وُلد الفيلسوف
الإسباني جورج سانتَيَانا ( 1863 _ 1952 ) في مدريد . وكان والده موظفًا بسيطًا .
رَحل سانتيانا مع والدته إلى بوسطن في
الولايات المتحدة عام 1872 ، ودرس في المدرسة اللاتينية هناك، ثم في جامعة هارفارد
التي تخرَّج فيها بتفوق عام 1886 . بعد عامين قضاهما في جامعة برلين،عاد إلى
هارفارد لاستكمال الدكتوراة وصار عضوًا في هيئتها التدريسية عام 1889.
لقد نشأ وتعلمَ في الولايات المتحدة مِن
عُمر الثامنة ، ويُعرِّف نفسه على أنه أمريكي ، مع أنه كان يملك جواز سفر
إسبانيًّا صالِحًا ، وكان مواطنًا إسبانيًّا أيضًا طوال حياته .
كتب باللغة الإنجليزية ، ويُعتبَر بصفة عامة
رَجل الخطابات الأمريكي.وفي سن الثامنة والأربعين غادر سانتيانا منصبه في هارفارد
، وعاد إلى أوروبا بشكل دائم . ولَم يرجع إلى أمريكا إطلاقًا .
لَم
تأسره زخرفة الحياة الأمريكية، ولَم ينقطع عن زيارة إسبانيا وبعض دول أوربا
والشرق. ومع تفوقه في التدريس والتأليف والعمل مع أقرانه ، إلا أن الولايات
المتحدة ، ونيوإنجلند ( معقل التَّطهرية ) بوجه خاص ، كانت أبعد ما تكون عن طبيعته
وفكره .
وفي أوج نجاحه في حياته الأكاديمية، وبعد
وفاة والدته في أثناء زيارة قاما بها لإسبانيا، وعلى الرغم من العروض المغرية من
جامعته ، قرَّر البقاء في أوروبا والتخلي عن الولايات المتحدة نهائيًّا، كما رفض
أيضًا عرضًا للعمل في جامعة
أكسفورد ، وتفرَّغ للتأمُّل والتأليف، واستقر في روما بَدْءًا من عام 1924 .
كانت الفلسفة
النظرية محور
فِكر سانتيانا في حقبة ما بين الحربين العالميتين ، وكان كتابه " الرَّيبية والإيمان الروحي "
إنجازًا كبيرًا من حيث الدقة في الصَّنعة والعُمق في التحليل، وتعبيرًا عن فكر
سانتيانا أكثر من أي كتاب آخر ، وبداية لمرحلة النضج في فلسفته . شرح فيه رؤيته
حول التوصل إلى الإيمان عن طريق الحِس . وقد طوَّر هذه الأفكار في كتابه الأهم
الذي يتكوَّن من أربعة مجلدات " أنواع الوجود"( 1928 _ 1940 )،وهو دراسة
في الأنطولوجيا ( علم الوجود)، ويأخذ بيد قارئه، بلغة سهلة جذابة، عبر موضوعات
كانت تُربك قُرَّاء غَيره من الفلاسفة.وهو يحذو حَذْو أرِسْطو في التركيز
على الدور الرئيسي للمادة ( الطبيعة )، وكَوْنها سابقة على كل شيء ، وعليها يقوم
الإيمان الروحي أو الحِسِّي .
ويُركِّز أيضًا على كَون المعرفة قائمة على
فرضية وجود الروح ، إذ إن من الممكن التعالي عن الأمور المادية والوصول إلى حالة
تأملية في أي من الماهيات والتحرر من قيودها ، وهذا ما يُسمِّيه " الحياة الروحية " . وربما كانت
هذه النظرية مركزية أيضًا ، لا في فلسفة سانتَيانا فَحَسْب ، بل على صعيد حياته
الشخصية أيضًا ، ومن هنا كان عزوفه عن مظاهر الحياة المادية .
كتب سانتَيانا رواية واحدة هي "
البيوريتاني الأخير " ( 1935 ) ، حازت على رضى النُّقاد، وسيرته الذاتية في
" أشخاص وأمكنة " في ثلاثة مجلدات ( 1944 _ 1953 ) ، وتحليلاً لدور
الإنسان وللتناقضات في المجتمع الأمريكي في " الهيمنة والقوة " ( 1951 )
.
وكان يعمل في ترجمة شعر الإيطالي لورِنزو دي
مديتشي ، عند وفاته ( بسرطان المعدة ) في روما ، حيث دُفِن في مقبرتها الإسبانية .
رأى سانتَيانا أن الحقيقة مُطْلقة ، إلا أن
آفاق الإنسان المحدودة تُشوِّهها، وقال بنسبية الخير والشر، وفقًا لطبيعة
الأشخاص،وبكَوْن الفلسفة فَنًّا للتعبير عن الرؤى في القضايا الإنسانية الكبرى.
وقد اتَّخذ من المادية الجدلية مذهبًا فلسفيًّا له . وكان معتزلاً للعالَم الواقعي
، ويعيش في عالَمه الخاص ( عالَمه المثالي ) .