في سبيل وطن غَير وطنه ! .
في عام 1807 ، صدر أول ديوان شِعري لبايرون
باسم " ساعات الكسل " ، غَير أنه هُوجِم في مجلة إدنبرة هجومًا قاسيًا ،
فَرَدَّ على هذا الهجوم بقصيدة كبيرة أطلق عليها اسم " الشعراء الإنجليز
والنُّقاد الأسكتلنديون " ، هاجم فيها كل الشعراء والنُّقاد الذين انتقدوا
ديوانه ! .
ثُمَّ تتابعت أعماله مثل الجاوور ، وعروس
أبيدوس ، ولارا، وحصار كورنثه، وفالبيرو دوق البندقية ، والسماء والأرض ،
والقُرصان ، والكثير من المسرحيات التي لَم تكتمل ، لكن يجب الإشارة والحديث عن
أهم أعماله على الإطلاق ونقطة الانطلاق الحقيقة لبايرون . وهي أسفار شيلد هارولد ،
وملحمة دون جوان .
في عام 1812 ، نشر بايرون النشيدين الأول
والثاني مِن " أسفار شيلد هارولد " ، فَلَقِيَ رواجًا هائلاً ، وسطع
اسمه في سماء الشِّعر الإنجليزي، حتى قال : (( لقد استيقظتُ ذات صباح فوجدتُ
نَفْسي مشهورًا )). ترمي القصيدة إلى تصوير أسفار وأفكار إنسان يبحث عن السعادة في
البلاد الأجنبية ، بعد أن ملأه الملل والاشمئزاز من حياةٍ كُلها عربدة .
ومِن أشهر أعماله الشعرية: " ملحمة دون
جوان ". ودُون جوان شخصية أسطورية في التراث الإسباني ، وهو زِير النساء الذي
أصبح اسمه مُرادفًا لمن يمتهن إغواء النساء والإيقاع بهنَّ . وعلى هذه الأسطورة ،
بنى اللورد بايرون ملحمته الساخرة " دون جوان " .
عدد أبيات هذه الملحمة 16064 في ستة عشر
نشيدًا. صنع اللورد بايرون في هذه الملحمة بطلاً ملحميًّا من شخصية أسطورية ، لها
نقاط ضعف تذهب به إلى تقاليد الملحمة الهزلية، وتخرج به عن تقاليد الملحمة
الكلاسيكية .