وُلِد الفيلسوف الألماني جورج
هيغل ( 1770 _ 1831 ) في شتوتغارت في المنطقة
الجنوبية الغربية من ألمانيا ، لعائلة تنتمي إلى البرجوازية الصغيرة . كان
والده موظفًا في الدولة البروسية . وكانت أُمُّه ابنة مُحامٍ في المحكمة العليا .
دخل هيغل المدرسة في سن الثالثة .
وحين دخل المدرسة اللاتينية في سن الخامسة ، كان بالفعل يعرف الأبجدية اللاتينية التي سبق أن
علَّمته أُمُّه إياها . في سن السادسة ، التحقَ بمدرسة متقدمة في شتوتغارت .
وفي فترة المراهقة كان هيغل قارئًا نهمًا ، وكان ينسخ مقاطع طويلة مِمَّا يَقرأ .
وكانت أطروحة هيغل للتخرج من الثانوية بعنوان " حالة ركود الفن والمعرفة في
تركيا " .
بعد أن أنهى هيغل دراساته
الثانوية في مدينته الأصلية شتوتغارت
، انتقل عام 1788 إلى مدينة توبينغن، ودخل كلية الإلهيات الشهيرة. وهناك،درس
التاريخ وفقه اللغة الألمانية
والرياضيات بصحبة صديقه " هولدرلين" الذي سيصبح شاعرًا كبيرًا فيما بعد.
وقد نشأت بينهما صداقة حميمة وعميقة، وصديقه الآخر " شيلنغ " الذي سيصبح
فيلسوفًا. وكانوا يتشاركون الغرفة نفسها .
أتَمَّ هيغل تعليمَه في كلية
توبينغر شتيفت ، وحصل على الشهادة اللاهوتية . ثُمَّ عمل مُدَرِّسًا خصوصيًّا
مُدَّة ثلاث سنوات لدى أسرة أرستقراطية في برن . وفي تلك
الفترة ، ألَّف كتابه الذي عُرِف فيما بعد باسم " حياة يسوع " . وكان
عنوانه الأصلي " إيجابيات الدين المسيحي " .
توتَّرت علاقته بالأسرة التي كان
يعمل لديها ، فعرض عليه صديقه "هولدرلين" العمل مُدَرِّسًا عند أُسرة
أخرى في فرانكفورت.وفي
تلك الفترة بالذات كان لهولدرلين تأثير كبير على فكر هيغل .
أثناء عمله في فرانكفورت ، كتب
هيغل مقالات مِثل:" شذرات عن الدين والحب "، و "روح المسيحية
ومصيرها " . ولَم تُنشَر هذه الأعمال في حياته . ومقال آخر بعنوان "أقدم
نظام للمثالية الألمانية " الذي يُعتقد أنه كتبه عام 1797 ، لكنه لَم يُنشَر
إلا عام 1926 .
في عام 1801 ، انتقلَ هيغل إلى يينا ( تبعد
300 كم عن فرانكفورت ) بتشجيع من صديقه "شيلنغ" الذي كان بروفيسورًا في جامعة المدينة
. عمل هيغل في الجامعة مُحَاضِرًا مُتعاونًا ( بدون راتب ) بعد أن قَدَّمَ أطروحة دكتوراة في
علم الفلك . وفي تلك السنة ، نشر هيغل كتابه الأول" الفرق بين فيخته وشيلنغ
في النظام الفلسفي". وكان هيغل يحاضر عن المنطق والميتافيزيقا، وشاركَ في تقديم
فصلَيْن دراسيين مع صديقه شيلنغ .
في عام 1805 ، قامت الجامعة
بترقية هيغل إلى منصب بروفيسور ( لكن دون راتب ) ، بعد أن أرسل هيغل رسالة إلى
وزير الثقافة غوته ، احتجَّ
فيها على ترقية الجامعة لخصمه فرايز
جاكوب فريدريش . كذلك حاولَ هيغل التَّوَسُّط ليحظى بمنصب في الجامعة الناشئة (
جامعة هايدلبرغ )، لكنه لَم يُفلِح . في حين أن خصمه " فرايز " قد
عُيِّنَ في تلك الجامعة
أستاذًا دائمًا براتب كامل .
ساءت أوضاع هيغل المالية ،
واضْطُر إلى الإسراع في إنجاز الكتاب الذي سَيُقدِّم فيه نظامه الفلسفي . وبينما
كان يضع اللمسات الأخيرة لكتابه " ظواهرية الروح " ، غزا نابليون بروسيا
في أكتوبر 1806 . ولَم يستطع هيغل إخفاء إعجابه بنابليون واحترامه له .
يُعتبَر هيغل أحد أهم الفلاسفة
الألمان ، ويُنظَر إليه على أنه أهم مُؤسِّسي المثالية
الألمانية في الفلسفة في
أواخر القرن الثامن
عشر الميلادي .
طَوَّرَ المنهجَ
الجدلي الذي أثبت من
خلاله أن سير التاريخ والأفكار يتم بوجود الأطروحة
ثم نقيضها ثم التوليف بينهما.وكان هيغل آخر بُناة المشاريع الفلسفية الكبرى في
العصر الحديث . وكان لفلسفته أثر عميق على معظم الفلسفات المعاصرة . يمكن وصف فكر
هيغل بأنه بناء وتطوير داخل نطاق التقاليد الأفلاطونية التي تشمل أرِسْطو وكانت
وغَيرهما . وما يُميِّز هؤلاء الفلاسفة أنهم يعتبرون الحرية والجبر الذاتي كلاهما
حقيقي ، وله آثار وجودية هامة للروح أو العقل . هذا التركيز على فكرة الحرية جعل
أفلاطون يأتي بفكرة أن الروح لها وجود أسمى
أو أكمل من وجود الكائنات الجامدة .
كان مشروع هيغل الفلسفي الرئيسي هو أن يأخذ التناقضات والتوترات في المجتمع والثقافة والفلسفة ، ويضعها في سياق وَحدة عقلانية شاملة . وقد سَمَّى هذه العملية " الفكرة المطْلقة " ، أو " المعرفة المطْلقة " . وطِبقًا لهيغل ، إن الخاصية الرئيسية في هذه الوَحدة أنها تتطوَّر وتظهر على شكل التناقض والسَّلْب . ويكون للتناقض والإنكار طبيعة حركية دائمة في كل مجال من مجالات الحقيقة : الوعي . التاريخ . الفلسفة . الفن . الطبيعة . المجتمع . وهذه الجدلية هي ما تُؤدِّي إلى تطوير أعمق حتى الوصول إلى وَحدة " عقلانية " تتضمَّن تلك التناقضات كمراحل وأجزاء ثانوية ضمن كُل تطوُّري أشمل . وهذا الكُل عقلي، لأن العقل وَحْدَه هو القادر على تفهُّم كُل هذه المراحل والأجزاء الثانوية كخطوات في عملية الإدراك. وقد اعتبرتْ فلسفةُ هيغل أن الميِّزة الأساسية للإنسان هي " الوعي بالذات "، وأن هذه السِّمة " تجعله قادرًا على الارتداد إلى ذاته ، وهي نفسها جوهر الفكر الذي يعني الانعكاس أو الارتداد". واستعملَ هيغل مفهوم "الوعي" لتأسيس فلسفة شمولية للتاريخ الذي هو المنتوج الأهم للعقل الإنساني .