وُلد الكاتب الفرنسي
من أصل صيني غاو شينغجيان ( 1940_ ... ) في غنرهو في الصين. حصل على جائزة نوبل
للآداب عام 2000 لمجموعة أعماله التي تتميَّز بأنها ذات صلاحية عالمية ، وذات رؤية
لاذعة، وبراعة لغوية . الأمر الذي فتح طرقًا جديدة أمام الدراما والروايات الصينية.
وهو أول كاتب " صيني " يُتَوَّج بهذه الجائزة العالمية .
وخلال حفل
استلامه لجائزة نوبل ، أشاد شينغجيان بالحرية الأساسية للكاتب التي تتحدَّى
السُّلطة،وضرورة تثبيت مركزية الفرد في الحياة.وقد أزعجَ خطابُه السلطات الرسمية
في الصين، التي احتجَّت على منحه الجائزة.وفي وقت لاحق،ربطت السلطات الصينية
المؤلف بالأدب الفرنسي. تلقَّى تعليمه الأساسي في مدارس جمهورية الصين الشعبية ،
وحصل على إجازة في اللغة الفرنسية عام 1962مِن معهد اللغات الأجنبية في بكين .
مِمَّا مَكَّنه مِن اكتشاف موضوعات الأدب الغربي المعاصر وجماله الفني . خصوصًا
الأدب الفرنسي الحديث .
وخاض
شينغجيان في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، معارك فكرية انتهت به إلى
الهجرة إلى فرنسا عام 1987 ، حيث حصل على اللجوء السياسي ، ولَم يحتفل به الغرب
احتفاله بالكتاب الغربيين المنشقين، ومضى شبه مغمور، وامتهن الرسم ليكسب عَيشه . وفي عام 1998 حصل على الجنسية الفرنسية.
كان والده
مصرفيًّا ، وأُمُّه ممثلة هاوية . وهي التي دفعت ابنها إلى الاهتمام بفنون الأداء
والكتابة في وقت مُبكِّر جِدًّا .
أثارت
أفكاره التقدمية غضب الحزب الشيوعي الصيني. كما أن نظرياته الأدبية قامت على
مُواجهة عقيدة الدولة ، وانتقاد الواقعية الثورية التي نادى بها النظام . مِمَّا
عرَّضه إلى انتقادات عنيفة ، واتهامه بالخيانة ، وتَبَنِّي مشاريع مُناهَضة للدولة
والشعب .
كتب
شينغجيان مسرحياتٍ مُتأثِّرًا بِكُتَّاب مسرحيين عالميين ، مِن أمثال بريخت وبيكيت
، وأدانَ في مسرحياته سياسة القمع وتكميم الأفواه ، وقَدَّمَ هِجاءً لاذعًا
للمجتمع ، وشَنَّ حملة ضِد التلوث الروحي . لذلك ، خضعت أعماله للرقابة ، وتَمَّ
تَوصيف كتاباته بأنها ذات طابع تخريبي .
أثارَ
شينغجيان جدلاً كبيرًا ، وجذبَ اهتمام الرأي العام العالمي، بسبب كتاباته ،
واضْطُر إلى مغادرة بلاده إلى المنفى ، بعد أن تَمَّ اعتباره شخصًا غير مرغوب فيه
على الأرض الصينية .
تُعتبَر
روايته " جبل الروح " ( 1990) أشهر رواياته على الإطلاق ، وهي بمثابة
أوديسة في ريف الصين ، حيث يُفتِّش الكاتب عن جبل على حدود الخيال والحقيقة .
وخلال ترحاله الدائم يروي الأسرار والخفايا والحِكَم التي لا تزال حَيَّة في
الأذهان .
وفي هذه
الرواية العديدُ من القصص المتداخلة والشخصيات المتناقضة ، التي هي في الواقع
مرايا لبعضها البعض . إنها عملية الهروب من المدينة ، والتخلي عن الحضارة الفاسدة
، ومحاولة الوصول إلى البلاد التي لا يمكن الوصول إلَيها . وتظهر تفاصيل التيه غير
العادية ، والأساطير ، والأحلام ، والأسئلة الميتافيزيقية . وهذا السعي البشري
للجذور والسلام الداخلي والحرية ، يُوسِّع وجهات النظر ، ويُزَعْزِع قناعات القارئ
.
تُعَدُّ
رواية " جبل الروح " حَجًّا وُجوديًّا ورَوحانيًّا ، ووثيقة أدبية لا
تُشبه إلا نفسها. إنها سَفَرَان : سَفَر في الصين الأبدية ، وسَفَر داخلي يلتقي
فيه الكاتب بجبل رُوحه مِن خلال تعدد الأصوات ، والأنواع الأدبية ، والتأمل في
الذات . والجديرُ بالذِّكر أن هذه الرواية تُذكِّر الكُتَّاب بمسعى الرومنطيقية
الألمانية الهادف إلى خلق قصيدة كَونية .
كتب
شينغجيان رواية "جبل الروح" في سبعة أعوام قبل هجرته ، ولَم يَحْظَ إلا
بدار نشر فرنسية صغيرة قبلت المخاطرة بنشرها . ويقول شينغجيان إن الأدب وُلِد،
أوَّلاً من احتياج الكاتب إلى تحقيق ذاته ، وإن الحديث مع النَّفْس هو نقطة بداية
الأدب ، وإن الكاتب لا يُعبِّر عن نفسه كناطق بلسان الشعب ، ولا كَمُجَسِّد
للعدالة ، وإن الأدب لا يمكن أن يكون غير صوت فرد .
دافعَ
شينغجيان عن الحداثة في الأدب ، ودعا إلى تطوير أشكال جديدة في الكتابة ، مِثل :
تيار الوعي ، والتخلي عن الحبكة ، وتحرير الأسلوب اللغوي من تأثير السياسة .
وبعد أن
تُرْجِمت أعماله ، ونالت قبولاً واستحسانًا في السويد ، تَشَجَّع على خَوض مغامرة
الكتابة مباشرة باللغة الفرنسية ، فكانت أولى أعماله : مسرحية " على قارعة
الحياة " .