وُلد الكاتب المسرحي الأيرلندي جورج برنارد
شو ( 1856 _ 1950) في دَبْلِن ، لعائلة بروتستانتية من الطبقة المتوسطة. وعندما
بلغ الخامسة عشرة ، ترك المدرسة ليعمل موظفًا .
كان نباتيًّا
لا يأكل اللحم إطلاقًا ، كما أنه لَم يشرب الخمر في حياته، لأن والده كان سِكِّيرًا
، وهذا الأمر شكَّل صدمةً له .
انتقل إلى
لندن حين أصبح في العشرينيات ، وعاش في فقر مُدْقِع . لذلك صارت مكافحة الفقر
قيمةً مركزية في كتاباته . كما أنه انخرط في العمل السياسي ، وانضم إلى الجمعية
الفابِيَّة ( وهي جمعية تهدف إلى نشر المبادئ الاشتراكية بالوسائل السلمية ) .
قام برنارد
شو بتثقيف نفْسه بنفْسه ، فاستمر بالقراءة ، وأخذ يتردَّد على المتحف البريطاني ،
وتَعَلَّمَ اللاتينية والفرنسية ، وقد اعتبرَ أن المدارس سجون ومُعتقَلات ، كما
أنه كان مُعادِيًا لحقوق المرأة، ومُنادِيًا بالمساواة في الدَّخْل ، ومُتسامِحًا
مع الأديان ، معَ أنه _ فكريًّا _ كان من اللادينيين. والمفارَقة العجيبة هي أن
برنارد شو لاديني ، ومعَ هذا كان مَثَلُه الأعلى هو النبيَّ محمدًا صَلَّى الله
عليه وسَلَّم ، فقد كان يرى أن حياة الجهاد التي عاشها النبيُّ هي الحياة المثالية
التي أراد هو نفْسه أن يعيشها . وبلغ به الإعجاب أن حاولَ كتابة مسرحية "
محمد " من أجل نشر تعاليمه الدينية ، والكفاح في سبيل حرية الرَّأي ، والخلاص
من التعصب الأعمى واستبداد السُّلطة. وقد قامت الرقابة في البلاط الملكي برفض تمثيل
النبيِّ محمد على خشبة المسرح، خَوْفًا من ردود الأفعال ، وحِرْصًا على رضا السفير
التركي لدى بريطانيا في ذلك الوقت .
ولَم يقف
التناقض في حياة برنارد شو عند أفكاره الدينية ، بل شَمِلَ أيضًا أفكاره السياسية
، فقد تَحَدَّث في كثير من الأحيان بشكل إيجابي عن الدكتاتوريات من اليمين واليسار
، وأعربَ عن إعجابه بموسوليني وستالين على حَدٍّ سَواء ، رغم ما بينهما من عداوة
وتناقض أيديولوجي صارخ .
يُعتبَر
برنارد شو أحد أشهر الكتاب المسرحيين في العالَم ، وهو الكاتب الوحيد في التاريخ
الذي حازَ على جائزة نوبل للآداب ( 1925)، وجائزة الأوسكار لأحسن سيناريو ( عن
سيناريو بِجماليون في عام 1938 ) .
وقد فجَّر
برنارد شو مفاجأة من العيار الثقيل، حين رفض جائزة نوبل حِينَ أُعلِن فَوزه به،
ولكنه قَبِلَها بعد ضغوطات كثيرة ، وقال : (( إن وطني أيرلندا سيقبل هذه الجائزة بسرور, ولكنني لا أستطيع قَبول
قيمتها المادية. إن هذا طَوق نجاة يُلقَى به إلى رَجل وصل فِعلاً إلى بَر الأمان ,
ولَم يَعُدْ عليه مِن خطر )) . وقد تبرَّع بقيمة الجائزة لإنشاء مؤسسة تُشَجِّع
نشر أعمال كبار مؤلفي بلاد الشمال باللغة الانجليزية .
ظل برنارد شو يكتب المسرحيات لمدة نصف قرن .
ومنهجه في الكتابة المسرحية هو اعتماد الواقعية الجديدة في الدراما ، وذلك
باستخدام الأفكار الأدبية لنشر المبادئ السياسية والاجتماعية والدينية . وتجاوز
عدد مسرحياته الطويلة والمتوسطة 50 مسرحية ، وتم إخراج عدد كبير من هذه المسرحيات
أثناء حياته في أهم العواصم العالمية. وقد تُرجمت أعماله الكاملة إلى اللغة
العربية ، وصَدرت على شكل أجزاء ، كما صدرت كل مسرحية على حِدَة .