وُلد الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار ( 1924 _ 1998 ) في فرساي العاصمة
التاريخية
لفرنسا. درس الابتدائية في مدرسة بوفون
وولويس العظيم في باريس . ودرس الفلسفة في جامعة السوربون. وكانت
أطروحته لدرجة الماجستير بعنوان
" اللامُبالاة كمفهوم أخلاقي " .
بعد تخرُّجه شغل منصب بحثي في المركز القومي
الفرنسي للبحث العلمي. وفي عام 1950، شغل وظيفة مُدرِّس الفلسفة في قسنطينة شرق الجزائر ، وحصل على الدكتوراة في الأدب .
بدأ ليوتار حياته السياسية ماركسيًّا، وانضم
إلى جماعة تُعرَف باسم الاشتراكية في عام 1954 والتي سعت
إلى إخضاع الماركسية لنوع من النقد الذاتي الداخلي ، والمراجعة الفكرية الشاملة
لبعض مقولاتها الأساسية ، باعتبار أن تحليل تروتسكي لظهور
أنواع جديدة من الهيمنة في الاتحاد السوفييتي غير كاف .
وبذلك
كان ليوتار فردًا من مجموعة واسعة من المثقفين الماركسيين والشيوعيين الذين
انتقدوا وعبَّروا عن شجبهم للممارسات السياسية والمواقف الفكرية للحزب الشيوعي
الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية .
عمل ليوتار مراسلاً للصحيفة الصادرة عن
الجماعة نفسها في الجزائر ، وبذلك
كان قريبًا جِدًّا من أحداث حرب
الجزائر في الخمسينيات
والستينيات من القرن العشرين. وكشفت مقالاته الصحفية آنذاك عن الفجوة الفكرية
والسياسية بين الماركسية الأرثوذكسية وفكره السياسي والنظري .
مال ليوتار إلى المساءلة والتشكيك بالمبادئ
الماركسية ، وكان اعتراضه ينصب على طريقة تعامل الحزب الشيوعي الفرنسي مع الحرب في
الجزائر بوصفها ثورة البروليتاريا ضد الرأسمالية،
بينما كانت في الواقع ثورة فلاحين ومزارعين ، لا علاقة للتحليل الماركسي للصراع
الطبقي في المجتمع الصناعي الحديث بها . كما رفض ليوتار موقف الحزب الشيوعي من
انتفاضة الطلبة في فرنسا عام 1968 التي لعب فيها دورًا كبيرًا ، وجاء مساندًا
للمؤسساتية وللحكومة، وفي نفس الفترة أعلن خروجه على الماركسية بعد أن انفرط عقد
جماعة الاشتراكية،التي تركها عام 1964، وانضمَّ إلى جماعة يسارية أخرى ، وتركها
أيضًا في عام 1966 . ثم انشق نهائيًّا عن الماركسية مع ظهور كتابه " الاقتصاد
الليبيدوي " في عام 1974 .
درَّس ليوتار الفلسفة في قسنطينة في
الجزائر . وفي بداية السبعينيات بدأ ليوتار التدريس في جامعة باريس السابعة حتى
عام 1987 ، عندما أصبح أستاذًا فخريًّا .
ألقى المحاضرات خارج فرنسا ، بصورة أساسية
كأستاذ للنظرية النقدية في جامعة كاليفورنيا ، وكأستاذ زائر في عدد من الجامعات
حول العالَم من بينها : جامعة جون هوبكنز، جامعة كاليفورنيا بيركلي . جامعة
ييل ، جامعة ستوني بروك ، وجامعة كاليفورنيا بسانت دييغو ، وجامعة مونتريال في
كويبيك بكندا ، وجامعة ساولو باولو البرازيلية . وهو أيضًا مدير مُؤسِّس وعضو مجلس
المعهد العالمي للفلسفة بباريس .
اشْتُهِر ليوتار بأنه أول مَن أدخل مصطلح " ما
بعد الحداثة " إلى الفلسفة والعلوم
الاجتماعية، وعبَّر عنها في أواخر سبعينيات القرن العشرين ، كما حلَّل صدمة ما بعد
الحداثة على الوضع الإنساني . وساهم مع كل من جاك
دريدا وفرانسوا
تشالي وجيل دولوز في
تأسيس المعهد العالمي للفلسفة .
إسهامُ ليوتار الرئيسي في الفلسفة هو نقده
للحداثة ، وكتابته عن سقوط الأيديولوجيات الكبرى التي يُسمِّيها السرديات الكبرى،
ومن خلالها ينتقد فكرة التنوير نفسه، لأن كل هذه الأيديولوجيات من نتاج التنوير ،
وكُلها كان لها هدف واحد هو التحرر وتحقيق سعادة الإنسان، ولكن يرى ليوتار أنها
سقطت وفشلت فشلاً ذريعًا ، ويدعو للخروج من هذه الحداثة التي
أدَّت إلى الهولوكوست ، وهيروشيما ، وناغازاكي .