وُلِد الفيلسوف والأديب السويسري جان
جاك روسو (1712_ 1778 ) في مدينة جنيف بسويسرا. كانت أسرته من أصل بروتستانتي فرنسي، وقد
عاش في جنيف لمدة سبعين عامًا تقريبًا.
تُوُفِّيَت أُمه عقب ولادته
مباشرة ، تاركة الطفل لينشأ في كنف والده، الذي عُرف بميله إلى الخصام والمشاجرة.
ونتيجة لإحدى المشاجرات عام 1722 ، اضْطُر والد روسو إلى الفرار من جنيف . فتولى
عم الصبي مسؤولية تربيته . في عام 1728 ، هرب روسو من جنيف،
وبدأ حياة من الضياع، ومن التجربة والفشل في أعمال كثيرة . كانت الموسيقى تستهويه
، وظل لسنوات مترددًا بين احتراف الكتابة أو الموسيقى . وبعد وقت قصير مِن رحيله
عن جنيف، وهو في الخامسة عشرة من عمره، التقى روسو بالسيدة لويز دي وارنز،وكانت
أرملة غنية. وتحت تأثيرها، انضمَّ روسو إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.ومع أنه
كان أصغر منها باثني عشر عامًا ، إلا أنه استقر معها بالقُرب من مدينة شامبيري، في
دوقية سافوي. وقد وصف سعادته بعلاقتهما في سيرته الذاتية الشهيرة " اعترافات
". ولكن العلاقة لَم تدم، فقد هجرها روسو عام 1740. وفي عام 1741، كان روسو
في باريس يجري وراء الشُّهرة
والثروة، وقد سعى إلى احتراف الموسيقى. وكان أمله يكمن في وضع نظام جديد للعلامات
والرموز الموسيقية كان قد ابتكره . وقدَّم المشروع إلى أكاديمية العلوم ، ولكنه
أثار قَدْرًا ضئيلاً من الاهتمام . وفي باريس ، اتَّصل روسو بـالفلاسفة، وهي جماعة
من مشاهير كُتَّاب وفلاسفة العصر . وحصل على التشجيع المادي من مشاهير
الرأسماليين. ومن خلال رعايتهم،خدم روسو أمينًا للسفير الفرنسي في البندقية خلال
عامَي 1743 و 1744 . وقد كانت نقطة التَّحول في حياة روسو عام 1749، حين قرأ عن
مسابقة،تكفَّلت برعايتها أكاديمية ديجون التي عرضت جائزة مالية لأحسن مقال عن
موضوع " هل إحياء النشاط في العلوم والفنون سَيُؤدِّي إلى الإسهام في تطهير
السلوك الأخلاقي ؟ " . وما إن قرأ عن المسابقة حتى أدرك المجرى الذي سَتَتَّجه
إليه حياته. وهو مُعارضة النظام الاجتماعي القائم الذي كان يشعر بالاستياء منه
كثيرًا، ما بين طبقة غنية تهتم بالبذخ والمظاهر والتفاخر، وطبقة كبيرة من الفقراء
الْمُعْدَمِين. وقرَّر أن يُمضيَ بقية حياته في بيان الاتجاهات الجديدة للتنمية
الاجتماعية .
قدَّم روسو مقاله إلى الأكاديمية
تحت عنوان : " بحث علمي في العلوم والفنون " عام 1750 ، حمل فيه على
العلوم والفنون لإفسادها الإنسانية. ففاز بالجائزة، كما نال الشهرة التي
ظل ينشُدها منذ أمد بعيد ولكنه
كان يُفضِّل الانعزال والتفكير. تتَّسم آخر أعمال روسو بالإحساس
بالذنب وبلغة العواطف. وهي تعكس محاولته للتغلب على إحساس عميق بالنقص، ولاكتشاف
هويته في عالَم كان يبدو رافضًا له . وكان عملُه الأخير _ الذي اتسمَّ بالجمال والهدوء _ بعنوان "
أحلام اليقظة للمُتجوِّل الوحيد " ( 1782 ) الذي نُشِر بعد وفاته .
كتب روسو شعرًا ومسرحيات نظمًا
ونثرًا . كما أن له أعمالاً موسيقية مِن بينها " مقالات كثيرة في الموسيقى
" والمسرحية
الغنائية ( أوبرا ) ، ومعجم الموسيقى (1767م)، ومجموعة من الأغنيات الشعبية بعنوان
" العزاء لتعاسات حياتي " ( 1781 ) ، وفضلاً عن ذلك ، كتب روسو في عِلم
النبات ، وهو عِلم ظَل لسنوات كثيرة تتوق نفسه إليه .
كان روسو يُؤكِّد على استقلالية
النَّشء ، مع ضرورة أن يكون هذا مقترنًا بتوجيه خفي بحيث تتَّفق ميول النشء مع ما
يُريده المعلِّم ، وأن يَشعر النَّشء بأنه هو صاحب الاختيار ، فلا توجد استجابة
وتكريس إلا بالشعور بأن المرء حُر فيما يتعلمه . وقد انتشرت طريقة روسو في تربية
النشء في الدول الأوروبية ، وهي تُعتبَر حتى يومنا هذا الطريقة الأساسية في
التعليم الحديث .